الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله تعالى: (وكَذَلكَ اليَوْمَ تُنْسَى) . . فيه تهكم بالمخاطب وتوبيخ على
ما قدم، لأن الواقع ألا نسيان ولا إهمال بل جزاءً وفاقاً، أي نعاملك اليوم
بمثل ما كنتَ تعاملنا به في الحياة الدنيا.
*
*
أصالة المشاكلة في القرآن:
فأسلوب المشاكلة أسلوب أصيل في القرآن الكريم، وهو جدير بأن يُلحَق -
كذلك - بأقسام البيان الأصيل، لأنه من مقتضيات الأحوال، كما نَصَّ على
ذلك العصام فيما نقلناه عنه، فهى إما مجاز مرسل كقوله تعالى:
(وَجَزَاءُ سَيئَة سَيئَةٌ مَثْلهَا) وما جرى مجرى هذه الآية،
وإما استعارة كقول أبى الرقعمق:
قَالُواْ اقْتَرِحْ شَيْئاً نُجِدْ لكَ طبْخَهُ. . . قُلتُ اطبِخُوا لِى جُبَّةً وَقَمِيصاً
قال الإنبابي: " وقد تلخص من كلام ابن يعقوب والحفيد أن المشاكلة واسطة
بين الحقيقة والمجاز والكناية، وقيل: إنها دائماً مجاز مرسل علاقته المجاورة
التي هي هنا الوقوع في الصحبة، وقيل: إنها تجامع المجاز المرسل والاستعارة
إن لوحظ علاقتهما، وإلا فهى واسطة - قاله بعض المشايخ ".
وقد خالف عبد الحكيم القول بأن المشاكلة من المجاز فقال معلقاً عليه:
" القول بكونه مجازاً ينافى كونه من المحسِّنات البديعية، وأنه لا بدَّ في المجاز
من اللزوم بين المعنيين في الجملة، فتعيَّن الوجه الأول ".
ومهما كان الخلاف فإن المشاكلة من أساليب البلاغة الأصيلة وليست محسناً
ثانوياً كما يقال عنها، ولها فوق ما تؤديه من خدمة للمعاني وظيفة من حيث
اللفظ لا يُستهان بها، هي: أن المشاكلة بالجُناس من حيث تماثل اللفظين، بل
من الجُناس التام لاتفاق اللفظين في جنس الحروف وعددها وهيئتها وترتيبها.
ولا فرق بينها إلا من حيث المعنى، وللجُناس وظيفة سنذكرها في موضعها،
وما دامت المشاكلة شبيهة بالجُناس - بل التام منه - فإن ما يثبت له من مزايا
يثبت لها كذلك.
4 -
صحة الأقسام:
عرفه ابن أبى الإصبع تحت هذا العنوان بقوله: " صحة الأقسام عبارة عن
استيفاء المتكلم جميع أقسام العتى الذي هو آخذ فيه، بحيث لا يغادر
شيئاً".
وعرفه أبو هلال تحت عنوان: " صحة التقسيم " فقال: " التقسيم الصحيح
أن تقسم الكلام قسمة مستوية تحتوي على جميع أنواعه ولا يخرج منها جنس
من أجناسه ".
وعرفه ابن سنان فقال: " أما الصحة في التقسيم فأن تكون الأقسام المذكورة، لم يخل بشىء منها، ولا تكررت ولا دخل بعضها تحت بعض ".
وقد تحدث عنه آخرون كعبد القاهر في " الدلائل "، وابن الأثير وغيرهما
وكلهم يرفعون من شأنه، ويظهرون الاهتمام به، وقد أفاض ابن أبى الإصبع
فى التمثيل له من القرآن الكريم وبدأ بقوله تعالى: (هُوَ الذىِ يُرِيكُمُ البَرْقَ
خَوْفاً وَطمَعاً) . . إذ ليس في رؤية البرق إلا الخوف من الصواعق،
والطمع في الأمطار. ولا ثالث لهذين القسمين. .
ثم أخذ يبين سر تقديم الخوف
على الطمع. فقال: " ومن لطيف ما وقع في هذه الآية: تقديم الخوف على
الطمع، إذ كانت الصواعق يجوز وقوعها من أول برقة.
ولا يحصل المطر إلا بعد تواتره لا يكاد يختلف.
لهذا كانت العرب تعد سبعين برقة، وتنتجع فلا تخطئ الغيث ".
والذي أراه: أن تقديم الخوف على الطمع من تقديم الأهم على المهم.
لأن متعلق الخوف الحرص على أصل الحياة، ومتعلق الطمع الحرص على الزيادة من متع الحياة.
ومن صحة الأقسام قوله تعالى: (الَّذِينَ يَذكُرُونَ اللهَ قيَاماً وَقُعُوداً
وَعَلى جُنُوبهمْ) . . فلم يترك سبحانه قَسماً من أقسام الهيَئات حتى أتى
به، وقد جَاءَ ترتيب الهيئات على حسب الأفضلية، فقدم الذكر قياماً عليه
قعوداً، وقدم الذِكر قعوداً عليه رقوداً، وفي هذا من حسن النسق وجودة
الترتيب ما فيه. ويجوز حمل التقديم فيها على مراعاة الأكثر فالأكثر، لأن
ذكر الله قياماً أكثر من ذكره قعوداً، وذكره قعوداً أكثر من ذكره رقوداً.
ومن صحة الأقسام قولَه تعالى: (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا) .
ًفهيئَات الدعاء هنا ثلاث كهيئات الذكر هناك، ولم يفت ابن أبى الإصبع أن
يلحظ اختلاف النظم في الترتيب في الآيتين، فتراه يقول:
" لكن وقع بين ترتيب الآيتين مغايرة أوجبتها البلاغة.
فتضمن الكلام بها الائتلاف.
وذلك أن الذكر يجب فيه تقديم القيام لأن المراد به الصلاة - والله أعلم - والقعود لمن يسَتطيع القيام. والاضطجاع للعاجز عن القعود.
والضر يجب فيه تقديم الاضطجاع لغلبة الضعف ومبادئ الإعلال وتزيدها
وإذا أزال بعض العلة. . قعد المضطجع. وإذا زالت العلة كلها وتراجعت القوة قام القاعد. والمراد بالدعاء هنا الصلاة أيضاً ".
*