الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
أن يكون المسند إليه بحيث لو أُخر كان فاعلاً في المعنى.
هذا هو مذهب الإمام عبد القاهر.
*
*
موقف المتأخرين من هذا الرأي:
لعلماء البلاغة الذين جاءوا بعد الجرجاني والسكاكي رأى في هذا المذهب
ونخص منهم اثنين:
1 -
الخطيب القزويني.
وقد عرض هذا الموضوع في صيغة التضعيف فقال:
" قيل: وقد يقدم لأنه دال على العموم. .
ثم أخذ في تحليل المسألة تحليلاً رائعاً.
مستخدماً في ذلك مهارته النقدية.
وقواعد المنطق، وقد انتفع بما كتبه مَن سبقه من العلماء
كبدر الدين بن مالك في المصباح.
2 -
ثم السعد في المطوَّل، ونقد السعد لهذا الموضوع موضوعى وجيه يقول:
" لأنا لا نجده حيث لا يصلح أن يتعلق الفعل ببعض كقوله تعالى:
(إن اللهَ لَا يُحبُّ كُل مُخْتَالِ فَخُورٍ) ، و (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) ، (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) .
3 -
والسعد يقصد من هذا أن مقتضى ما قاله عبد القاهر أن الله يحب
بعض المختال الكفور، ويحب بعض الكفار الأثيم، وأن الرسول مأذون له أن
يطيع بعض الحلَّاف المهين.
وليس هذا بصالح هنا، ولا هو مقصود. وهذا أكبر خطر يوجه لرأى
عبد القاهر رحمه الله في خصوص هذه المسألة.
لكن السعد لم يبطل كل ما قرره عبد القاهر. بل كان رقيقاً معه في الحكم
على مذهبه مع قوة دليل الطعن ووجاهته. . فقال:
" إن الحكم في مثل هذه القاعدة أكثري لا كلي ".
وقد دافع الشيخ البرقوقي في شرح التلخيص عن الشيخ عبد القاهر فقال:
" فإن قلت: ماذا تصنع في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)(ثم ذكر الآيتين الأخريين) ؟
وقال: " قد يعدَل عما يدل على عموم السلب إلى ما يفيد سلب العموم. والسلب عام على الحقيقة للتعريض بالمخاطب.
والإيماء إلى أنه شر صنفه. .
فقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) .
معناه: إن محبة الله لا تعم الحتالين الفخورين حتى تشمل هؤلاء.
فكأَنه سبحانه يقول: لو أن محبتنا تعلقت بمختال فخور
لما تعلقت بأولئك، لأن مختالهم وفخورهم شر مختال وفخور.
وهكذا يقول في الآيات التي تشبه هذه الآية. وما ظاهره أنه من سلب
العموم، وحقيقته أنه من عموم السلب.
وهذا دفع وجيه، وتخريج مقبول ليس من السهل التقليل من شأنه فرحم الله
العلماء الملهمين.
*
13 -
تقديم "مثل "و"غير":
لى " مثل " و " غير " وضع خاص في التقديم.
فهما لا يخضعان للمقاييس السابقة التي ترجح التقديم تارة، والتأخير أخرى. بل هما مقدمان دائماً تقديماً
لازماً أو كاللازم.
يقول عبد القاهر: " واستعمال " مثل " و " غير " على هذا السبيل شيء مركوز في الطباع. وهو جار في عادة كل قوم، فأنت الآن إذا
تصفحتَ هذا الكلام وجدَت هذين الاسمين يُقدمان أبداً على الفعل إذا نحى بهما هذا النحو الذي ذكرتُ لك - يريد الكتاية بدون تعريض -
وترى هذا المعنى لا يستقيم فيهما إذا لم يُقدما، ورأيتَ كلاماً مقلوباً عن جهته، ومغيَّراً عن صورته، ورأيتَ اللفظ قد نبا عن معناه، ورأيتَ الطبع يأبى أن يرضاه ".
وهذا القانون الذي يخضع عبد القاهر " مثل " و " غير " تحته يتحقق بألا
يراد ب " مثل "، و " غير "، غير ما أضيفتا إليه - أي أريد بهما الكناية
بدون تعريض. مثل قول المتنبى يعزى عضد الدولة في أمه:
مِثْلُكَ يَثْنِى المزْنَ عَنْ صَوْبِهِ. . . وَيسترِدُّ الذمْعَ عَنْ غَرْبِهِ
وعبد القاهر - كما علمنا - يرجع السر في هذا التقديم إلى الطبع والعُرف
اللغوي، وجاء الخطيب وأشار إلى توجيه عبد القاهر.
ثم أخذ يلتمس وجهاً آخر خلاف ما ذكره عبد القاهر.
وقد تابعه السعد في المطول عند حديثه عن تقديم
" مثل " و " غير "، وخلاصة رأيهما:
قال الخطيب في الإيضاح: " والسر في ذلك أن تقديمهما يفيد تقوى الحكم
كما سبق تقديره - يريد تكرار الإسناد - وأن المطلوب بالكناية في قولنا:
مثلك لا يبخل وغيرك لا يجود، هو الحكم؛ وأن الكناية أبلغ من التصريح فيما قُصِدَ بها فكان تقديمهما أعون للمعنى الذي جلبا لأجله.
ثانياً - أسباب تقديم المسند:
يُقدم المسند على المسند إليه عند البلاغيين للأسباب الآتية:
1 -
تخصيصه بالمسند إليه، نحو:(لكُمْ ديِنُكُمْ وَلِىَ ديِنِ) .
ولهذا لم يقُدم الظرف في قوله تعالى: (ذَلكَ الكتَابُ لَا رَيبَ فيه) .
لئلا يفيد التقديم ثبوت الريب فيما عدا القرآن من كتَب الله المنزلة.
2 -
للتنبيه من أول الأمر على أنه خبر لا صفة، كقول الشاعر:
لهُ هِمَمٌ لَا مُنْتَهَى لِكِبَارِهَا. . . وَهِمَّتُهُ الصُّغْرَى أجلُّ مِنَ البَحْرِ
ومنه قوله سبحانه: (وَلكُمْ فِى الأرْضِ مُسْتَقَرٌ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ) .
3 -
للتفاؤل به، كقول الشاعر:
* سَعِدَتْ بِغُرَةِ وَجْهِكَ الأيَّامُ *
وفي هذا المثال نظر حاصله: أن الاستشهاد به إنما يصلح إذا اعتبرنا الأيام
مبتدأ مؤخراً، والجملة قبله خبراً مقدماً. والتقدير: الأيام سعدت بغُرة وجهك.
وهذا الاعتبار ليس بلازم لجواز أن تكون الأيام فاعلاً لـ " سعدت ".
فلا تقديم حينئذ؛ فالأولى بهم أن يمثلوا للتفاؤل بما لا لبس فيه.
4 -
أو التشويق إلى ذكر المسند إليه كقول الشاعر:
ثَلَاثَة تُشْرِقُ الدنْيَا بِبِهَجَتِهَا. . . شمسُ الضحى وَأبُو إسْحقَ والقَمَرُ
وقد وضع السكاكي لهذا الموضع شرطاً قال: " وحق هذا تطويل الكلام فى
المسند وإلا لم يحسن ".
5 -
وزاد السعد في المطول: ومما يقتضي تقديمه - أي المسند - تضمنه
للاستفهام نحو: كيف زيد. أو:
6 -
كونه أهم عند المتكلم. وقد نبَّه السعد على أن الصنف أهمل هذين
النوعين ثم التمس له عذراً.
وتقدم التخصيص يقتضي الاهتمام دائماً بالمقدم.
ولذلك قدروا المحذوف فى قوله تعالى: (بسْم الله) مؤخراً ليصح تقديم الجار والمجرور.
أما تقديم الفعل عليها في قَوله تعالَى:
(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) .
فقد خرج على وجهين:
أولهما: أن تقديم الفعل - هنا - أولى لكونها أول سورة نزلت وهي تأمر
بالقراءة.
من هنا كان الفعل أولى بالتقديم.
ثانيهما: وهو السكاكي: أن الجار والمجرور (بِاسْمِ رَبِّكَ) متعلق
بـ: (اقْرَأْ) الثانية. ومعنى الأول: أفعل القراء. وأوجَدها.
ولم يرض الخطيب رأى السكاكي، فعقب عليه بقوله:" وهو بعيد "
لكنه لم يبيَن وجه بُعده. ولعله يريد بوجه البُعد طول الفصل بين العامل
والمعمول. إذ بينهما جملتان.
ثالثاً - تقديم بعض المعمولات على بعض:
ومن أسباب هذا التقديم:
1 -
أن يكون التقديم - فيما قُدم - هو الأصل، ولا مقتضى للعدول عنه،
كتقديم الفاعل على المفعول.
وتقديم المفعول الأول على الثاني، لأن في الأول معنى الفاعلية.