الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيطان عليه. والعلاقة - إذن - هي السببية.
وقد رأى هذا الرأي فى غير هذا الموضع.
وقد تناول القرآن هذه الحواس الثلاث: " القلوب - الأسماع - الأبصار "
عند حديثه عن الكافرين في أساليب متنوعة. ومواضع مختلفة تفيد فى
جملتها: أن وجود هذه الوسائل لانعدام أثرها النافع فيهم كعدم وجودها.
وكثرت في هذه الأساليب استعارة " ختم " للدلالة على هذا المعنى.
قال في الجاثية: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً) .
* * *
*
مقارنة سريعة:
ولنا أن نقارن بين صورة المجاز في هذه الآية. وبين صوره في آية " البقرة ".
فالحال هنا هو الحال هناك: كفر وعناد، وهناك ختم على القلوب والأسماع، وغشاوة على الأبصار، وهنا - كذلك ختم وغشاوة. فالآيتان متفقتان في رسم الإطار العام للمعنى مختلفتان في دقائق التعبير.
ففى آية " البقرة " القلوب مقدمة على السمع. وهنا السمع مقدم على
القلب. وهنا أيضاً تصريح بنسبة جعل الغشاوة على البصر، وهناك ترك لذلك التصريح اكتفاءً بذكر الجار والمجرور.
فما السر إذن؟
لعل السر في ذلك أن في آية " البقرة " مجرد إخبار عن حال الكافرين عامة
فهم لا تثمر فيهم بشارة ولا يخيفهم إنذار. .
من أجل ذلك لم يهئ الله لهم أسباب الهداية. لعدم استعدادهم لذلك.
أما في آية " الجاثية " فعرض لنموذج معيَّن فريد من جنسه، وقصد إلى
نوع ألد خصومة وأبعد ضلالاً، يشعر بذلك أن صدر الآية فيه لفت قوى إلى
تأمل حال هذا النوع: (أفَرَأيْتَ مَنِ اتخَذَ إلهَهُ هَواهُ) . . هذه واحدة.
(وَأضَلهُ اللهُ عَلى عِلم) . . وهذه ثانية.
(وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلبِهِ) . . وهذه ثالثة.
(وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشَاوَةً) . . وهذه رابعة.
فهو لانغماسه في هواه لم يعر دعوة الحق أدنى اهتمام، فهو عنها في صمم،
فجدير بقلبه أن يُختم ما دام لم يصل إليه عن طريق السمع توجيه مفيد، فلم
يسمع، ولم يع، ولم ير شيئاً غير شهواته وملاهيه.
وقال في سورة الأنعام: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ) . .
وظاهر أن هذه الآية مسوقة في مقام التهديد والوعيد وهو مقام قرة وعنف، ولهذا جاءت الاستعارة هنا مناسبة للمقام لا فيها من قوة وعنف، ففى الآيات السابقة كان كل من السمع والبصر موجوداً، لكنهما منوفان، وفي هذه الآية السمع والبصر مأخوذان من أصلهما، حتى ليخيل إلى التأمل في هذه الصورة أنها تمثل أناساً غريبي الخِلقة ليس لهم حاسة سمع ولا حاسة بصر!
والقلوب مع هذه مختوم عليها، فماذا بقى فيهم من وسائل النفع؟
لا شيء. . إذن فلا خير في بقائهم ولا أسف على هلاكهم.
* *