الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
ما يهدى إليه النظر في هذا الموضع:
إذا نظرنا في هذه المواضع نظرة فاحصه وجدنا أن تقديم: " هدى الله "، له
سبب اقتضاه في الموضعين الأول والثاني.
إذ هو آت نصاً من أول الأمر على أن: " هدى الله هو الهدى " في معرض حديث يُدَّعَى فيه أن غير الله له هدى.
ففى البقرة ادعى ذلك الهدى اليهود والتصارى، ومن أجل مدعاهم هذا
لا يرضون إلا عمن اتبعهم وصدقهم: (وَلن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلا النصَارَى
حَتى تَتبِعَ ملتَهُمْ) . فكأنهم يرفضون أن يكون هدى غير ما هم عليه
منكرون لما سواه. فجاءت الآية مفندة دعواهم: (قُلْ إن هُدَى الله)، أي:
لا هداكم ولا هدى غيركم، ففى الأسلوب قصر قلب.
يقول النسفي: " وهدى الله هو الهدى كله ليس وراءه هدى ".
وكذلك في الأنعام: (لهُ أصْحَابٌ يَدعُونَهُ إلى الهُدَى ائْتنَا)
فالأصحاب يدعون أن لهم هدى، فسلك القرآن - هنا - مسلكه في آيةَ البقرة لوجود السبب في الموضعين.
أما تقديم " الهدى " في آل عمران على " هدى الله " فلأن القوم هنا لم يبد
منهم إنكار. أو دعوى استئثارهم بالهدى، بل هم مقرون بذلك وإنما يريدون أن يفتنوا مَنْ هم على هدى:(الَّذيِنَ آمَنُواْ) عما هم عليه ليستأثروا هم بهدى
الله حسداً من عند أنفسهم أن يؤتى أحد مثل ما أوتوا.
فجات الآية الكريمة: (قُلْ إن الهُدَى هُدَى اللهِ) .
اعتراضاً مبيناً لوهمهم فيما حسبوا أنهم
قادرون عليه من إضلال المؤمنين. فتعريف الهدى بـ " الألف واللام "، وجعله
موضوعاً للحديث والحكم عليه بأنه: " هدى الله "
هو التعبير الأنسب للمقام لما في " ال " من معنى الاستغراق.
ففى العبارة قصر أفراد.
* *
* الموضع الثالث " شهادة الرسول وشهادة الأمة ":
(سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) .
وقال سبحانه: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) .
فى هذين النصين نوعان من التقديم. أولهما: تقديم شهادة الأمة على
الناس، على شهادة الرسول على الأمة في آية البقرة.
وتقديم شهادة الرسول على الأمة. على شهادة الأمة على الناس في آية
الحج، وهذا من التقديم غير الاصطلاحي.
وثانيهما: تقديم " عليكم " على " شهيداً " في البقرة ثم الإتيان به على
الأصل في آية الحج: " شهيداً عليكم " وهذا من التقديم الاصطلاحي الذى
يعني به البلاغيون.