الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
موضوع هذه الآيات:
حكت هذه الآيات طرفاً من قصة موسى عليه السلام.
وهو طرف مثير من تلك القصة وقد اشتملت هذه الآيات على صور شتى من المجاز والمعاني والبديعِ.
إذ هي نص محكم متماسك يطالعك بمطلع مثير:
(وَلمَا سَكَتَ عَن مُوسَى الغَضَبُ)
فقد أسند السكوت إلى الغضب، وصار الغضب فاعلاً للسكوت.
وهذا العمل يدعو إلى التأمل والتفكير. فليس الغضب ممن يتكلم حتى يُسند إليه السكوت. وليس السكوت من الأحداث التي تثبت للغضب أو تنفى عنه.
الغضب عن ذلك بمعزل.
*
*
مجاز على وجوه ثلاثة:
إذن فإن في التعبير تجوزاً. وهو محتمل لثلاثة وجوه:
أ - أن يكون استعارة تصريحية تبعية. بأن يشبه زوال الغضب.
ب " السكوت " بجامع انعدام الأثر في كل.
والقرينة - إذن - هى إسناد السكوت إلى الغضب.
2 -
أن يكون استعارة بالكناية.
ووجهه أن تشبه الغضب بإنسان ثائر يقذف
الحمم من لسانه ويضرب ويبطش ويصول ويجول.
ثم تحذف المشبه به. وترمز له بشيء من خواصه وهو - هنا - السكوت. وإلى هذا الرأي يميل الزمخشري فيقول:
" كأن الغضب كان يغريه على ما فعل. ويقول له: قل لقومك كذا.
وألق الألواح وجر برأس أخيك إليك. وتُرِك النطق بذلك. وقطع الإغراء. ولم يستحسن هذه الكلمة ولم يستفصحها كل ذى طبع سليم.
وذوق صحيح إلا لذلك ولأنه من قبيل شعب البلاغة ".
ويميل إليه العلامة أبو السعود فيقول: " وفي هذا النظم الكريم من المبالغة
والبلاغة بتنزيل الغضب الحامل له على ما صدر عنه من الفعل والقول منزل
الآمر بذلك المغري، ثم استعير التركيب الدال على المشبَّه به للمشبه وفى
التعبير عن سكونه بالسكوت ما لا يخفى ".
ويذهب الإمام النسفي مذهبهما فيقول موجزاً: ولما كان الغضب لشدته كأنه
هو الآمر لموسى بما فعل قيل: (وَلمَا سَكَتَ عَن مُوسَى الغَضَبُ) .
3 -
أن تكون استعارة تمثيلية بأن تشبه الهيئة الناشئة عن الغضب بهيئة
إغراء مغر. فإذا انقطع عنه الإغراء سكن المغري ثم استعير التركيب الدال على المشبَّه به وهو " سكت " للمشبه.
هذه توجيهات ثلاثة لتحديد نوع المجاز في الآية.
والواقع أن روعة التعبير فيها لا تتوقف على معرفة ما هو نوع مجازها. والذي أميل إليه ما اختاره المفسرون من حمل المجاز على الاستعارة المكنية لأن الغرض وصف الغضب بأنه كان حاداً قد بلغ مداه من نفس موسى عليه السلام، حتى أصبح هو الذي يقول ويفعل، وهذا لا يتأتي على أكمل وجه إلا في الاستعارة المكنية.
وبهذا يبدو ذوق المفسرين وكونهم أقرب إلى طببعة الأسلوب القرآني وجزالته.
وفي قوله تعالى: (وَفى نُسْخَتهَا هُدىً وَرَحْمَةٌ) مجاز مرسل علاقته
اعتبار ما سيكون لأن الوصاَيا التي فيها إذا تمسك به قوم موسى هدتهم إلى
الحق. وجعلتهم أهلاً لأن يرحمهم الله.
والقرينة اعتبار أن يكون الهدى والرحمة ملتبسين بالنسخة تلبساً حقيقياً وقائمين بها.
أو العلاقة اللزومية. . لأن مَن يتمسك بتلك الوصايا لزم أن يكون مهتدياً
مرحوماً.
* *