المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثالثمن روائع " المعاني " في القرآن الكريم* من أسرار الحذف.* من أسرار التقديم في القرآن.* التقديم غير الاصطلاحي

- ‌الفصل الأولمن أسرار الحذف

- ‌ شروط الحذف:

- ‌ لماذا حذف " يا " مع " رب

- ‌ حذف "لا" مع "تفتأ

- ‌ حذف الواو وذكره:

- ‌ توجيه النص مع الحذف وعدمه:

- ‌ رد ابن المنير على هذا الرأي:

- ‌ إضافة:

- ‌ موضع ثالث لحذف الواو:

- ‌ هل توجيه الزمخشري مقنع

- ‌ حذف حرف الجر " الباء

- ‌ توجيهي للمسَألةَ:

- ‌ صورة أخرى لحذف الحرف في القرآن:

- ‌ توجيهات العلماء للمسألة:

- ‌ سبب الحذف هنا:

- ‌ إيضاح:

- ‌ حذف الفعل اكتفاءً بآخر:

- ‌ الحذف للتحذير والإغراء:

- ‌ حذف الفعل إذا وقع جواب سؤال:

- ‌ سبب هذا الحذف:

- ‌ حذف الفاعل على غير قياس:

- ‌ مماثلة عجيبة

- ‌ سبب حذف الفاعل فيها:

- ‌ وما سر الحذف إذن

- ‌ أسباب أخرى لحذفهما:

- ‌ حذف الخبر مع " لا " النافية:

- ‌ مناقشة مثالين:

- ‌ وجه لحذف ياء المتكلم مع " رب

- ‌ حذف المفعول به:

- ‌ الأغراض البلاغية لحذف المفعول به:

- ‌ سبب قرآنى بحت:

- ‌ خلاف حول آية:

- ‌ نقد وتوجيه:

- ‌ كراهة نسبة الرسالة هي السبب:

- ‌ عزة المطلب هي السبب:

- ‌ مجرد الاختصار وحده لا يكفي:

- ‌ ورعاية الفواصل وحدها لا تكفي:

- ‌ أنواع الحذف:

- ‌ والخلاصة:

- ‌خصائص الحذف القرآني

- ‌ شهادة عدلين:

- ‌الفصل الثانيمن أسرار التقديم في القرآن الكريم

- ‌ معارضة:

- ‌ مبنى إفادة التقوي:

- ‌ مرجحات رأي:

- ‌ التقديم والتأخير في الفعل المنفي:

- ‌ مقارنة:

- ‌ موقف المتأخرين من هذا الرأي:

- ‌ ملاحظة:

- ‌ مناقشة الخطيب له:

- ‌ تقديم المفعول به:

- ‌ تقديم المفعول للإنكار:

- ‌ تعقيب:

- ‌ تعقيب:

- ‌ ملحظ مهم فات ابن الصائغ:

- ‌ سر هذا التقديم:

- ‌ مقارنة بين ثلاثة نصوص:

- ‌ ملحظ آخر فات ابن الصائغ:

- ‌ خطأ وقع فيه ابن الصائغ:

- ‌ عرض ونقد وتحليل:

- ‌ رأي صائب:

- ‌ السموات لم تُقدَّم على الأرض دائماً:

- ‌ تقديم ذو وجهين:

- ‌ مقارنة بين المنهجين:

- ‌ مراعاة النظم:

- ‌ مأخذنا على ابن الأثير:

- ‌ تقديم الظرف:

- ‌ تعقيب:

- ‌ أبرز ملامح منهج ابن الأثير:

- ‌ توجيه آخر:

- ‌ رأي لنا في المسألة:

- ‌ أبرز ملامح منهج المفسرين:

- ‌ اقتراح:

- ‌الفصل الثالثالتقديم غير الاصطلاحيأو اختلاف النظم في العبارات ذات المعنى الواحد

- ‌ نوع ثالث من التقديم:

- ‌ رأينا في الموضوع

- ‌ ما يهدى إليه النظر في هذا الموضع:

- ‌ ماذا قال المفسرون:

- ‌ سؤال وجواب:

- ‌ الموضع الرابع " التوحيد والخَلق

- ‌ توجيه ميسور:

- ‌ الموضع الخامس: " الذِينَ آمَنُواْ، وَالذِينَ هَادُواْ

- ‌ رأي الإسكافي:

- ‌ تخريجنا لهذه المواضع:

- ‌ بين المفسرين والإسكافي

- ‌ الموضع السادس " وَمَا أُهلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ

- ‌ مقامان مختلفان:

- ‌ الموضع السابع " القَوَامة والشهادة

- ‌ قيمة هذه النقول:

- ‌ دلالة النص نفسه:

- ‌ رأي الخطيب الإسكافي:

- ‌ الموضع الثامن " اطمئنان القلوب

- ‌ رأي الخطيب الإسكافي:

- ‌ الموضع التاسع " وكَفَى بِاللهِ شَهِيداً

- ‌ التفاوت في التحدي هو السر:

- ‌ الموضع العاشر " التلاوة وتعليم الكتاب

- ‌ نظرة فاحصة تكشف السر:

- ‌ فهم آخر:

- ‌ الموضع الحادى عشر " لَا يَقْدِرُونَ عَلى شَىْءٍ مِمَّا كَسَبُواْ

- ‌ بحث عن السر:

- ‌ الموضع الثاني عشر " الكِبَر والعُقْر

- ‌ ملاحظة أمرين:

- ‌ الموضع الثالث عشر " وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ

- ‌ رأي الخطيب الإسكافي:

- ‌ سؤال وجواب:

- ‌ الموضع الخامس عشر " رزق الآباء والأبناء

- ‌ الموضع السادس عشر " لقَدْ وَعِدنا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ

- ‌ رأيي في الموضوع:

- ‌ رأي الخطيب الإسكافي:

- ‌ الموضع السابع عشر " وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ يَسْعَى

- ‌ رأي السكاكي:

- ‌ الموضع الثامن عشر " الأكل الرغد

- ‌ الموضع التاسع عشر " الشفاعة والعدل

- ‌ توجيه الزركشي لهاتين الآيتين:

- ‌ جولة مع المفسرين:

- ‌ رأيي في المسألة:

- ‌ الموضع العشرون " اللعب واللهو

- ‌ مفهوم اللعب واللهو:

- ‌ اللعب في القرآن:

- ‌ التوجيه البلاغي للنص:

- ‌ لماذا قدَّم " اللهو على اللعب " إذن

- ‌ إجمال:

- ‌الباب الرابعمن سحر البيان في القرآن الكريم* التشبيه والتمثيل.* المجاز في القرآن الكريم.* المجاز القرآني

- ‌الفصل الأولالتشبيه والتمثيل

- ‌ مجموعات التشبيه والتمثيل في القرآن:

- ‌ صورة ثانية - حالهم مع كل ما يجب فهمه:

- ‌ صورة ثالثة - أكلهم كأكل الأنعام:

- ‌ صورة رابعة - الكافرون وسلب الإحساس:

- ‌ صورة خامسة - قسوة قلوبهم وتحجرها:

- ‌ صورة سادسة - الكافرون والظلمات:

- ‌ ومعنى آخر نلمحه:

- ‌ صورة سابعة - الكافرون والموت:

- ‌ إجمال:

- ‌ ضعف المعتقد:

- ‌ ومثلان آخران - رجلان لا يستويان:

- ‌ وصورة أخرى - الذباب هو المنتصر:

- ‌ بَلهٌ مضحك:

- ‌ هلع قاتل:

- ‌ وضعف بالغ:

- ‌ صورة أولى - صفوان ووابل:

- ‌ وصورة أخرى - ريح ورماد:

- ‌ وصورة أخرى - ريح وصِرٌّ:

- ‌ وصورة أخرى - سراب وظلمات:

- ‌ وصورة أخرى - هباء منثور:

- ‌ صوة أولى - ترهقهم ذلِة:

- ‌ وتصعَّد منهك:

- ‌ وصورة رابعة - صيحات وصواعق:

- ‌ مآل الكافرين:

- ‌ وقفة جامعة:

- ‌ وصف الحور والوِلْدَان:

- ‌ ملامح مشتركة بين الصور الثلاث:

- ‌ قياس واضح يُلزمهم بالتصديق:

- ‌ والخلاصة:

- ‌ أهوال القيامة:

- ‌معان دقيقة

- ‌ وقفة تأمل:

- ‌ التشبيه المقلوب:

- ‌ فكرة للدرس:

- ‌ البيع، والرِّبَا:

- ‌ خصائص تشبيهات القرآن:

- ‌ صورتان فيهما دقة:

- ‌ سر آسر:

- ‌ وهم مدفوع:

- ‌ وجه الشبه في تشبيهات القرآن:

- ‌ ووهم آخر مدفوع:

- ‌ مدخول الأداة في التشبيه المركب:

- ‌ عود للتشبيه المسلوب:

- ‌ نوع فريد من التشبيه في القرآن:

- ‌ التشبيه والتمثيل أصيلان في أسلوب القرآن:

- ‌الفصل الثاني1 -المجاز في القرآن الكريم

- ‌ عرض سريع:

- ‌ لماذا يستخدم القرآن المصدر المؤول

- ‌ مقارنة سريعة:

- ‌ صمت. وكلام:

- ‌ طبع " و " ختم " أختان:

- ‌ وصف جامع:

- ‌ تفرقة عجيبة:

- ‌ منهج القرآن في " طبع " و " ختم

- ‌ ربط " تنافى " ختم " و " طبع

- ‌ الخداع في جانب الله:

- ‌ ولكن ما خداع الله لهم

- ‌ توجيه جديد للآية:

- ‌ النفاق ". . كلمة مدنية:

- ‌ دور المرض في المجاز:

- ‌ المرض. . حقيقة ومجازاً:

- ‌ موازنة ضرورية:

- ‌ مقتضى الظاهر ومخالفته:

- ‌ المعاني التي أفادتها " مَدَّ " في القرآن:

- ‌ العَمَه. . العمى:

- ‌ طريق المجاز فيهما:

- ‌ محاولة لتوجيه المعنى في الموضعين:

- ‌ الاشتراء والضلالة:

- ‌ استعمالات " شَرَى " وقانونها:

- ‌ المجاز اللغوي في " شَرَى

- ‌ التجارة والربح:

- ‌ المجاز في " التجارة " عقلي:

- ‌ الكافرون واستيقاد النار:

- ‌ بين التشبيه والاستعارة:

- ‌ الكافرون. . والصيِّب:

- ‌ عبارة تنبئ عن إحساس نفسي:

- ‌ إحاطة علم الله:

- ‌ صياغة القرآن لمادة " أحاط

- ‌ المعاني الواردة فيها:

- ‌ الكافرون والبرق:

- ‌ منهج القرآن في مادة " خطف

- ‌ ذهب وخطف:

- ‌الفصل الثالث2 -المجاز القرآني

- ‌ موضوع هذه الآيات:

- ‌ مجاز على وجوه ثلاثة:

- ‌ بنو إسرائيل والرجفة:

- ‌ الحقيقة والمجاز في مادة " أخذ

- ‌ صيغ مادة " أخذ

- ‌ نتائج مهمة:

- ‌ الإسناد المجازي لمادة " رجف

- ‌ الدعاء:

- ‌ مادة " كتب " في القرآن:

- ‌ ملاحظات مهمة:

- ‌ التوبة والرجوع الحسي:

- ‌ التعميم والتخصيص في الرحمة:

- ‌ واسع ". . وصفاً لله سبحانه:

- ‌ مسوغات الوصف:

- ‌ وصورتان أخريان:

- ‌ الوسع وصفاً للأرض:

- ‌ موضع آخر بين الحقيقة والمجاز:

- ‌ حصيلة هذه الجولة:

- ‌ مادة " تبع في القرآن

- ‌ وقفة مع هذه المادة:

- ‌ ملاحظات مهمة:

- ‌ الرسول في التوراة والإنجيل:

- ‌ الطيبات والخبائث:

- ‌ حل " في القرآن:

- ‌ ملحظ عجيب:

- ‌ والسر:

- ‌ طاب " في القرآن:

- ‌ منهج القرآن في " طاب

- ‌ المعاني المرادة من " خبث

- ‌ الإصر والأغلال

- ‌ وضع " بين الحقيقة والمجاز:

- ‌ استنتاجات:

- ‌ معاني " غل

- ‌ ثلاث كنايات:

- ‌ النور " في القرآن:

- ‌ سؤال وجواب:

- ‌ النور للهدى والإيمان:

- ‌ السر البلاغي لهذا المنهج:

- ‌ محاولات يائسة:

- ‌ لماذا أفرد القرآن " النور " وجمع " الظلمات

- ‌ خصائص المجاز القرآني:

- ‌ سكوت الغضب ووضع الحرب:

- ‌ عض الأنامل وعض الأيدي:

- ‌ منهج فريد:

- ‌ وضوح المناسبة:

- ‌ الذوق في القرآن:

- ‌ الذوق لغة وبياناً:

- ‌ مقام المخالفات:

- ‌الباب الخامسالبديع. . في القرآن الكريم* المحسِّنات المعنوية.* المحسِّنات اللفظية.* قيمة البديع القرآني

- ‌الفصل الأولالمحسِّنات المعنوية

- ‌ سبب الخلط:

- ‌ الطباق والتشبيه المسلوب:

- ‌ نتائج مهمة:

- ‌ شروط الطباق:

- ‌ أصالة المشاكلة في القرآن:

- ‌ تعقيب:

- ‌ رأي لابن الأثير:

- ‌ قياس المذهب الكلامى:

- ‌الفصل الثانيالمحسِّنات اللفظية

- ‌ الجناس:

- ‌ من صور الجُناس في القرآن:

- ‌ الجُناس يجامع فنوناً أخرى:

- ‌ وظيفة الجناس:

- ‌ مقومات الجمال في الجناس:

- ‌ منزلة جُناس القرآن:

- ‌ ائتلاف اللفظ مع المعنى سمة للقرآن كله:

- ‌ المس والذوق:

- ‌ ذل اليهود ومسكنتهم:

- ‌ غرابة اللفظ لغرابة المعنى:

- ‌ نقد وتحليل:

- ‌ ابن أبى الإصبع يناقض نفسه:

- ‌ والسؤال الآن:

- ‌ معان آخرى للتمثيل:

- ‌الفصل الثالثقيمة البديع القرآني

- ‌ المعنى الإجمالى لهاتين الآيتين:

- ‌ صور البديع فيما تقدم:

- ‌ نتائج مهمة:

- ‌ كثرة وجوده:

- ‌ المبالغة:

- ‌ صحة التقسيم:

- ‌ الإيجاز:

- ‌ نصوص معيبة:

- ‌ بين القرآن والناس:

- ‌ ملاحظتان مهمتان:

- ‌قائمة المصادر والمراجعللجزء الثاني

الفصل: ‌ أهوال القيامة:

أما آية، المعارج " فإن حمل اليوم فيها على يوم القيامة رأى تؤيده القرائن

ويكفي أن ننظر إلى الآيات التي جاءت آيتنا في سياقها ليتأكد لنا ذلك

التأييد.

قال سبحانه: (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) .

فهذه الظواهر لا تكون إلا يوم القيامة. وهذا يُرجح أن يكون المقصود هنا

يوم القيامة. ما لم نعتبر إرجاع الضمائر على العذاب الوارد في قوله تعالى:

(سَألَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِع) لأن كُلا من العذاب، واليوم المذكور فى

قوله: (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) . صالح لإرجاع

الضمير عليه في قوله تعالَى: (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) .

أى يرون العذاب أو اليوم الطويل.

وأياً كان اليوم المذكور في هذه الآيات الثلاث فإن التشبيه قد أفاد طوله غير

المعهود لأنه يوم تحدث فيه من الأعمال أو الأهوال ما لا يحدث مثله إلا فى

الزمن المشبَّه به. والله أعلم.

* *

*‌

‌ أهوال القيامة:

وتحدث القرآن - كذلك عن طريق التشبيه عن الأهوال الجسام التي تقع يوم

القيامة والظواهر التي ليس للناس بها عهد.

ص: 260

وفى هذا الجانب وردت النصوص الآتية:

(وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) .

وقال: (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) .

وقال: (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) .

وقال: (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) .

وقال: (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) .

فهذه أهوال وظواهر غير معهودة تحدث يوم القيامة ساقها القرآن عن طريق

التشبيه.

ففى آية " الكهف " شبَّه بعثهم وعرضهم على الله بهيئتهم وحالهم عند

النشأة الأولى: (كَمَا خَلقْنَاكُمْ أوَّلَ مَرَّةٍ) ، ووجه الشبه هنا أنهم مجردون

من كل حَول وقوة، لا مال لهم ولا ولد، حفاة عراة إلا مَن اكتسى بلباس

التقوى، ولا يبعد أن يدخل في وجه الشبه اعتبار الجمع كما في قوله تعالى:

(ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ) .

والزمخشري يُرجح أن وجه الشبه كونهم حفاة عراة، لا يملكون من حطام

الدنيا شيئاً.

ص: 261

وفى آية " الحج " جاء تمثيلهم بالسكارى. وقد مهَّد لهذا التشبيه بأهوال

تسلم مَن شاهدها إلى ما يشبه السُّكر من الذهول والهذيان وفقد الإدراك.

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) .

و (تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) كناية عن صفة هي الفزع من شدة

الهول وانشغال كل امَرئ بما كسب: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) .

وآية " المعارج " أبانت الأطوار التي ستئول إليها السماء إذ تكون كالمهل

وهو دردى الزيت كما سبق.

أما الجبال فستكون مثل الصوف المصبوغ التفرق. إذا طيرته الريح.

وجاء تشبيهم في " القمر " بالجراد المنتشر في الكثرة والانتشار، كما جاء

تشبيهم في " القارعة " بالفراش المبثوث، ووجه الشبه الكثرة والضعف

والتموج والاضطراب.

وقال في " المعارج ": (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ سِراعاً كَأنهُمْ إلى

نُصُبٍ يُوفضُونَ) ، الإيفاض: السرعة. والنُصب، كل ما نُصِبَ وعُبِدَ

من دون اللَه. وهذا التشبيه مقصود به الكافرون.

ففى التشبيه بإيفاضهم إلى النُصب تهكم بهم. وتوبيخ لهم.

كأنهم يسرعون نحو أصنامهم التي كانوا يعبدونها لتنجيهم مما هو واقع.

ص: 262

وجاء في " الرحمن ": (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) .

" وردة ": أي حمراء. و " الدهان ": الزيت.

هذه معان جد رائعة عرفناها في القرآن الكريم عن طريق التشبيه في أسلوب

جزل واضح، والآن ننتقل إلى مجموعة أخرى وهي:

1 -

في مجال القدرة الإلهية:

وفي هذا المجال وردت النصوص الآتية: (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) .

شبه الموج بالجبال في الضخامة والامتداد الشامخ.

ومع هذا فإن السفينة - سفينة نوح - ظلت تمخر الماء في سلام.

وتشبيه " الموج " بالجبال ضرورة بيانية لأن المقام يقتضي إبراز نعمة الله وكيف نجى المؤمنين وسط الطوفان وتلاطم الأمواج.

ومن ذلك تشبيه السفن نفسها بالجبال في قوله تعالى: (وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24) .

والوجه - هنا ليس مجرد الضخامة - بل هو ملاحظة الاستقرار مع كونها

تجرى في البحر. لا تضطرب ولا تميد ميداً يؤدى بها إلى الهلاك.

وآثر هنا " الأعلام " مكان " الجبال " لأن العَلم هو الجبل الطويل لا مطلق جبل.

ولا شك أن السفن أضخم وأكثر شموخاً من الموج.

وهذا ملحظ دقيق لاستعمال أحد المترادفين فيما هو به أولى.

لم يُعرف ذلك على دقته وروعته في غير القرآن.

ص: 263

وكما شبَّه الموج بالجبال شبَّه بالظلل. وهي القطع من السحاب فقال:

(وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) .

وفي تشبيه الموج بـ " الظلل " التي هي سحاب ملحظ دقيق وجدة ظاهرة،

وليس فيه تشبيه الشيء بنفسه وإن كان كل منهما ماء، لأن وجه الشبه الضخامة.

وأوثر لفظ " الظلل " على " السُحُب " لأنه يشعر بأن الموج ارتفع فوق ظهر

الماء حتى صار له ظل. وهذا أنسب من حيث المقام.

وجاء تشبيه الجبل بالسحابة في قوله تعالى: (وَإذْ نَتَقْنَا الجَبَلَ فَوْقَهُمْ

كَأنَّهُ ظلة) .

وهذا مثل من قُدرة الله لما صدَّ بنو إسرائيل عن العمل بما شرعه الله لهم قلع

جبل " الطور " ورفعه فوق رءوسهم كأنه سحابة. مظلة وهددهم إذا لم يمتثلوا أمره بأن يسقط عليهم الجبل.

ووجه الشبه الارتفاع والإظلال، والغرض بيان قُدرة الله وتهديد بنى إسرائيل

- ليتعظ مَن عداهم.

وجاء في مبدأ خلق الإنسان قوله تعالى: (خَلقَ الإنسَانَ مِن صَلصَال

كَالفَخَّارِ) .

" الصلصال ": الطين اليابس الذي له صلصة، و " الفخار ": الخزف،

ووجه الشبه الجفاف واليبوسة.

وأصل الصلصلة تردد الصوت من الشيء اليابس، والغرض من هذا

التشبيه تذكير الإنسان بمبدأ خلقه وكيف أن قُدرة الله قد أخرجته من هذا المبدأ

ص: 264

إلى ما هو عليه إنساناً سوياً. وذلك أدعى للشكر. فهو مسوق للتوييخ على

إخلالهم بمواجب شكر النِعَم.

وجاء في تشبيه السرعة: (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) .

وقد جاء هذا التشبيه في أسلوب قصرى محكم البناء.

ويهدف إلى تحقيق غرضين: السرعة الفائقة. واليُسر.

وقد أوفى التشبيه بالغرضين أيما وفاء. وأين منه قول الشاعر:

ظَللنَا عِنْدَ بَابِ أبِى نَعِيمٍ. . . بِيَوْمٍ مِثْلِ سَالِفَةِ الذُّبابِ

وأين منه قول الآخر:

ويوْم كَظِلِّ الرُمْح قَصَّرَ طولهُ. . . دَمُ الزًقِّ عَنا واصْطِكَاكُ المزاهِرِ

قوة وجزالة في التشبيه القرآني. وعفة ألفاظ. لا نجد لها مماثلاً فيما سواه.

مع أن التشبيه القرآني - هنا - وفي كل موضع مختص، بالتفوق والدقة فى

تصوير المعاني وتقريبها للفهم.

* *

2 -

باقة من زهور:

تقدمت الإشارة إلى هذا في صدر هذا الفصل. ونستعرض فيه أنماطاً من

التشبيه والتمثيل لا تخضع لغرض واحد. وإن أمكن توزيعها على بعض الفروع السابقة.

من ذلك قوله تعالى في تشبيه اليهود: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) .

ص: 265

أراد الله أن يصف اليهود بترك العمل بما علموا. فاختار لهم هذا المثل:

" حمار " يحمل أسفار العلم ونفائس المعارف. فهو يحملها على ظهره

ويصطك بها جنباه ويعانى من تعبها والكد في معاناة السير بها دون أن يعى

شيئاً مما حوته.

فقد نزَّل علمهم بها - أي بالتوراة - منزلة الجهل بما فيها من حيث أنهم لم

يعملوا بمقتضاها. فلم يكن لهم مثل أقرب من مثل الحمار الذي تلك صفته.

فالتركيب ظاهر في جهة المشبَّه به. لأنه ليس المراد تشبيههم بالحمار مجرد

حمار، بل الحمار على الهيئة المخصوصة.

وكذلك المشبه مركب أيضاً. لأن المراد تشبيه اليهود بتلك الهيئة المخصوصة

لامجرد يهود.

والوجه شقاء كل باستصحاب ما يتضمن النفع العظيم.

والفوائد الشريفة من غير أن يحصل على شيء مع معاناة الكد والمتاعب في حمله.

وقد سار هذا التمثيل مثلاً على أفواه المتأدبين والبلغاء.

وقال سبحانه في شأن المنافقين: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) .

قال الزمخشري في توجيه هذا التشبيه:

" شُبهوا في استنادهم - وما هم إلا أجرام خالية عن الإيمان والخير - بـ " الخُشُب المسندة "، ولأن الخُشُب إذا انتُفِعَ به كان في سقف أو جدار أو غيرهما من مظان الانتفاع، وما دام غير منتفَع به أُسند إلى الحائط فشُبهوا به في عدم الانتفاع ".

ص: 266