الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالجائي: أمر ربك لا ربك. لاستحالة ذلك عقيدة.
والآتى البنيان من القواعد: أمر الله لا الله نفسه.
والمحرم: الاستمتاع بالأمهات لا ذواتهن،
وأكل الميتة. والطيبات: لا ذوات الميتة أو الطيبات.
والمسئول: أهل القرية. وأهل العير لا القرية نفسها. ولا العير نفسها.
والمرسل إليه شعيب: أهل مدين لا مدين. . . وهكذا.
والذي يهمنا في هذه المواضع السر البلاغي في الحذف لا تقصي أمثلته،
والذي أراه في هذا العبارات وما أشبهها من كل موضع حُذفَ فيه المضاف وأُقيم المضاف إليه مقامه: أن سر الحذف فيه بلاغياً هو إظهارَ المعنى في صورة أتم وأوضح. وعلى وجه أقوى وأشمل.
* *
*
مناقشة مثالين:
أولهما: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) .
هذه مقولة أخوة يوسف لأبيهم عندما أرادوا أن ينبئوه نبأ سرقة
بنيامين أخيهم صواع الملك.
وسبق أن نبأوه نبأ فقد يوسف شقيق بنيامين بأن الذئب أكله فحصل عنده -
أى أبيهم - شك فيما قالوا.
لكنهم في هذه الحالة الأخيرة صادقون. وهم يعلمون أن هذا الخبر سيفجر فى
نفس أبيهم كثيراً من هواجس الريب والظن.
فالمقام مقام إتهام لهم وإنكار لما يقولون.
فأرادوا أن يُعبروا عن صدقهم وأنهم في هذا الخبر صادقون.
فبالغوا فى تصوير صدقهم وادعوا أن أمر السرقة شاع حتى إن القرية كادت تعلم به ولو سألتها لأجابت فما بالك بأهلها؟ وحتى إن العير - التي هي حيوان أعجم -
كادت تفقه أمر هذه السرقة لكثرة ما ترددت على الألسنة فلو سألتها لأجابت بما نقول، فما بالك براكبيها!
فالسر - إذن - وراء هذا الحذف هو قصد المبالغة
واشتهار أمر السرقة بدرجة لم يستقم معها شك أو تكذيب.
وأما المثال الثاني فهو قوله تعالى: (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4) .
وقد أجمع المفسرون على أن المراد: أهل قرية، وهذا صحيح.
ولكن لماذا حذف المضاف إليه؟
والجواب: إن الله تعالى ينذر الناس بأن المخالفين منهم سيحل بهم سوء
المصير. وضرب لهم من قصص السابقين مثلاً ليكون لهم فيها عظة.
ومقام الإنذار يتطلب التهويل والتعظيم في عرض ما حدث أو ما سيحدث.
لأن الإنذار مراد به التخويف ليرتدع المخالفون.
ولما كان الأمر - كذلك - فقد صور الله في هذه الآية ما نزل بأهل القرى
السابقين تصويراً فيه شدة وهول.
فجعل الهلاك واقعاً على القرية نفسها بما فيها
من زروع وأنهار - وجبال ومنازل وكل ما يتصل بها. وإذا كان الهلاك بالغاً
هذا الحد فما بالك بأهل تلك القرى التي هلكت في أنفسها.
إنهم - لا شك - أكثر هلاكاً وأكثر بوراً.
والدليل على أن هدف الآية ما ذكرناه من التهويل والتعظيم في تصوير
ما حدث أنها صُدِّرت بـ " كم " الخبرية التي معناها الكثرة في العدد.
وجاء حذف المضاف مفيداً للتهويل في الكيف.
فهو على نمط: (وَاشْتَعَلَ الرأسُ شَيْباً) في إفادة المبالغة والشمول.
ولنا أن نعتبر هذه العلة فىِ كل الأمثلة التي فيها حذف المضاف وإقامة
المضاف إليه مقامه ففى: َ (حُرِّمَتْ عَليْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) .
أي الاستمتاع بهن. يحمل سر الحذف على إرادة العموم في المفعول.
فيكون المحرم كل ما لا يليق بهن من عقوق وحرمان.
وإساءة في قول أو عمل.
وهذه الأمور وإن حرمت بطرق أُخرى فإن احتمال المقام لها على أنها داخلة فى جملة المحرم هدف من أهداف الأسلوب الحكيم.
هذا في حذف المضاف. .
أما حذف المضاف إليه فدونه في الورود ولكنه مثله من حيث إنه دال على
معان كان حذفه من أجلها بلاغة.
ويكثر حذف المضاف إليه إذا كان ياء المتكلم والمضاف منادى.
كما في قوله تعالى: (رَبِّ اغْفِرْ لِي) . فقد حذف المضاف إليه.
وهو " الياء ".
والمضاف وهو " رب " منادى كما ترى. وقد اجتزئ عنه بالكسرة.
وحذف كذلك في المواضع الآتية:
قال تعالى: (قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94) وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ (95) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) .
فى هذا النص الحكيم حذف المضاف إليه. وهو ياء المتكلم.
والمضاف منادى وهو ما جاء عليه الحذف في الآيات إلا في موضع واحد منها وهذا جائز في اللغة.