الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك ما أراه لائقاً لتوجيه المعنى - بلاغياً - فرق الجواز النحوي.
أما النوع الثاني من ضابطى حذف الحرف - وهو النوع الذي يعتبر الحرف فيه محذوفاً في موضع قياساً على موضع آخر جاء مذكوراً فيه - فإن أمثلة ذلك من القرآن كثيرة. . .
* *
*
حذف الواو وذكره:
ومنها قوله تعالى في ثأن أهل النار: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) .
فى هذه الآية حذف حرف الواو وقيل: " فتحت " بدليل ذكرها في موضع
آخر مماثل لهذا الموضع.
وهو قوله تعالى في شأن أهل الجنة: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) .
* دلالة هذا الحذف:
الواو - إذن - محذوفة في الموضع الأول. مذكورة في الموضع الثاني.
فما السر في الحذف هناك والذكر هنا؟
وما الذي ترتب على الحذف والذكر من
تغيير في المعنى وفي الإعراب؟
لقد كان لهذا الصنيع أثره في الموضعين. ويمكن تلخيصه فيما يأتي:
1 -
حذف الواو في الآية الأولى محض ما بعدها للشرط.
فأصبح جواباً لـ " إذا "، أما ذكرها في الثانية فقد حمى ما بعدها أن يقع جواباً للشرط.
ولوَّح بأن الجزاء محذوف. ولأنه صفة ثواب أهل الجنة.
فدل بحذفه على أنه شيء لا يحيط به الوصف.
2 -
والحذف في الأولى دل على أن أبواب جهنم فتحت حين جاءوها، لأن
" إذا " ظرف لا يُستقبل من الزمان، و " فتحت " جوابها، والذكر في الثانية
دل على أن أبواب الجنة كانت مفتحة قبل أن يأتوها.
فلماذا - إذن - كانت أبواب جهنم مغلقة ثم فتحت حين جاءوها، وأبواب الجنة مفتحة قبل أن يأتوها؟
3 -
والجواب: لأن جهنم سجن، والسجن ذلك شأنه: حُراس شداد،
وأبواب محكمة الإيصاد: (عَليْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَة) .
والجنة دار كرامة وتشريف، فللترحيب بهم استعدت لهم قبل وصولهم،
(جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50) .
* * *
* موضع آخر تُحذف الواو:
فتلك أسرار ثلاثة استفيدت من حذف حرف في موضع، وذكره في موضع
آخر مماثل.
ومثله في كون الواو محذوفاً في موضع ومذكوراً في آخر مماثل قوله تعالى:
(وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) .
وقوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) .
وتوجيه التعبير في الموضعين ميسور. لأنهما - وأن اتحدا في الغرض العام
- فبينهما فرق واضح هو مكمن السر في الذكِر والهدف.
فالآية الأولى تذكير من الله - مجرد تذكير - بما حدث لبني إسرائيل من
بطش فرعون وآله.
وفي الآية الثانية يعمد موسى عليه السلام إلى تذكير بنى اسرائيل بنعَم
الله. . ويعدد عليهم تلك النعَم. فلم يكتف بذكر الإنجاء. بل مهُد له من أَول الأمر للتذكير فناسب ذلك تَعداد النعَم.
والفصل بين آحادها. فكأنه جعل سومهم العذاب محنة مستقلة نجاهم الله منها، وعطف عليها غيرها.
لذلك جيء بالواو بين النوعين. ومعروف أن العطف بالواو يقتضي المغايرة. .
فلو ترك هذا العطف لصار السوم والتذبيح نوعاً واحداً. ويكون الثاني تفسيراً للأول. كما هو في الآية الأولى.
وإلى هذا المعنى أشار الزركشي في شيء من الإجمال.
ومثله كذلك قوله تعالى: (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22) .
فقد جاء " رابعهم " و " سادسهم ". بعد " ثلاثة " و " خمسة " بدون
واو. . . ثم خولف في " سبعة " هذا النسق. حيث عطف عليها " ثامنهم "
بالواو. والمواضع الثلاثة متماثلة.
فلا بدَّ من سر خفى اقتضى الحذف في الأولين.
والذكر في الثالث. . فما هو إذن ذلك السر؟