الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفى التعبير عن التوبة بالرجوع الذي هو عدول السائر عن وجهة كان يريدها
إلى أخرى عرضت له مجاز يجوز حمله على وجهين:
الأول: أن يكون تمثيلاً شبهت فيه هيئة التائب - وهي أمر معنوي - بهيئة
الراجع، وهي أمر حسي. وسره التقرير والإيضاح.
والجامع بين الأمرين رجوع التائب عن المعاصي والإقبال على الطاعات ورجوع السائر عن وجهته إلى أخرى.
فالعدول هو الأمر الجامع بين الأمرين.
والقرينة استحالة الرجوع المحسوس إلى الله.
لأنه غير حال في مكان دون آخر يرجع إليه فيه.
الثاني: أن يكون استعارة مفردة شبهت فيه التوبة
بالرجوع - مطلق رجوع - والجامع والقرينة كما سبق، فهى استعارة تصريحية أصلية.
* *
*
التعميم والتخصيص في الرحمة:
(وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) .
رحمة الله: نعمه وألطافه.
والرحمة في الأصل: الشفقة والحنان.
مشتقة من " الرحم " الذي هو موضع نمو الجنين لا يلقاه فيه من أسباب الراحة ووجوه الإنعام.
ويراد بها في جانب الله لازمها. وهو ما يترتب عليها من الإكرام والتنعيم
والإلطاف.
ولما كانت الرحمة هيئة من هيئات النفس وشعوراً وجدانياً. . فإن وصفها
بالوسع ضرب من المجاز ومعنى: " أن رحمة الله وسعت كل شيء "
أن من شأنها أن تشمل جميع الموجودات لكثرتها وسعة فضلها.
وعلى هذا فالمجاز فيها محتمل لوجهين:
الأول: أن تكون استعارة تمثيلية شبهت فيها هيئة الرحمة وما يمكن أن تظله
فيها من المخلوقات بشيء محيط متسع ذى طاقة هائلة من الوسع.
فالهيئة الأولى تخيلية والهيئة الثانية واقعية حسية. .
وسره البلاغي إبراز المتخيل المعنوي في صورة الواقع الحسي. .
والقرينة امتناع أن تتصف الرحمة بالوسع
لأنها ليست ذات مساحة. . فتخيل إسناد الوسع إلى الرحمة هو قرينة المجاز.
الثاني: أن تكون استعارة بالكناية. شبهت فيها الرحمة بشيء ذى وسع ثم
حذف المشبه به ورُمِزَ له بخاصة من خواصه وهي " الوسع "
ومعنى التمثيل فيها أظهر.
والمعنى لا يتغير بتغيير التوجيه الاصطلاحي. فرحمة الله غير متناهية تكفي
أهل السموات والأرض وما بينهما.
وتزيد لتشمل كل شيء حتى الجمادات.
وقد استعمل القرآن هذه المادة " وسع "
تمثيلاً لبيان مقدار الرحمة أو العلم فى المواضع الآتية:
أولاً - في جانب الرحمة:
1 -
(وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) .
2 -
(فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ) .
3 -
(رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا) .
4 -
(إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) .
وقد قامت المغفرة في هذا المثال مقام الرحمة، لأن المغفرة
جزء من الرحمة في معناها الشامل.