الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعبد القاهر في تقديره هذه المسألة، التي لم يُسْبَق إليها كان على جانب كبير
من تذوق البلاغة الرفيعة، والتي تسمو فوق توجيهات القواعد، إنها بلاغة
الجمال الفني والذوق المصفى. والإحساس السليم.
* *
*
التقديم والتأخير في الفعل المنفي:
يطبق عبد القاهر فكرته التي حرر القول فيها في الفعل المثبت في الفعل
المنفي كذلك. فهما فيها سواء قال: " واعلم أن هذا الصنيع يقتضي فى
الفعل المنفى، ما اقتضاه في الفعل المثبت فإن قلت: أنت لا تحسن هذا. كان
أشد لنفي إحسان ذلك عنه من أن تقول: لا تحسن هذا. ويكون الكلام فى
الأول مع مَن هو أشد إعجاباً بنفسه، وأعرض دعوى في أنه يحسن.
حتى إنك لو أتيت بـ " أنت " فيما بعد " تحسن " فقلت:
لا تحسن أنت، لم يكن له تلك القوة، وكذلك قوله تعالى:
(وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ) .
يفيد من التأكيد في نفى الإشراك عنهم مما لو قيل: الذين لا يشركون بربهم.
أو: بربهم لا يشركون. ولم يفد ذلك ".
هذا في المعرفة. أما الفكرة فإنها تفيد التخصيص الجنسى أو العددى.
فنحو: رجل جاءنى. يحتمل أن يكون الجائي امرأة فيكون لقصر الجنس،
أو رجلين، فيكون لقصر العدد قلباً أو إفراداً أو تعييناً. .
هذه خلاصة رأى عبد القاهر في إفادة تقديم المسند إليه التخصيص أو التقوي
حرصنا أن نعرضها بعيداً عن تعليقات أصحاب الشروح والحواشي إلا فيما خف لأن الذوق وحده هو الذي يحكم على هذا المذهب الجزل والمورد العذب والإحساس الرقيق.
ثانياً - مذهب السكاكي:
يضع السكاكي لإفادة تقديم المسند إليه التخصيص شرطين:
1 -
أن يجوز تقدير كونه في الأصل مؤخراً. بأن يكون فاعلاً في المعنى مثل
قولك: أنا قمت. فإنه يجوز تقدير أصله: قمت أنا، على أن يكون " أنا "
تأكيداً للفاعل الذي هو " التاء " في " قمت ". فقدم وجعل مبتدأ.
2 -
أن يقدر كونه كذلك. فإن انتفى الشرط الأول، وهو جواز تقديره
مؤخراً على أن يكون فاعلاً في المعنى دون اللفظ، ولم يلاحظ في الكلام تقديم
ولا تأخير أو انتفى الشرط بأن كان المسند إليه اسماً ظاهراً، فإنه لا يفيد
إلا تقوى الحكم.
وفرق بين النكرة والمعرفة بأن النكرة لو لم يُقذر فيها ذلك لامتنع تخصيصه
إذ لا سبب له سواه. ولو امتنع تخصيصه لم يقع مبتدأ. بخلاف المعرَّف لوجود
شرط الابتداء فيه وهو التعريف.
والمثال: رجل جاءنى صالح. لإفادة تصر الأفراد، أي: لا رجلان ولا رجال.
وقصر الجنس، أي: لا امرأة.
وشرط إفادة النكرة التخصيص ألا يمنع منه مانع.
وهو يضع هذا القيد ليمنع ما رأى عبد القاهر أن فيه تخصيصاً، وهو خصوص المثال الذي يقول: شر أهر ذا ناب، إذ لا يجوز عنده أن يكون المعنى: الهر شر لا خير، ولا المهر شران لا شر.
وحين رأى إطباق العلماء على إفادة المثال المذكور التخصيص، التمس له
وجهاً آخر هو أن التخصيص فيه نوعى. أي: شر عظيم أهر ذا ناب.
وبذلك أصبح شرطه: " ألا يمنع من التخصيص مانع " لا محصل له.
* *