الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لذلك امتنَّ به على خلقه فقال: (قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ) .
ويرى ابن الأثير أن تشبيه المرأة باللباس لم يُعرف قبل وروده في القرآن
الكريم.
وهذا الوصف من شأنه أن يُرَغب الرجال في البناء بالنساء.
والنساء فى الحفاظ على روابط الأسرة واستمرار سعادتها.
وشبههن مرة بالحَرْث فقال: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) .
وتشبيه المرأة بالحرث من حيث أن كُلا منهما - المرأة والحَرْث - موضع أمل
. . . فالأرض تنبت ما به قوام الحياة.
والنساء ما به يحيا النوع الإنسانى.
ويستمر في عمارة الأرض. فبين المعنيين تعانق.
* *
*
وصف الحور والوِلْدَان:
فى وصف الحور جاء الحديث في القرآن عن الجمالين: الحسي والمعنوي.
لا تكاد صورة من صور التشبيه والتمثيل لهن تخرج عن هذا الهدف.
قال سبحانه: (وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49) .
وقال: (كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) .
وقال: (كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) .
وقال في وصف الوِلْدَان: (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) .
فى هذه النصوص الكريمة شُبّهت الحور بالبَيْض المكنون في الأداحى. وبه
تُشَبه العرب النساء وتسميهن " بيضات الخدور ". -
ونلمح في هذا التشبيه معنيين هما: الرقة والبياض.
وهذان وصفان راجعان إلى جمال الأنثى الحسي. وإن كانت الرقة أقرب إلى الجمال النفسي منها إلى الحسي. ولأنهما راجعان إلى ما ذكرنا. فهما لا يكفيان وحدهما في المدح والثناء. بل لا بدَّ من وصف آخر يكمل النعمة. وصف آخر خُلقى لأن المرأة لا تُمدح لجمالها وحده فجمالها قد يرديها كما جاء ذلك في الحديث الشريف.
وقد تكفل بهذا الوصف الخُلقى قوله تعالى: (مَكْنُونٌ) أي محفوظ
مصون، وهذا معناه العفة وقصر استمتاعهن على أزواجهن.
وقد أكَّد هذا قوله تعالى: (قَاصِراتُ الطَّرْفِ)، وقوله: (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِى
الخِيَامِ) . . وهذا أقصى ما يتَطلبه الحر في المرأة.
وكما نلمح في تشبيههن بالياقوت والمرجان معنى النفاسة والزكاوة.
لأن مَن يملك شيئاً من هذين النوعين فهو عليه حريص وبه معتز.
وكذلك قوله تعالى: (كَأمْثَالِ اللُؤلؤِ المكْنُونِ) . . لأن اللؤلؤ قسيم
الياقوت والمرجان فيما ثبت لهما من المعاني الشريفة والنضارة واللمعان.
وهو لؤلؤ مكنون لم تعبث به يد عابثة.
(لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ) . . فالعفة والحصانة أبرز
ما توصف به الحور العين فضلاً عن الجمال الحسي والاكتمال الخُلقى.
أما الوِلدَان. فقد شُبهوا - أيضاً - باللؤلؤ فأفاد هذا التشبيه جمال المنظر
ونفاسة الذات.
ثم وصفه بأنه " منثوراً " فالوصف هنا مغاير للوصف في جانب الحور العين. .
هناك يثبت العفة والحصانة والطهارة لإناث الحور.
والعفة والطهارة أكرم أوصاف الإناث على الإطلاق ولا يضر الأنثى ما فاتها بعدهما.
أما الوِلدَان فإن القصد إلى كثرتهم وانتشارهم لخدمة أهل الجنة أمر مطلوب،
وليسوا هم بحاجة إلى إثبات العفة لأنهم ليسوا مظنة التبذل. .
ولهذا جاء الوصف - هنا - كما كان - هناك - وافياً بالفرض:
(إذا رَأيْتَهُمْ حَسبْتَهُمْ لُؤلُؤاً مَنثُوراً) .
فهم في صفاء اللؤلؤ وانتشار الكواكب.
وصدق الله العظيم. ما أحسن قوله وأحكم كتابه.
* * *
3 -
وصف الجنة:
قال سبحانه: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) .
وقال: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) .
" في الآيتين حديث عن عرض الجنة دون الطول.
لأن ما له عرض وطول فإن عرضه أقل من طوله.
فإذا عُرِف عرضه بالبسطة عُرِف أن طوله أبسط وأمد ".
ويرى السعدى - كما يذكر الزمخشري - أن العرض قد يُراد به البسطة
وليس ما يقابل الطول. كقوله تعالى: (فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ)
ويكون المعنى: بسطتها كبسطة السماء والأرض. .
والآيتان تصفان الجنة من حيث الاتساع أو المساحة. وهذا ظاهر.
وقال سبحانه: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35) .
وقال سبحانه: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15) .
وهاتان تتحدثان عن نعيم الجنة لا عن عرضها وطولها.
وهما تدخلان في باب التشبيه من حيث أن المراد بالمثل فيهما الصفة الشبيهة بالمثل في غرابتها.
وآية " محمد " كالتفصيل لآية " الرعد ".
ففى آية " الرعد " إشارة مجملة إلى نعيم الجئة. وفي آية " محمد صلى الله عليه وسلم " تفصيل وتسمية لألوان ذلك النعيم.
وفى " الرعد " إشارة إلى دوام الأكل وإن انفردت بذكر الظل.
وفي " محمد " تعيين لذلك الأكل: (وَلهُمْ فِيهَا مِن كُل الثمَرَاتِ) .
والآيتان تثبتان للجنة الموعود بها المتقون كل أسباب البهجة والنعيم الخالد،
وقد اشتملت آية " محمد " على زيادة لا بدَّ لها من توجيه.
وهي قوله تعالى: (كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15) .
وقد تطوع الزمخشري بهذا التوجيه فقال:
" فإن قلتَ: ما معنى قوله تعالى: " مثل الجنة التي وُعِدَ المتقون فيها أنهار. . كمن هو خالد في النار. . . "؟
قلت: هو كلام في صورة الإثبات ومعناه النفي والإنكار. لانطوائه تحت
كلام مصدَّر بحرف الإنكار ودخوله في حيزه. وانخراطه في سلكه.
وهو قوله: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ)، فكأنه قيل:" أمثل الجنة التي وعد الَمتقون. كمن هو خالد في النارَ "؟
فإن قلتَ: فلِمَ عرى من حرف الإنكار. وما فائدة التعرية؟
قلت: تعريته من حرف الإنكار فيها زيادة تصوير لمكابرة مَن يسوى بين
التمسك بالبينة. والتابع لهواه وأنه بمنزلة مَن يسوى بين الجنة التي تجرى تحتها
الأنهار ويين النار التي يُسقى أهلها الحميم ".
والحق أن ما ذكره الزمخشري كلام في منتهى الجودة.
وكذلك يرى العلامة أبو السعود في تفسيره. وقد زاد كثرة التقديرات إذ أورد الوجوه الآتية:
(كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِى النَّارِ) : خبر لمبتدأ محذوف تقديره: أمنْ هو خالد
فى الجنة حسبما جرى به الوعد كمن هو خالد في النار؟
وقيل: معناه أمثل الجنة كمثل جزاء مَن هو خالد في النار؟
ففى الكلام حذف متضايفين.
أو: أمثل أهل الجنة كمثل مَن هو خالد في النار؟
قال: " وعرى عن حرف الإنكار وحذف ما حذف تصويراً لمكابرة مَن يسوى بين التمسك بالبينة وبين التابع للهوى بمكابرة مَن يسوى بين الجنة الموصوفة بما فصل من الآيات الجليلة وبين النار ".
* * *
في التخويف والتحذير:
الترغيب والترهيب وسيلتان من وسائل تربية الجماعات والأمم، وقد تقدم دور التشبيه القرآني في مجال الترغيب والوصف المحبَّب للموصوف،
ونتناول فيما يأتي دوره في الترهيب وما يتصل به من معان.
1 -
وصف الدنيا:
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45) .
وقال سبحانه: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) .
وقال: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) .
* *