الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كأنما يصعد في السماء وهو ضارب بقدميه على الأرض، لأن صعوده في السماء مثل فيما يمتنع ويبعد من الاستطاعة وتضيق عنه المقدرة.
قال الراغب: " والصعد والصعيد والصعود واحد. لكن الصعود والصعد
يقال للعقبة. ويُستعار لكل شيء شاق - قال -: (وَمَن يُعْرضْ عَن ذكرِ رَبًه
يَسْلكْهُ عَذَاباً صَعَداً) ، وقال:(سَأرْهقُهُ صَعُوداً)
أي: عقبة شاقة ولا يبعد أن يكون هذا التجاذب
إلى أَعلى مرة ثم إلى أسفل أخرى دليلاً على قلق الكافر وتنازع أفكاره بين مهاوى الضلال والفتنة. ونسمات الهدى والإيمان.
*
وصورة رابعة - صيحات وصواعق:
(إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) .
هذه عاقبة قوم ضلُوا أخذتهم الصيحة فهلكوا.
فصوَّر لنا القرآن صيرورتهم بعد هلاكهم بأنهم كانوا مثل " هشيم المحتظر ". هكذا. .
ومادة " هشم " تدور حول تكسر المادة وصيرورتها أجزاء - وهذا كافٍ
في هلاكهم - ولكنه يصف الهشيم بأنه " هشيم المحتظر "، وهذا يفيدنا
معنيين:
أن الكوارث حلت بهم جميعاً فتساقطوا بعضهم فوق بعض.
هكذا يكون الهشيم في الحظيرة.
وأنهم أصبحوا وقوداً للنار تسرع فيه إذا أشعلت لأن " هشيم المحتظر " أكثر
جفافاً من الهشيم الأخضر.
ومعنى آخر نلحظه: هو أن الهشيم يصبح قليل القيمة. أو هباء تذروه الرياح
كما جاء في قوله تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ) .
وصورة مماثلةَ. (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68) .
وأخرى: (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95)
وأخرى: (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً) .
هذه ثلاث صور قريبة فيما بينها إذ تشترك الثلاث في أن الصيحة هى
آخذة الذين كفروا. . وهذا إسناد مجازي علاقته السببية.
لأن الآخذ الحقيقي هو الله.
وعقب كل مرة تأخذهم فيها الصيحة يصبحون جاثمين لا حراك لهم.
ويصيرون بعد هلاكهم كأنهم لم يسبق لهم وجود في الحياة.
استؤصلوا من جذورهم.
فقد شبَّه وجود هم بالعدم لانعدام آثارهم.
يقال: غنى بالمكان - أي أقام به - يعني: " كأن لم يقيموا في ديارهم أحياء متصرفين مترددين "
وفي الصورة الثالثة جاء تشبيههم بـ " الغثاء ". . والغثاء يُضرب به المثل
فى الضياع. ومصداق هذا في قوله سبحانه: (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5) .
وصورة أخرى: (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) .
لقد أهلك الله عاداً وثمود فأصبح هلاكهم أمراً مشهوراً وأصلاً يُقاس عليه.
لذلك أمر الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يُخوف أهل مكة إذا استمروا في إعراضهم أن يرسل الله عليهم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود فيحل عليهم عذاب بئيس.
صورتان أخريان: لقد شبَّه القرآن الكافرين حين أخذهم الله بعقابه العاجل
بأنهم " أعجاز نخل ". وذلك في موضعين:
أحدهما قوله تعالى: (فَتَرَى القَوْمَ فيهَا صَرْعَى كَأنهُمْ أعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةً) .
وثانيهما قوله تعالى: (تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) .
فتشبيههم بأعجاز النخل دون غيرها من الأطراف للإشعار بأنهم أبيروا من
أصلهم فلم تبق لهم باقية. وقد حرص القرآن في الموضعين أن يصف الإعجاز
بوصف متمم للصورة.
فالأعجاز " خاوية " في آية الحاقة. والنخل " منقعر " في آية القمر،
ولك أن تسمى هذا من باب تحقيق التشبيه. كقول الشاعر:
حَمَلتُ رُدَيْنيًّا كَأن سِنَانه. . . سَنَا لهَب لمْ يَتصِلْ بِدُخَانِ
وذلك لأن أعجاز النخل قد تكون لها قوة إذا لم تكن خاوية.
وإذا لم يكن النخل منقعراً.
* *