الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: ومن غامض هذا الموضع قوله تعالى:
(وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) .
والتقدير: " فإذا أبصار الذين كفروا شاخصة".
ويفيد التقديم - عنده - أمرين:
الأول: تخصيص الأبصار بالشخوص دون غيرها.
الثاني: أراد أن الشخوص خاص بهم دون غيرهم. دل على ذلك بتقديم
الضمير أولاً. ثم بصاحبه ثانياً. كأنه قال: فإذا هم شاخصون دون غيرهم.
ولو لم يرد هذين الأمرين لقال: فإذا أبصار الذين كفروا شاخصة.
والذي أراه في هذه العبارة - بعد موافقة ابن الاثير على إفادة التعبير
الأمرين - أن إفادة اختصاصهم بهذه الحالة، مستفاد من اختصاص شخوص
الأبصار بدلالة الالتزام فليس في التعبير قصر اصطلاحي يفيد الأمرين معاً
وتفسير ابن الأثير يفيد هذا المعنى.
* *
*
تقديم الظرف:
أما تقديم الظرف عند ابن الأثير، وهو يشمل الظرف الاصطلاحي والجار
والمجرور، فيكون على الوجوه الآتية:
1 -
إذا كان مقصوداً به الإثبات فالتقديم فيه أولى من التأخير وهو - فى
هذه الحالة - يفيد القصر. ومثل له بقوله تعالى: (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26) .
وبقوله أيضاً: (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ)
والتقديم في هذه الصورة مفيد للقصر، لكنه غفل عن موضع وهو " لله "
حيث قدم الجار والمجرور على الفاعل: (مَا في السماوات وَمَا في الأرْض) .
فلم يشر إليه وقصر ملاحظته على: (لهُ الملكُ وَلهُ الحَمدُ) .
ويحمل ابن الأثير مواضع كثيرة وردت في القرآن الكريم وقدم فيها الظرف
فهى مفيدة للاختصاص حتى على حسب ما قرره هو هنا. لكنه يحملها على
الحُسن اللفظي وهذه الفكرة تستبد به كثيراً قال: وقد استُخدم تقديم الظرف فى القرآن كثيراً كقوله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) .
أى تنظر إلى ربها دون غيره.
فتقديم الظرف هنا ليس للاختصاص. وإنما هو كالذي أشرتُ إليه في تقديم
المفعول. وأنه لم يُقدم للاختصاص وإنما قُدم من أجل نظم الكلام.
وأنت ترى أن ابن الأثير يناقض نفسه في هذا الكلام حيث ينفى عن هذه
الأمثلة إفادة الاختصاص. ثم يعود فيفسرها تفسيراً قصرياً.
ألم يقل في قوله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) .
أي: تنظر إلى ربها دون غيره؟.
ومن المواضع التي يرى أنها لا تفيد الاختصاص. بل هي لمراعاة نظم الكلام
النصوص القرآنية الآتية:
قوله تعالى: (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30) .
وقوله تعالى: (إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) .
وقوله تعالى: (أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53) .
وقوله تعالى: (عَليْهِ تَوكلتُ وَإلَيْهِ أُنِيبُ) .
قال بعد أن ذكرها: " فإن هذه جميعها لم تُقدم فيها الظروف للاختصاص
وإنما قُدمت لمراعاة الحُسن في نظم الكلام فاعرف ذلك ".
وقد وَهِمَ ابن الأثير في هذه النظرة التي لم يستطع أن يشفعها بدليل.
فهى - قطعاً - للاختصاص. . وذلك أمر يوحى به التعبير نفسه، ويؤكده المعنى المدلول عليه بهذا التعبير.
وإذا كان مقصوداً به النفي فيحسن فيه الأمران: التقديم والتأخير، ولكل
منهما موضعه.
فتقديمه في النفي مفيد للقصر - عنده - وهو كذلك عند غيره.
أما التأخير فلا يفيد سوى النفي المجرد. وعبارته في ذلك:
" فأما تقديمه في النفي فإنه يقصد به تفضيل النفي عنه على غيره، وأما تأخيره فإنه يقصد به النفي أصلاً من غير تفضيل ".
وظاهر أنه يريد بالتفضيل: القصر، وينفيه عدم القصر. وذكر للتأخير قوله
تعالى: (ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ) وهذا حق.
أما التقديم فقد مثل له بقوله تعالى: (لَا فيهَا غَولٌ) .
ثم قال: " فإنه إنما أخر الظرف في الأول لأن القصد من إيَلاء حرف النفي الريب نفى الريب عنه، وإثبات أنه حق وصدق. لا باطل وكذب. . ولو أولاه الظرف لقصد أن كتاباً آخر فيه الريب لا فيه، كما قصد في قوله تعالى:(لَا فِيهَا غَولٌ) فتأخير الظرف يقتضي النفي أصلاً من غير تفضيل.
وتقديمه يقتضي تفضيل النفي عنه.