الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهى - هنا - " رماد محترق " لا تتعلق به آمال، وحتى مع هذا الوضع
الحقير لأعمالهم: " رماد " لم يقر له قرار. فقد اشتدت به الريح وهذا كاف
لتبديده وتطييره.
ولكن زيادة في تقنيطهم ومحو أي أثر لأعمالهم أضيفت إلى ما سبق أمور يكاد
معها عمل الكافر يكون عدماً.
وتلك الأمور هي: (فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ)(لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ) - (ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18) .
فاشتداد الريح كان في يوم عاصف، وإسناد العصف إلى ضمير اليوم، مع
أن الأصل: معصوف فيه، مبالغة في شدة العصف، وهو مجاز عقلي علاقته
الزمانية.
وأنهم في هذا اليوم، لا يقدرون على الانتفاع بكسبهم أو شيء منه، فقد
ضلوا ضلالاً بعيداً.
كما نلاحظ وصف الضلال بـ " البعيد ". ولم يقل: البين - مثلاً.
ولعل السر في هذا التعبير أن الريح لما طيرت الرماد المضروب مثلاً لأعمالهم. واشتد عصفها به في يوم اشتد عصفه. المعنى إذن: أن الريح طيرت الرماد إلى مسافات نائية جداً لو تعقبوها في تلك المسافات لوقعوا في حيرة وضلال بعيد.
والمسافات - كما نعلم - يناسبها البُعد الذي جُعِلَ الوصف منه وصفاً لضلالهم فى هذا المكان
*
وصورة أخرى - ريح وصِرٌّ:
(مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117) .
وخلاصة هذه الصورة: أن مثل إنفاقهم كمثل حرث أهلكته ريح فيها برد فلم يبق منه شيء، والتشبيه - هنا - تمثيلي مركب.
فمن حق الأداة فيه أن تدخل على أي جزء من أجزائه لا على أنه المشبه به. بل مجموع الأجزاء أو الصورة
هى المشبَّه بها. فلماذا - إذن - أوثر دخول الأداة على " الريح ". فلم تدخل - مثلاً - على " الحرث ". وهو صالح لدخولها عليه.
بل أولى لأنه فى الحقيقة أقرب ما يكون مشبهاً به؟
لذلك أرى أن في دخول الأداة على: (رِيحٌ فيهَا صِرٌّ) إشعاراً بأن
أعمالهم شبيهة بالريح في عدم استقرارها وثباتها.
هذا معنى يلحظه الحس من مجرد دخول الأداة على " ريح " قبل أن تحكم المعنى مصطلحات الفن. وقواعد أهل البيان.
وقد بولغ في وصف الريح بالبرودة فجرد منها صفتها فقال:
(فيهَا صِرٌّ) ولم يقل: ريح باردة. فكأن البرودة عامل آخر
مستقل خارج عن الريَح.
لأن ذلك هو مؤدى التجريد.
قال صاحب الكشاف: " المراد تشبيه ما أنفقوا في ضياعه وذهابه بالكلية.
من غير أن يعود عليهم نفع ما، بحرث قوم كفار ضربته صر فاستأصلته.
ولم يبق لهم فيه منفعة ما بوجه من الوجوه وهو من التشبيه المركب ".
وقد بيَّن الله في غضون هذا المثل أن ما حاق بهم كانوا هم سبباً فيه. .
وذلك فى موضعين: (حَرْثَ قَوْمٍ ظلمُواْ أنفُسَهُمْ) ،
(وَمَا ظلمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كَانُواْ أنفُسَهُمْ يَظلِمُونَ) . .
فذكر ظلمهم لأنفسهم ونفى أن يكون الله ظالماً لهم.
*