الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- حذف جواب القَسَم:
ما أكثر حذف جواب القَسَم في القرآن. وقد جاء ذلك في مطالع
السور مثل: (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا. .)، ومثل:(ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ)، وَمثلَ:(ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ)، ومثل:
(وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) .
وتقدير الجواب في الأول: لتبعثن.
وفي الثاني: إنه لمعجز - يعني القرآن،
وفي الثالث: ليس الأمر كما زعموا.
وفي الرابع: ليعذبن.
هذا في مطلع السور.
أما في درج الكلام فإن السيوطي يرى في قوله تعالى:
(لأعَذبُنهُ عَذَاباً شَدِيداً) . أن جملة القسم محذوفة. .
والتقدير: والله قسمي.
وفي حذف الشرط أو جوابه أو حذف جواب القَسَم فإن دليل الحذف ما بقى
من الأجزاء، أما السبب البلاغي فلتقدره النفس بأى صورة مناسبة وفيه تكثير المعنى فقد قدر صاحب النحو الوافي جواب القَسَم في قوله تعالى:
(وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ) . بقوله: ما نفعكم.
وقدَّره المفسرون بقولهم: لكان هذا القرآنَ. .
وهو أرجح مما ذهب إليه صاحب النحو الوافي.
* *
*
أنواع الحذف:
ذكر السيوطي في كتابه " معترك الأقران " أن الحذف يأتي على أربعة
أنواع هي:
الأول - الاقتطاع: وهو حذف بعض أحرف الكلمة لغير علة صرفية
أو نحوية، وقد حكى
السيوطي أن ابن الأثير، يمنع ورود هذا النوع في القرآن الكريم.
ثم ذكر رأى الؤيدين لوروده فيه ذاكراً أمثلتهم وأدلتهم كورود الحروف المقطعة في أوائل السور - على رأى مَن يقول إنها ترمز إلى أسماء الله - ثم قال:. . وادعى بعضهم أن " الباء " في قوله تعالى: (وامْسَحُواْ برُءُوسكُمْ)
أول كلمة " بعض " ثم حذف الباقى.
ومثل قراءة: " ونادوَا يا ماَلِ " بالترخيم.
ويبدو أن السيوطي يميل إلى رأى ابن الأثير في إنكاره ورود هذا النوع فى
القرآن على الرغم من أنه ذكر أمثلة أخرى منها حذف همزة " أنا " في قوله
تعالى: (لكِنا هُوَ اللهُ رَبِّى) - إذ جعل التقدير: لكن أنا هو الله ربي.
وكذلك أورد أربعة أمثلة أخرى لقراء مختلفين: " ويسمك السماء أن تقع
علرض ". و. . " وبما أنزليك " و " ومن تعجل في يومين فلثم عليه "
و" إنها لحدى الكبر ".
وقد راجعتُ كلام ابن الأثير في ذلك. فلم أجده قد صرَّح بعدم وجوده بل
اكتفي بتعليقه على بعض أمثلته من غير القرآن بقوله: " فهذا وأمثاله مما يقبح
ولا يحسن وإن كانت العرب قد استعملته فإنه لا يجوز لنا أن نستعمله ".
والمثال الذي علق عليه ابن الأثير هو قول الشاعر:
كَأن إبْرِيَقُهمْ ظبْي عَلى شَرَفٍ. . . مُفَدَّمِ بِسِبَا الكِتانِ مَلثُومُ
والتقدير: بسبائب الكتان.
والذي أذهب إليه أن ابن الأثير قد جانبه التوفيق في إنكاره.
ومن أقوى الأدلة عليه ما ذكره السيوطي نفسه من أمثلة تقدم ذكرها.
على أن في القرآن أمثلة أخرى لم يذكرها السيوطي.
وأكثر ما يكون ذلك فى أسماء المصادر مثل قوله تعالى: (وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) .
والأصل: إنباتاً.
ولعل السر في العدول عن الأصل أمران:
الأول: لفظي وهو التخلص من كسرين يؤديان إلى نوع ما من الثقل إذا قارنا بين الصورتين: الأصلية، والتي عليها التعبير. لأن " الضاد " من أرض
مكسورة كما أن " الهمزة " من المصدر - وهي أول حرف فيه - مكسورة.
الثاني: معنوي لأن المصدر " إنباتاً " يدل على مجرد الحَدَث. أما اسمه
" نباتاً " فيدل على صورة النبات بعد خلقه وترعرعه. فضلاً عن دلالته على
الحَدث. ولا شك أن ما دل على معنيين أولى مما دل على معنى واحد.
والمقام هنا يقتضي ذلك لأنه بيان لقُدرة الله سبحانه.
وقد جيء بالمصدرالأصلى في قوله تعالى: (ثُمَّ يُعِيدكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ
إخْرَاجاً) والمقام واحد.
فلماذا إذن خولف نسق الآية الثانية عن نسق الأولى؟
والجواب من وجهين:
أولاً: لأن ما أطلقنا عليه " ثقل لفظي " في الأولى لو جيء بالأصل.
زال هنا في هذه الآية لسكون ما قبل همزة المصدر المكسورة.
ثانياً: لأنه لو قال: " خروجاً " بدل (إخراجاً ". والخروج مصدر خرخ
اللازم لأشعر ذلك - ولو في الوهم - أن الناس مختارون لخروجهم من المقابر
خارجون بقدرتهم.
وهذا الفهم لا يستقيم مع المقام.
وإنما لم يراع هذا الوجه فى الأولى لأن النبات
لا تُتصور له إرادة محضة.
ومنه كذلك حذف الياء من قوله
تعالى حكاية عن الخضر عليه السلام: (ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) .
وقوله سبحانه: (والليْلِ إذا يَسْرِ) .
فقد جاء حذف الياء فى الموضعين واجتزئ عنهما بالكسرة وبهذا يتضع ضعف ما ذهب إليه ابن الأثير.
الثاني - الاكتفاء:
وهو ما يقتضي المقام فيه ذكر شيئين بينهما تلازم وارتباط فيكتفى بأحدهما
عن الآخر لنكتة ويختص غالباً بالارتباط العطفى كقوله تعالى:
(سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) . أي والبرد.
وفي تخصيص الحر بالذكر دون البرد قيلَ:
لأنَ الخطاب أصلاً كان للعرب وهم في بلاد حارة.
فذكر ما هو أهم وهذا أوجه ما قيل في توجيه الآية.
وقوله تعالى: (بيَدكَ الخَيْرُ) . أي والشر، وذكر الخير دون الشر
لرغبة الناس فيه. أو لأنَه أكثر وجوداً من الشر.
ذكر الرأيين السيوطي فى المعترك أيضاً.
ومن أمثلته أيضاً الآيات الآتية: (وَلهُ مَا سَكَنَ فِى الليْلِ وَالنهَارِ) .
(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصلَاةَ) .
والتقدير في الأولى: وما تحرك.
وخص السكون لأنه الأصل.
والتقدير فى الثانية: والشهادة، وخص الغيب بالذكر لأنه أدخل في باب المدح. ولاستلزامه الإيمان بالشهادة
وهناك أمثلة كثيرة لهذا النوع فلنكتف بما ذكرناه.
الثالث - الاحتباك:
وهو أن يحذف من الأول لدلالة الثاني عليه، ومن الثاني ما ثبت نظيره فى
الأول.
ويطلق عليه الزركشي: " الحذف المقابلي " فيقول: " هو أن يجتمع في الكلام
متقابلان. فيحذف من كل واحد منهما مقابله لدلالة الآخر عليه ".
ومبنى هذه التسمية من الحبك. وهو الشد والإحكام وتحسين أثر الصنعة فى
الثوب، فحبك الثوب شد ما بين خيوطه بحيث يمنع عنه الخلل وأصله من
قولهم: " بعير محبوك العرى: أي محكمها، والاحتباك شد الإزار.
فكأن هذا النوع من الحذف يُكسب الكلام قوة وزينة.
القوة من حيث استيفاء الأقسام، والزينة من حيث الحذف المتناظر.
ومن أمثلته في القرآن الكريم قوله تعالى:
(وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171) .
والتقدير: ومثل الأنبياء والكفار كمثل الذي ينعق. والذي ينعق به.
فحذف من الأول الأنبياء لدلالة الذي ينعق عليه.
ومن الثاني الذي ينعق به لدلالة الذين كفروا عليه.
ومن أمثلته قوله تعالى: (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) .
والتقدير: تدخل غير بيضاء. وأخرجها تخرج بيضاء.
فحذف من الأول: تدخل بيضاء ومن الثاني: وأخرجها.
ومنه قوله تعالى: (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) .
والتقدير: يعذب المنافقين فلا يتوب عليهم أو يتوب عليهم فلا يعذبهم، وهذا فن بديع فيه روعة وخلابة.
قال السيوطي: ومن لطيفه قوله تعالى: (فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ) . أي فئة مؤمنة تقاتل في سبيل الَله. وأخرَى كافرةَ
تقاتل في سبيل الطاغوت.
قال الكرماني: " وله في القرآن نظائر وهو أبلغ ما يكون من الكلام "
حكاه عنه السيوطي في المعترك.
وأنت ترى أن هذا الأسلوب شبيه بالميزان الدقيق الحساس. .
فما أحرى أن يسمى به.
الرابع - الاختزال:
وهو ما ليس واحد مما سبق. والمحذوف فيه إما اسم أو فعل أو حرف أو أكثر.
والأظهر أن يسمى " الحذف العام " لأنه لا يمكن التفرقة بينه وبين الأقسام
الثلاثة المتقدمة لا من حيث المحذوف. ولا من حيث كيفية الحذف.
فأمثلته - إذن - هي ما تقدم لأنه يشمل حذف المضاف والمضاف إليه. والصفة والموصوف والفعل وهكذا.
ومن أمثلته قوله تعالى: (الحَجُّ أشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) ، أي حج أشهر.
وقوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَليْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) أي نكاح أمهاتكم.
وقوله تعالى: (لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الحَيَاةِ وَضِعْفَ الممَاتِ) أي ضعف
عذاب.
وقوله تعالى: (للهِ الأمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ) أي من قبل الغلب
ومن بعده.