الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدعوى أغنى عن ذكرهما في الرد عليها. كما نلاحظ دخول حرف الجر على الوصف وحقه ألا يدخل عليه. وذكره عفيد لتأكيد النسبة. لينفى عنهم - نفياً مؤكداً - ما أرادوا أن يروجوه عنهم رواجاً مؤكداً.
ولهذا تعادلت كفتا الميزان.
ثم لننظر إلى دقة التعبير القرآني. إنه قال: (مَن يَقُولُ آمَنا) ولم يقل:
" ومن الناس من آمن بالله " لأن القول غير الإيمان.
ولو كان كذلك لما جاز نفيه وإلا أدى إلى تناقض يحتاج إلى تحرج بعيد.
فكل لفظة فيه موضوعة بحساب.
(يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) .
هذا شروع في تفصيل قصة المنافقين و " الخدع " أن يوهم صاحبه خلاف
ما يريد به من المكروه من قولهم: ضب خادع، إذا أمَر الحارس يده على باب جحره أوهمه إقباله عليه ثم خرج من باب آخر.
فكيف جاز - إذن - إطلاقه على الله. وهو العليم الخبير؟
*
*
الخداع في جانب الله:
يجيب على ذلك صاحب المفردات فيذكر قوله تعالى: (يُخَادعُونَ اللهَ)
ثم قال: " أي يخادعون رسول الله وأولياءه ".
ونسب ذلك إلى الله تعالى من حيث أن معاملة الرسول كمعاملته.
ولذلك قال تعالى: (إن الَّذِينَ يُبَايعُونَكَ إنمَا يُبَايعُونَ اللهَ) ، وجعل ذلك خداعا تفظيعاً لفعلهم وتنبيهاً على عظم الرسول وعظم أوليائه، وقول أهل اللغة: إن هذا على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه فيجب أن يُعلم أن المقصود بمثله في الحذف لا يحصل لو أتى بالمضاف المحذوف لما ذكرنا من التنبيه على أمرين:
أحدهما: فظاعة فعلهم فيما تحروه من اللفظ معه.
وأنهم بمخادعتهم إياه يخادعون الله.
وثانيهما: التنبيه على عظمة المقصود بالخداع وأن معاملته كمعاملة الله ".
ويرى الزمخشري أن هذا مجاز عند البيانيين لأنهم تعاطوا - أي المنافقين
حسب ظنهم - أفعال المخادع، والدليل عليه صدق نفيه في عجز الآية:
(وَمَا يَخْدَعُونَ إلا أنفُسَهُمْ) . . مجاز استعاري كذلك لأن المراء لا يخدع
نفسه، وإنما سمى إضرارهم أنفسهم " خداعاً " حيث كانوا لا يشعرون بأن فى
عملهم هذا ما يعود عليهم بالضرر، وقد حسن من موقع المجاز هنا مشاكلته
للمجاز الأول بلفظه ومعناه.
وليس ضرر المنافقين بواقع على أحد، وإنما هو واقع بهم، وهذا المعنى أفاده
القصر في الآية الذي طريقه النفي والإثبات.
ولهذه المادة " خدع " مواضع في القرآن جاءت في واحد منها على معناها
اللغوى، وجا عت في بقية المواضع على طريق المجاز منها الاثنان اللذان في آيتنا هذه، وقد وضح المجاز فيهما، أما المواضع الأخرى فهى:
(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) .
فخداعهم لله مجاز تقدم الوجه فيه، أما خداع الله لهم فمجاز - كذلك - لأن
الخداع الحقيقي يوهم - هنا - أن المخادع يعجز عن الكافحة وإظهار المكتوم، مع أن الله تعالى قادر على هتك سترهم وإنزال العذاب بهم ولا حَرَج عليه.
ولكن حيث وضع فعل الله بهم مقابلاً لما توهموه خداعاً للهِ.
سمى جزاؤه لهم خداعاً، فهو كقوله تعالى: (صَبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أحْسَنُ منَ الله
صِبْغَةً)