الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولهذا جزم السكاكي بإفادة التقديم التخصيص في قوله:
(وَأمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ) . فيمن قرأ بنصب " ثمود ".
وذلك لامتناع تقدير المحذوف قبل المنصوب لالتزام النجاة فاصلاً بين " أما " و " الفاء " ولو قُدَِّر كذلك فات ذلك الالتزام ووقع المحظور.
* *
*
تقديم المفعول للإنكار:
ثالثاً: أن يكون لإنكار الفعل على معنى: لا ينبغي أن يكون.
وقد أفاض الإمام عبد القاهر في تحليل هذا الموضوع في أسلوب أدبي آسر، قال - وكلامه فى الهمزة:" وقد تكون إذ يراد إنكار الفعل من أصله، ثم يخرج اللفظ مخرجه ".
وبعد أن أورد أمثلة لتقديم الفاعل، شارحاً وموضحاً لمذهبه، يورد كذلك
أمثلة لتقديم المفعول والياً الهمزة فيقول: " ونظير هذا - أي نظير تقديم الفاعل
- قوله تعالى: (قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ) .
أخرج اللفظ مخرجه إذا كان قد ثبت تحريم في أحد أَشياء.
ثم أريد معرِفة عين المحرم، مع أن المراد إنكار التحريم من أصله، ونفى أن
يكون قد حُرِّم شيء بما ذكروا أنه محرم وذلك إن كان الكلام وضع على أن يجعل التحريم كأنه قد كان ثم يقال لهم: أخبرونا عن هذا التحريم الذي زعمتم فيمَ هو؟
أفى هذا أم ذاك؟ أم في الثالث؟ ليتبين بطلان قولهم، ويظهر مكانَ الفرْيَةِ
منهم على الله ".
وقريب من هذا قوله: " واعلم أن حال المفعول - فيما ذكرنا - كحال الفاعل.
أعنى تقديم الاسم المفعول يقتضي أن يكون الإنكار في طريق الإحالة والمنع،
من أن يكون بمثابة أن يوقع به مثل ذلك الفعل
فإذا قلت: أزيداً تضرب؟
كنت قد أنكرت أن يكون زيد بمثابة أن يُضرب أو بموضع أن يُجترأ عليه. ويستجاز ذلك فيه.
ومن أجل ذلك قدم " غير " في قوله تعالى: (قُلْ أغَيْرَ الله أتخِذُ وَلِيًّا) .
وقوله تعالى: (أغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ) .
وكان له من الحسن والفخامة ما تعلم أنه لا يكون لو أخر فقيل: أأتخذ غير
الله ولياً؟ . . أتدعون غير الله؟ وذلك لأنه حصل بالتقديم معنى قولك:
أيكون غير الله بمثابة أن يتخذ ولياً؟
و: أيرضى عاقل من نفسه أن يفعل ذلك؟
و: أيكون جهل أجهل وعمى أعمى من ذلك؟
ولا يكون شيء من ذلك إذا قيل: " أأتخذ غير الله ولياً.
وذلك لأنه حينئذ يتناول الفعل أن يكون فقط ولا يزيد على ذلك فاعرفه ".
وهذا البحث جزء من بحث رائع جداً خطه الإمام عبد القاهر فيما يلي همزة
الاستفهام من فعل أو فاعل أو مفعول أو غيرها.
وحاصل مذهبه - في كل أولئك - أن الهمزة يجب أن يليها المسئول عنه.
والمقرر به من فعل أو اسم.
والمعنى يختلف باختلاف المقدم الوالى لهمزة الاستفهام.
هذا في التصور دون التصديق. لأن أجزاء الجملة في التصديق لا يختص
شيء منها فضل اختصاص بالمعنى حتى يكون تقديمه وإيلاؤه الهمزة واجباً.
هذه خلاصة سريعة لنهج البلاغيين في التقديم.
وقد رأينا أنهم يهتمون بتقديم المسند إليه، والمسند، والمعمولات، ومنها المفعول به. . ولا يزيدون على ذلك.
*
ثانياً: منهج ابن الصائغ في التقديم
ذكر هذا المنهج السيوطي في المعترك، وهو بصدد تقسيم التقديم.
وقد قسمه إلى قسمين:
أحدهما: ما أشكل معناه، بحسب الظاهر، فلما عرف أنه من باب التقديم
والتأخير اتضح. وقد أورد على هذا القسم بعض الأمثلة من القرآن الكريم. ومنها ما حكاه عن ابن أبى حاتم عن قتادة في قوله تعالى: (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) .
قال - يعني قتادة -: هذا من تقديم الكلام يقول: " لا تعجبكَ أموالهم ولا أولادهم فى الحياة الدنيا. إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الآخرة ".
وحكى عن قتادة - كذلك - أنه قال في قوله تعالى:
(إنِّى مُتَوَفِّيكَ ورَافِعُكَ إليَّ) : هذا من المقدَّم والمؤخر، أي:" رافعك إليَّ ومتوفيك ".
وحكى عن عكرمة أنه قال في قوله تعالى: (لهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُواْ
يَوْمَ الحِسَابِ) : هذا من التقديم والتأخير.
يقول: لهم يوم القيامة عذاب شديد بما نسوا.
ونُسبَ إلى ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال في قوله تعالى:
(فَقَالُواْ أرِنَا الَلهَ جَهْرَةً)، أي:" إنما قالوا جهرة أرنا الله "
قال ابن جرير: يعني سؤالهم كان جهرة.
كما حكى عن ابن عباس - أيضاً - أنه قال في قوله تعالى:
(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ)
الأصل: هواه إلهه. لأن مَن اتخذ الله هواه غير مذموم.
ويبدو أن السيوطي كان مأخوذاً بهذا النوع من التقديم، لأنا نراه يقول معقباً
عليه: " وهذا جدير أن يُفرد بالتصنيف ".
والذي يأخذه الباحث عليهم في هذا القسم، أنهم يكتفون ببيان ما في العبارة
من تقديم، ولم يذكروا وجه وسر ذلك التقديم، ولماذا خولف فيه الأصل. فمثلاً قوله تعالى:(إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ) قالوا: إن فيها تقديماً
وتأخيراً. . وهذا صحيح على بعض الآراء.
لكنهم لم يبينوا لماذا قدمت التوفية على الرفع؟
ويمكن التوصل إليه.
والذي أراه أن السر في ذلك: هو أن الرفع إلى الله لما كان موهماً لانتفاء
حلول الموت بعيسى عليه السلام لو قُدِّم على التوفية.
أراد الله أن يقطع ذلك الوهم ابتداءً فقدم التوفية على الرفع.
دفعاً لذلك الوهم،
والقسم الثاني عند السيوطي عرَّفه بقوله: ما ليس كذلك ثم أشار إلى
أن العلامة شمس الدين بن الصائغ الحنفي وضع فيه كتاباً سماه " المقدمة
فى أسرار الألفاظ المقدمة " وقال في مقدمته: " إن الحكمة الشائعة الذائعة
فى ذلك الاهتمام - أي في التقديم - كما قال سيبوبه في كتابه: كأنهم
يقدمون الذي بيانه أهم، وهم ببيانه أعنى. وهذه الحكمة إجمالية.
وأما أسباب التقديم وأسراره فقد ظهر لي منها في الكتاب العزيز عشرة أنواع ".
إذن فما هي تلك الأسباب كما يراها ابن الصائغ؟