الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الموضع التاسع " وكَفَى بِاللهِ شَهِيداً
":
(قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52) .
فى الإسراء قدم: " شهيداً " على: " بينى وبينكم "
وفي العنكبوت عكس النظم فقدم: " بينى وبينكم " على: " شهيداً "
فما السر إذن؟
والجواب: إن التأمل في الموضع الأول - الإسراء - يرى القوم قد أوغلوا
في تحديهم للرسول صلى الله عليه وسلم وتفننوا في مظاهر العناد. فقالوا: (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ) .
*
*
التفاوت في التحدي هو السر:
لقد بلغ التحدي - هنا - غاية بعيدة. انتقلوا فيه من صورة إلى صورة
قاصدين من ورائه إعجازه وإفحامه.
أما الموضع الثاني - العنكبوت - فإن القرآن حكى فيه تحدى القوم للنبى صلى الله عليه وسلم على وجه الإجمال:
(وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52) .
والتفتن في المعارضة، ولحجج الخصومة فيما حكاه القرآن عن القوم فى
الإسراء حال داعية إلى تقديم: " الشهادة " على: " البينة " لأنهم حين لم
تثمر فيهم النُذر التي بلغتهم عن ربهم أثاروا في الداعي شعور الاستياء منهم
والأسف عليهم. فكأنه - أي الداعي - كان يردد في نفسه: ربي. . إن خروج هؤلاء عن الحق. وتماديهم في الباطل، ليس عن تقصير مني لقد بلغتهم ما أمرتنى به. وأنت تعلم أنى قد بلغت.
ههنا خصومة محتدة، ولا يفصل في الخصومات المحتدة أفضل من شهادة
حق، لذلك رجح تقديم:" شهيداً " وهو الأصل على تأخيره، وهو جائز.
وإنما كان تقديم: " شهيداً " هو الأصل لأنه حال أو تمييز، وهو صفة
مشبهة باسم الفاعل صالح لأن يتعلق به شيء،
والظرف هنا: " بينى وبينكم "
متعلق به فرتبته إذن التأخير حيث لا مقتضى للخروج عن الأصل.
وتأخيره غير مخل بالتعبير لكونه في الأصل كذلك ولأن الفاصلة:
(إنهُ كَانَ بعَبَاده خَبيراً بَصيراً) . تشير إلى طرفى موضوع الشهادة.
المشهود له، وَالمشهَوَد عَليه. إذَ هي نص صريح في أن الله خبير بصير بالعباد ففيها نوع تخصيص بتعلق العلم والبصر.
وهذا يفيدنا في توجيه تقديم الظرف: " بينى وبينكم " على: " شهيداً "
فى سورة العنكبوت.
ونص الآية مرة أخرى: (قُلْ كفَى بالله بَيْنِى وَبَيْنَكُم شَهِيداً يَعْلمُ مَا فِى
السماواتِ والأرْضِ. .) أي بينى أنا وبيَنكم أنتم لا بيني وبين أحد غيركم.