الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر ابن الأثير لصحة التقسيم نصوصاً غير ما ذكره ابن أبى الإصبع، فمن
ذلك قوله تعالى: (. . فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ)
قال معلقاً على هذه الآية: " وهذه قسمة صحيحة.
فإنه لا يخلو العباد من هذه الثلاثة: فإما عاص ظالم لنفسه، وإما مطيع مبادر بالخيرات، وإما مقتصد بينهما.
ومثَّل أيضاً بقوله تعالى: (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) .
وقال معلقاً عليها: " وهذه الآية منطبقة المعنى على الآية التي قبلها:
فأصحاب المشأمة هم الظالون لأنفسهم، وأصحاب الميمنة هم المقتصدون،
والسابقون هم السابقون بالخيرات ".
*
*
رأي لابن الأثير:
ويعالج ابن الأثير في هذا الموضع موضوعاً مهماً لم يتنبه إليه سواه قال:
" فإن قيل: إن استيفاء الأقسام ليس شرطاً، وترك بعض الأقسام لا يقدح فى
الكلام. وقد ورد في القرآن الكريم، كقوله تعالى:
(لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) .
فَذكر أصحاب الجنة دون أصحاب النار، فالجواب على ذلك أنى أقول:
هذا لا ينقض على ما ذكرته.
فإن استيفاء الأقسام يلزم فيما استبهم الإجمال فيه، ألا ترى إلى
قوله تعالى: (ثُمَّ أوْرَثْنَا الكتَابَ الَّذِينَ اصْطفَيْنَا مِنْ عبَادنَا)
فإنه حيث قال: " فمنهم " لزم استَيفاء الأقسَام الثلاثة، ولو اقَتصَر على قسمين منها لم يجز، وأما هذه الآية التي هي:(لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ) فإنه إنما خص أصحاب الجنة بالذكر للعلم بأن أصحاب النار لا فوز لهم، وَلو خص أصحاب النار بالذكر لعلمَ أيضاً ما لأصحاب الجنة وكذلك كل ما يجرى هذا المجرى فإنه إنما ينظر فيه إلى المستبهم وغير المستبهم فاعرفه ".
*
5 -
المذهب الكلامي:
سبق أن أبا هلال حين تعرض لهذا الفن نفى أن يكون منه شىء في القرآن
الكريم، متابعاً في ذلك ابن المعتز، بحجة أنه مظنة التكلف فالقرآن منزه
عنه. ولم يسلم هذا الزعم من التعليقات، فابن أبى الإصبع يقول:
" الذي ذكره ابن المعتز أن الجاحظ سماه هذه التسمية وزعم أنه لا يوجد منه شيء فى القرآن، والكتاب الكريم مشحون به، منه قوله تعالى - حكاية عن الخليل عليه أفضل الصلاة والسلام -:(وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ) . . . إلى قوله تعالى:
(وَتلكَ حُجتُنَا آتَيْنَاهَا إبْرَاهِيمَ عَلى قَوْمِه) . .
ثم ذكر تعريفه فقال:
" إنهَ احتجاج المتكلم على ما يريد إثباته بحجَة تقطع المعاند له فيه على طريقة
أرباب الكلام ".
وفي هامش الصناعتين:
" هو إيراد حجة للمطلوب على طريقة أهل الكلام، وهو أن تكون المقدمات بعد تسليمها مستلزمة المطلوب ". .
ومؤدى التعريفين واحد كما ترى.
ومن أمثلته في القرآن الكريم: (قُلْ إنْ كَانَ للرخْمن وَلدٌ فَأنَا أو@لُ
العَا بِدينَ) .
قالَ الزمخشري: (قُلْ إنْ كَانَ للرحْمن وَلدٌ) وصَح ذلك وثبت ببرهان
صحيح توردونه وحُجة واضحة تدلونَ بها فأنا أول من يُعَظم ذلك الولد،
وأسبقكم إلى طاعته والانقياد له. .
وهذا كلام وارد على سبيل الفرض والتمثيل لغرض، وهو المبالغة في نفى الولد والإطناب فيه، وأن لا يترك الناطق به
شُبهة إلا مضمحلة مع الترجمة عن نفسه بثبات المقدَّم في باب التوحيد. وذلك أنه علق العبادة بكينونة الولد، وهي محال في نفسها، فكان المعلق بها محالاً مثلها، فهو في صورة إثبات الكينونة والعبادة، وفي معنى نفيهما على أبلغ الوجوه وأقواها.
وليس في هذا الكلام اعتراض لنا - بل هو في غاية الجودة - بَيْدَ أنى
أضيف ملاحظتين:
أولاهما: أن نفى الولد مستفاد من نفى عبادته، فالرسول إنما كان يعبد الله
وحده.
ثانيهما: أن في هذا التعبير رمياً لهم بالجهل، فإن الرسول عليه السلام
يقول لهم: يا معشر الجاهلين: أنا أعلم منكم بالله وما يجب له، ولو فُرِضَ أن له ولداً وصح ذلك عندى لكنت أولاكم بالطاعة والامتثال له.
ومن شواهد هذا الفن في القرآن الكريم قوله تعالى:
(وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) .
وقوله تعالى: (لوْ كانَ فِيهِمًا آلهَةٌ إلا اللهُ لفَسَدَتَا) .
وقوله تعالى: (وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ) .