المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثالثمن روائع " المعاني " في القرآن الكريم* من أسرار الحذف.* من أسرار التقديم في القرآن.* التقديم غير الاصطلاحي

- ‌الفصل الأولمن أسرار الحذف

- ‌ شروط الحذف:

- ‌ لماذا حذف " يا " مع " رب

- ‌ حذف "لا" مع "تفتأ

- ‌ حذف الواو وذكره:

- ‌ توجيه النص مع الحذف وعدمه:

- ‌ رد ابن المنير على هذا الرأي:

- ‌ إضافة:

- ‌ موضع ثالث لحذف الواو:

- ‌ هل توجيه الزمخشري مقنع

- ‌ حذف حرف الجر " الباء

- ‌ توجيهي للمسَألةَ:

- ‌ صورة أخرى لحذف الحرف في القرآن:

- ‌ توجيهات العلماء للمسألة:

- ‌ سبب الحذف هنا:

- ‌ إيضاح:

- ‌ حذف الفعل اكتفاءً بآخر:

- ‌ الحذف للتحذير والإغراء:

- ‌ حذف الفعل إذا وقع جواب سؤال:

- ‌ سبب هذا الحذف:

- ‌ حذف الفاعل على غير قياس:

- ‌ مماثلة عجيبة

- ‌ سبب حذف الفاعل فيها:

- ‌ وما سر الحذف إذن

- ‌ أسباب أخرى لحذفهما:

- ‌ حذف الخبر مع " لا " النافية:

- ‌ مناقشة مثالين:

- ‌ وجه لحذف ياء المتكلم مع " رب

- ‌ حذف المفعول به:

- ‌ الأغراض البلاغية لحذف المفعول به:

- ‌ سبب قرآنى بحت:

- ‌ خلاف حول آية:

- ‌ نقد وتوجيه:

- ‌ كراهة نسبة الرسالة هي السبب:

- ‌ عزة المطلب هي السبب:

- ‌ مجرد الاختصار وحده لا يكفي:

- ‌ ورعاية الفواصل وحدها لا تكفي:

- ‌ أنواع الحذف:

- ‌ والخلاصة:

- ‌خصائص الحذف القرآني

- ‌ شهادة عدلين:

- ‌الفصل الثانيمن أسرار التقديم في القرآن الكريم

- ‌ معارضة:

- ‌ مبنى إفادة التقوي:

- ‌ مرجحات رأي:

- ‌ التقديم والتأخير في الفعل المنفي:

- ‌ مقارنة:

- ‌ موقف المتأخرين من هذا الرأي:

- ‌ ملاحظة:

- ‌ مناقشة الخطيب له:

- ‌ تقديم المفعول به:

- ‌ تقديم المفعول للإنكار:

- ‌ تعقيب:

- ‌ تعقيب:

- ‌ ملحظ مهم فات ابن الصائغ:

- ‌ سر هذا التقديم:

- ‌ مقارنة بين ثلاثة نصوص:

- ‌ ملحظ آخر فات ابن الصائغ:

- ‌ خطأ وقع فيه ابن الصائغ:

- ‌ عرض ونقد وتحليل:

- ‌ رأي صائب:

- ‌ السموات لم تُقدَّم على الأرض دائماً:

- ‌ تقديم ذو وجهين:

- ‌ مقارنة بين المنهجين:

- ‌ مراعاة النظم:

- ‌ مأخذنا على ابن الأثير:

- ‌ تقديم الظرف:

- ‌ تعقيب:

- ‌ أبرز ملامح منهج ابن الأثير:

- ‌ توجيه آخر:

- ‌ رأي لنا في المسألة:

- ‌ أبرز ملامح منهج المفسرين:

- ‌ اقتراح:

- ‌الفصل الثالثالتقديم غير الاصطلاحيأو اختلاف النظم في العبارات ذات المعنى الواحد

- ‌ نوع ثالث من التقديم:

- ‌ رأينا في الموضوع

- ‌ ما يهدى إليه النظر في هذا الموضع:

- ‌ ماذا قال المفسرون:

- ‌ سؤال وجواب:

- ‌ الموضع الرابع " التوحيد والخَلق

- ‌ توجيه ميسور:

- ‌ الموضع الخامس: " الذِينَ آمَنُواْ، وَالذِينَ هَادُواْ

- ‌ رأي الإسكافي:

- ‌ تخريجنا لهذه المواضع:

- ‌ بين المفسرين والإسكافي

- ‌ الموضع السادس " وَمَا أُهلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ

- ‌ مقامان مختلفان:

- ‌ الموضع السابع " القَوَامة والشهادة

- ‌ قيمة هذه النقول:

- ‌ دلالة النص نفسه:

- ‌ رأي الخطيب الإسكافي:

- ‌ الموضع الثامن " اطمئنان القلوب

- ‌ رأي الخطيب الإسكافي:

- ‌ الموضع التاسع " وكَفَى بِاللهِ شَهِيداً

- ‌ التفاوت في التحدي هو السر:

- ‌ الموضع العاشر " التلاوة وتعليم الكتاب

- ‌ نظرة فاحصة تكشف السر:

- ‌ فهم آخر:

- ‌ الموضع الحادى عشر " لَا يَقْدِرُونَ عَلى شَىْءٍ مِمَّا كَسَبُواْ

- ‌ بحث عن السر:

- ‌ الموضع الثاني عشر " الكِبَر والعُقْر

- ‌ ملاحظة أمرين:

- ‌ الموضع الثالث عشر " وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ

- ‌ رأي الخطيب الإسكافي:

- ‌ سؤال وجواب:

- ‌ الموضع الخامس عشر " رزق الآباء والأبناء

- ‌ الموضع السادس عشر " لقَدْ وَعِدنا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ

- ‌ رأيي في الموضوع:

- ‌ رأي الخطيب الإسكافي:

- ‌ الموضع السابع عشر " وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ يَسْعَى

- ‌ رأي السكاكي:

- ‌ الموضع الثامن عشر " الأكل الرغد

- ‌ الموضع التاسع عشر " الشفاعة والعدل

- ‌ توجيه الزركشي لهاتين الآيتين:

- ‌ جولة مع المفسرين:

- ‌ رأيي في المسألة:

- ‌ الموضع العشرون " اللعب واللهو

- ‌ مفهوم اللعب واللهو:

- ‌ اللعب في القرآن:

- ‌ التوجيه البلاغي للنص:

- ‌ لماذا قدَّم " اللهو على اللعب " إذن

- ‌ إجمال:

- ‌الباب الرابعمن سحر البيان في القرآن الكريم* التشبيه والتمثيل.* المجاز في القرآن الكريم.* المجاز القرآني

- ‌الفصل الأولالتشبيه والتمثيل

- ‌ مجموعات التشبيه والتمثيل في القرآن:

- ‌ صورة ثانية - حالهم مع كل ما يجب فهمه:

- ‌ صورة ثالثة - أكلهم كأكل الأنعام:

- ‌ صورة رابعة - الكافرون وسلب الإحساس:

- ‌ صورة خامسة - قسوة قلوبهم وتحجرها:

- ‌ صورة سادسة - الكافرون والظلمات:

- ‌ ومعنى آخر نلمحه:

- ‌ صورة سابعة - الكافرون والموت:

- ‌ إجمال:

- ‌ ضعف المعتقد:

- ‌ ومثلان آخران - رجلان لا يستويان:

- ‌ وصورة أخرى - الذباب هو المنتصر:

- ‌ بَلهٌ مضحك:

- ‌ هلع قاتل:

- ‌ وضعف بالغ:

- ‌ صورة أولى - صفوان ووابل:

- ‌ وصورة أخرى - ريح ورماد:

- ‌ وصورة أخرى - ريح وصِرٌّ:

- ‌ وصورة أخرى - سراب وظلمات:

- ‌ وصورة أخرى - هباء منثور:

- ‌ صوة أولى - ترهقهم ذلِة:

- ‌ وتصعَّد منهك:

- ‌ وصورة رابعة - صيحات وصواعق:

- ‌ مآل الكافرين:

- ‌ وقفة جامعة:

- ‌ وصف الحور والوِلْدَان:

- ‌ ملامح مشتركة بين الصور الثلاث:

- ‌ قياس واضح يُلزمهم بالتصديق:

- ‌ والخلاصة:

- ‌ أهوال القيامة:

- ‌معان دقيقة

- ‌ وقفة تأمل:

- ‌ التشبيه المقلوب:

- ‌ فكرة للدرس:

- ‌ البيع، والرِّبَا:

- ‌ خصائص تشبيهات القرآن:

- ‌ صورتان فيهما دقة:

- ‌ سر آسر:

- ‌ وهم مدفوع:

- ‌ وجه الشبه في تشبيهات القرآن:

- ‌ ووهم آخر مدفوع:

- ‌ مدخول الأداة في التشبيه المركب:

- ‌ عود للتشبيه المسلوب:

- ‌ نوع فريد من التشبيه في القرآن:

- ‌ التشبيه والتمثيل أصيلان في أسلوب القرآن:

- ‌الفصل الثاني1 -المجاز في القرآن الكريم

- ‌ عرض سريع:

- ‌ لماذا يستخدم القرآن المصدر المؤول

- ‌ مقارنة سريعة:

- ‌ صمت. وكلام:

- ‌ طبع " و " ختم " أختان:

- ‌ وصف جامع:

- ‌ تفرقة عجيبة:

- ‌ منهج القرآن في " طبع " و " ختم

- ‌ ربط " تنافى " ختم " و " طبع

- ‌ الخداع في جانب الله:

- ‌ ولكن ما خداع الله لهم

- ‌ توجيه جديد للآية:

- ‌ النفاق ". . كلمة مدنية:

- ‌ دور المرض في المجاز:

- ‌ المرض. . حقيقة ومجازاً:

- ‌ موازنة ضرورية:

- ‌ مقتضى الظاهر ومخالفته:

- ‌ المعاني التي أفادتها " مَدَّ " في القرآن:

- ‌ العَمَه. . العمى:

- ‌ طريق المجاز فيهما:

- ‌ محاولة لتوجيه المعنى في الموضعين:

- ‌ الاشتراء والضلالة:

- ‌ استعمالات " شَرَى " وقانونها:

- ‌ المجاز اللغوي في " شَرَى

- ‌ التجارة والربح:

- ‌ المجاز في " التجارة " عقلي:

- ‌ الكافرون واستيقاد النار:

- ‌ بين التشبيه والاستعارة:

- ‌ الكافرون. . والصيِّب:

- ‌ عبارة تنبئ عن إحساس نفسي:

- ‌ إحاطة علم الله:

- ‌ صياغة القرآن لمادة " أحاط

- ‌ المعاني الواردة فيها:

- ‌ الكافرون والبرق:

- ‌ منهج القرآن في مادة " خطف

- ‌ ذهب وخطف:

- ‌الفصل الثالث2 -المجاز القرآني

- ‌ موضوع هذه الآيات:

- ‌ مجاز على وجوه ثلاثة:

- ‌ بنو إسرائيل والرجفة:

- ‌ الحقيقة والمجاز في مادة " أخذ

- ‌ صيغ مادة " أخذ

- ‌ نتائج مهمة:

- ‌ الإسناد المجازي لمادة " رجف

- ‌ الدعاء:

- ‌ مادة " كتب " في القرآن:

- ‌ ملاحظات مهمة:

- ‌ التوبة والرجوع الحسي:

- ‌ التعميم والتخصيص في الرحمة:

- ‌ واسع ". . وصفاً لله سبحانه:

- ‌ مسوغات الوصف:

- ‌ وصورتان أخريان:

- ‌ الوسع وصفاً للأرض:

- ‌ موضع آخر بين الحقيقة والمجاز:

- ‌ حصيلة هذه الجولة:

- ‌ مادة " تبع في القرآن

- ‌ وقفة مع هذه المادة:

- ‌ ملاحظات مهمة:

- ‌ الرسول في التوراة والإنجيل:

- ‌ الطيبات والخبائث:

- ‌ حل " في القرآن:

- ‌ ملحظ عجيب:

- ‌ والسر:

- ‌ طاب " في القرآن:

- ‌ منهج القرآن في " طاب

- ‌ المعاني المرادة من " خبث

- ‌ الإصر والأغلال

- ‌ وضع " بين الحقيقة والمجاز:

- ‌ استنتاجات:

- ‌ معاني " غل

- ‌ ثلاث كنايات:

- ‌ النور " في القرآن:

- ‌ سؤال وجواب:

- ‌ النور للهدى والإيمان:

- ‌ السر البلاغي لهذا المنهج:

- ‌ محاولات يائسة:

- ‌ لماذا أفرد القرآن " النور " وجمع " الظلمات

- ‌ خصائص المجاز القرآني:

- ‌ سكوت الغضب ووضع الحرب:

- ‌ عض الأنامل وعض الأيدي:

- ‌ منهج فريد:

- ‌ وضوح المناسبة:

- ‌ الذوق في القرآن:

- ‌ الذوق لغة وبياناً:

- ‌ مقام المخالفات:

- ‌الباب الخامسالبديع. . في القرآن الكريم* المحسِّنات المعنوية.* المحسِّنات اللفظية.* قيمة البديع القرآني

- ‌الفصل الأولالمحسِّنات المعنوية

- ‌ سبب الخلط:

- ‌ الطباق والتشبيه المسلوب:

- ‌ نتائج مهمة:

- ‌ شروط الطباق:

- ‌ أصالة المشاكلة في القرآن:

- ‌ تعقيب:

- ‌ رأي لابن الأثير:

- ‌ قياس المذهب الكلامى:

- ‌الفصل الثانيالمحسِّنات اللفظية

- ‌ الجناس:

- ‌ من صور الجُناس في القرآن:

- ‌ الجُناس يجامع فنوناً أخرى:

- ‌ وظيفة الجناس:

- ‌ مقومات الجمال في الجناس:

- ‌ منزلة جُناس القرآن:

- ‌ ائتلاف اللفظ مع المعنى سمة للقرآن كله:

- ‌ المس والذوق:

- ‌ ذل اليهود ومسكنتهم:

- ‌ غرابة اللفظ لغرابة المعنى:

- ‌ نقد وتحليل:

- ‌ ابن أبى الإصبع يناقض نفسه:

- ‌ والسؤال الآن:

- ‌ معان آخرى للتمثيل:

- ‌الفصل الثالثقيمة البديع القرآني

- ‌ المعنى الإجمالى لهاتين الآيتين:

- ‌ صور البديع فيما تقدم:

- ‌ نتائج مهمة:

- ‌ كثرة وجوده:

- ‌ المبالغة:

- ‌ صحة التقسيم:

- ‌ الإيجاز:

- ‌ نصوص معيبة:

- ‌ بين القرآن والناس:

- ‌ ملاحظتان مهمتان:

- ‌قائمة المصادر والمراجعللجزء الثاني

الفصل: ‌ شروط الطباق:

*‌

‌ شروط الطباق:

ويضع ابن سنان شرطاً لاستعمال الطباق، لم يخالفه فيه أحد قال:

" وهذا الباب يجرى مجرى المجانس، ولا يستحسن منه إلا ما قَل ووقع غير مقصود ولا متكلف. . فأما إذا كان مَعْنيا الكلمتين غير متناسبيين لا على جهة التضاد ولا التقارب فإن ذلك يقبح ".

فحُسن الطباق إذن يتوقف على ثلاثة أمور:

1 -

عدم الإسراف فيه.

2 -

تناسب المعاني بالتضاد.

3 -

تناسب المعاني بالتقارب.

وكذلك يرى عبد القاهر الجرجاني:

" وأما التطبيق والاستعارة وسائر أقسام البديع فلا شُبهة أن الحُسن والقبح لا يعترض الكلام بهما إلا من جهة المعاني خاصة، من غير أن يكون في ذلك للألفاظ نصيب، أو يكون لها في التحسين

أو خلاف التحسين تصعيد أو تصويب ".

وعملاً بهذه القواعد حكموا بحسن كثير من النصوص، كما عابوا كثيراً

منها.

*

2 -

التورية:

التورية نمط من التعبير فيه خلابة وله أسر، ومادة " ورى " تدور في اللغة حول الاختفاء والستر.

يقال: واريت كذا - إذا سترته. قال تعالى:

(قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا) .

وتوارى: استقر، قال:(حَتى تَوَارَتْ بِالحِجَابِ) .

ص: 420

وروى أن النبي عليه السلام كان إذا أراد غزواً أورى بغيره، والورى - قال

الخليل -: " الورى الأنام الذين على وجه الأرض في الوقت، ليس مَن

مضى ولا مَن يتناسل بعدهم فكأنهم الذين يسترون الأرض بأشخاصهم ".

والتورية في اصطلاح البلاغيين عرَّفها ابن أبى الإصبع فقال:

" أن تكون الكلمة تحتمل معنيين، ويستعمل المتكلم أحد احتماليها ويهمل الآخر، ومراده ما أهمله لا ما استعمله "

وقد صرَّح قبل بأنها تسمى التوجيه، وهذا التعريف فيه طول.

وأجود منه ما ذكره الخطيب: " أن يطلق لفظ له معنيان. قريب وبعيد،

ويراد به البعيد منهما ".

وأجود منهما ما نراه في بحوث المحدَثين: " التورية: أن يذكر لفظ له

معنيان: بعيد مراد، وقريب غير مراد ".

والفرق بينها ويين التوجيه أن المعنيين في التوجيه في نحو قول الشاعر فى

أعور: " ليْتَ عَيْنَيهِ سَواء ".

إن تصور المعنيين في التوجيه يأتي بدرجة واحدة لا قُرب ولا بعد في أحدهما.

أما التورية. . فأحد المعنيين قريب، والآخر بعيد. فليسا سواء في التصور،

والمناسبة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي ظاهرة لأن المعنى القريب غير

المراد، يستر البعيد ويخفيه.

وقد قسَّم الخطيب - وتابعه آخرون - التورية إلى: مجردة ومرشحة.

والمجردة هي التي لا تجامع شيئاً مما يلائم المورى به - يعني المعنى القريب -

الذي يشبه المعنى الحقيقي لتبادره إلى الفهم.

ومثله من القرآن الكريم: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) .

ص: 421

فـ " استوى " له معنيان، قريب هو الاستقرار، وهو غير مراد، ولم يقرن

بما يلائمه.

ومعناه البعيد المراد هو الاستيلاء، والقرينة استحالة الاستقرار الحسي فى

جانب الله.

والمرشحة هي التي قرنت بما يلائم المورى به ومثاله من القرآن الكريم:

(وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) .

فقد أراد ب " الأيدي " المعنى البعيد الذي هو القدرة، وقد قرن بها ما يلائم المعنى القريب الذي هو الجارحة المخصوصة، وهو " بنيناها " لأن البناء يكون باليد، والذي يبدو أن الآية من قبيل الاستعارة التمثيلية وإذ معناها يرجع إليها عند التحقيق.

وعلى القول المشهور بأنها تورية فإن القرينة هي استحالة الجارحة في حق الله

سبحانه.

وللتورية - كما يرى السكاكي - دور كبير في توجيه متشابهات القرآن

كقوله تعالى: (أنِ اصْنَع الفُلكَ بِأعْيُنِنَا) .

وقوله تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) .

وقوله تعالى: (وَلقَدْ خَلقْنَا الإنسَانَ وَنَعْلمُ مَا تُوَسْوسُ به نَفْسُهُ وَنَحْنُ أقْرَبُ إليْه مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ)

وقوله تعالى: (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47) .

ص: 422

فما في هذه الآيات، وما أشبهها، من إثبات العين أو الوجه، أو القُرب

والمكان، كلها محمولة على التورية، بأن يراد من الأعين: الرعاية والحفظ،

ومن الوجه: الذات التي لا يعلمها إلا هو، والقُرب: قُرب العلم لا قُرب المكان والملاصقة.

ومن العندية: العندية المعنوية لا عندية المكان.

وقد ذكر ابن أبى الإصبع ثلاثة مواضع أخرى كانت التورية فيها في معانٍ ليست وصفاً لله، وهى قوله تعالى حكاية عن إخوة يوسف عليه السلام:(إنكَ لفِى ضلَالكَ القدَيِمِ)

لأن الضلال يُحمل على ضد الهدى ويحتمل الحب، فاستعملوه مريدين به ضد الهدى مورين به عن الحب ليعلم أن المراد ما أهملوا، لا استعملوا.

وقوله تعالى: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) . .

فالبدن يُطلق على الجسد، وعلى الدرع، وقد استَعمله بمعنى الجسم وأهمل

معنى الدرع ومراده ما أهمل، لأن نجاة فرعون - أي خروجه من البحر بعد

الغرق - بدرعه، أعجب من خروجه مجرداً،

ثم قال: " ومن التورية اللطيفة قوله تعالى بعد ذكر أهل الكتاب من اليهود

والنصارى: (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ) .

ولما كان الخطاب لموسى عليه السلام من جانب الطور الغربي توجهت اليهود

إليه وتوجهت النصارى إلى الشرق، وكانت قبلة الإسلام وسطاً بين القبلتين قال سبحانه وتعالى:(وكَذَلكَ جَعَلنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) أي خياراً، وظاهر

اللفظ يوهم التوسط مع ما يَعضده من توسط قبْلة المسلمين، صدق على لفظ

" وسط " هنا أن يسمى تعالى به، لاحتماله المعنيين. ولما كان المراد - والله

أعلم - أحد المعنيين الذي هو الخيار دون الآخر، صلحت أن تكون من أمثلة هذا الباب.

ص: 423

وأياً كان. . فإن التورية في القرآن الكريم لها وظيفة هامة. وهي قريبة من

المجاز، بل كثيراً ما يُراد المعنى المجازي فيها كإرادة القُدرة من اليد، وهذا

ظاهرٌ فيها.

وقد سبق عن السكاكي أن متشابهات القرآن من قبيل التورية.

فهى فيه إذن ذات دور هام لم تُجتلب لتأدية معنى إضافى، أو تحسين عرضى، فعدها من البديع فيه تسامح، وأجدر بها أن تلحق بأقسام البيان إنصافاً ووصفاً لكل فن فى موضعه، وإلى هذا ذهب العصام في " الأطول "

حيث قال في تعريفها:

" فالمختصر الواضح أن يقال: هوأن يطلق اللفظ على غير ما وضع له بقرينة

خفية مما يتعلق بإيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوع الدلالة ".

ثم قال: " فهو داخل في أصل البلاغة فكيف عُدَّ من البديع "؟.

*

3 -

المشاكلة:

عرفها الخطيب. وغيره، فقال: " ذكر الشىء بلفظ غيره لوقوعه فى

صحبته، تحقيقاً أو تقديراً ".

ومثَّل لها من القرآن بقوله: (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ) . . فأطلق النفس على ذات الله.

وقوله تعالى: (وَجَزَاءُ سَيئَةٍ سَيئَة مِثْلهَا) . فسمى الجزاء سيئة.

أما وقوعه تقديراً فقد مثل له بقوله تعالى: (صبْغَة اللهِ وَمَنْ أحْسَنُ

مِنَ اللهِ صِبْغَةً) . . أي تطهير الله.

وفي الواقع فإن أسلوب المشاكلة كثير في القرآن الكريم مثل قوله تعالى:

(فَمَن اعْتَدَى عَليْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَليْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَليْكُمْ) .

ص: 424

وقوله تعالى: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الماكِرِينَ) .

وقوله تعالى: (يَدُ اللهِ فَوْقَ أُيْدِيهِمْ) .

وقوله تعالى: (قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) .

وقوله تعالى: (إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) .

وقوله تعالى: (إن تَسْخَرُواْ مِنا فَإنا نَسْخَرُ مِنكُمْ) .

هذه بعض النصوص التي وردت على أسلوب المشاكلة

من القرآن الكريم وهى ذات ملامح بلاغية آسرة.

ولنأخذ لذلك أمثلة:

فى قوله تعالى: (وَجَزَاءُ سَيًئَةٍ سَيًئَةٌ مَثْلهَا) .

على طريق المجاز المرسل الذي علاقته السببية،

لأنه مسبب عن السيئة وهذا تعبير اقتضاه الحال

لأن فاعل السوء قمين بأن يُساء إليه، فإطلاق السيئة على الجزاء أوقع لإقلاعه عن عمل السيئات وألم على نفسه، لأن النفس ترهب أن تُعامَل بالسوء.

وكذلك قوله تعالى: (فَاعْتَدُواْ عَليْه) .

وقوله تعالى: (فَإنا نَسْخَرُ منكُمْ) . . سمى الجزاء كذلك اعتداءً وسخرية

ليكون أوقع في نفس المعتدي فيكَف عن الاعتداء، وفي نفس الساخر ليُقلع

عما هو فيه.

أما في نحو قوله تعالى: (وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللهُ) . . أي جازاهم على

مكرهم - فإن العدول إلى لفظ " المكر " في جانب الله لتربية الرهبة في نفوس

الماكرين لأن الويل كله لمن مكر الله عليه.

ص: 425