الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما ترتيب الفاعيل فيما بينها فقيل: الأصل تقديم المفعول المطلق، ثم
المفعول به بلا واسطة حرف الجر، ثم ما كان بواسطة.
ثم المفعول فيه: الزمان فالمكان. ثم المفعول لأجله. ثم المفعول معه، والأصل - كذلك - أن يذكر الحال عقيب صاحبه والتابع عقيب المتبوع من غير فاصل.
وعند اجتماع التوابع فالأصل تقديم النعت ثم التأكيد ثم البدل ثم البيان.
*
ملاحظة:
1 -
أرى أن هذا الترتيب من باب الفرض والتقدير، لأن الأساليب لا تكاد
تجتمع فيها هذه المعمولات في موضع واحد.
كما أنه يبدو كمنهج القواعد الجافة، والأفضل - بلاغة - أن يخضع التقديم والتأخير فيها لنفس الاعتبارات التي رأوها في المسند إليه والمسند.
2 -
أو لأن ذكره أهم. وذلك حسب اعتناء المتكلم أو السامع.
وهذا الاعتبار يغنى عن الترتيب الذي ذكرناه آنفاً.
وقد مثلوا لذلك بقولهم: " قتل الخارجي فلان "
لأن قتل الخارجى هو الأهم لا مَن قتله.
وكأن يقال: قتل اللصَّ شرطيٌّ فإن خشية الناس من اللص تجعل نبأ قتله عندهم هو المطلوب لا مَن باشر القتل.
3 -
وإما لأن في التأخير إخلالاً بالمعنى. . ومثلوا له بقوله تعالى:
(وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ) .
فلو أخر " مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ " عن " يَكْتُمُ إِيمَانَهُ " لوَقع في الوهم أنه صلة.
فلم يفهم أن ذلك الرجل من آل فرعون وهو المطلوب.
فقد ذكرت الآية للرجل ثلاثة أوصاف. فقدم الإيمان، لأنه أشرفها. .
وأُخر " يَكْتُمُ إِيمَانَهُ " لأن في تقدمه على الثاني خللا بالمعنى وهذا توجيه سديد ليس عليه اعتراض.
4 -
وإما لأن في التأخير إخلالاً بالتناسب.
وقد فسَّروا هذا التناسب برعاية الفواصل، والسجع، وموافقة كلام السامع
ومن أمثلتهم في رعاية الفاصلة قوله تعالى: (فَأوْجَسَ في نَفْسه خيفَةً
موسَى) . حيث جعلوا تقديم الجار والمجرور والمفعول به على الفاعل
" موسى " لرعاية الفواصل. لأنها مبنية على الإلف.
وجعل السكاكي التقديم للعناية مطلقاً. سواء أكان من معمولات الفعل
أو غيره، قسمين:
أحدهما: أن يكون أصل الكلام التقديم، كتقديم المبتدأ المعرف على الخبر،
وتقديم ذي الحال المعرف على الحال، وتقديم العامل على المعمول.
وثانيهما: أن تكون العناية بتقديمه، إما لأنه نصب عينك كتقديم المعمول
على العامل في قولك: وجه الحبيب أتمنى، لمن قال لك: ما الذي تتمنى؟
وتقديم المفعول الثاني على الأول في قوله تعالى: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ) .
على أنهما مفعولا " جعلوا ". فإن ذكر الله.
وذكر وجه الحبيب أهم لأنه في نفسه نصب عينك.
كذلك إذا توهمت أن مخاطبك ملتفت إليه منتظر لذكره، كقوله تعالى:
(وَجَاءَ مِنْ أُقْصَا المدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى) .
وكما إذا عرفت أن في التأخير مانعاً كقوله تعالى:
(وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)
حيث قَدمَ الحال من " قومه " عَلىَ الوصفَ " الذين كفروا "
إذَ لو تأخر لتوهم أنه من صلة الدنيا، لأنها هنا اسم تفضيل من الدنو وليست اسماً، والدنو يتعدى بـ " من ".