الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأولى بالباحث الحديث أن يكون من هذا السبب على حذر لأنه يحجر على
الفهم ولا يغنى عن البحث.
ثانياً: أنهم يعتبرون - كذلك - رعاية الفاصلة سبباً من أسباب الحذف وغيره
من مظاهر التعبير المخالفة للظاهر أو العُرف اللغوي.
وهي كثيرة جداً في القرآن الكريم.
وقد أحصى منها ابن الصائغ أكثر من أربعين موضعاً زعم أن الحذف فيها
وغير الحذف من أجل رعاية الفواصل أو مطابقة رءوس الآي.
ولكنه عاد فقال:
" إن هذه المواضع تحتمل وجوهاً أخرى غير مناسبة الفواصل.
وقد نقل عنه ذلك السيوطي وقال: إن لشمس الدين ابن الصائغ الحنفي كتاباً سماه " إحكام الرأي في أحكام الآي " ذكر فيه هذه الوجوه.
والأمثلة التي ذكرها ابن الصائغ فإن الظاهر فيها إنها ليست لرعاية الألفاظ
بل لدواع أخرى غيرها.
وقد ناقشنا بعضها فيما تقدم.
* *
*
ورعاية الفواصل وحدها لا تكفي:
والحق أن رعاية الفاصلة سبب أقوى من مجرد الاختصار.
وهو مع قوته ينبغي عدم التعويل عليه وحده في توجيه الظواهر الأسلوبية.
وهذا أمر أمكن التوصل إليه في يُسر.
فلننظر فيما ذكروه من أمثلته.
إنهم ذكروا قوله تعالى: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) .
وقالوا: إن المفعول حُذِفَ لرعاية الفواصل.
ويقول الزمخشري: " إنه اختصار لفظي مثل: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ) : أي والذاكراته، وسببه عند الزمخشري - أَى سبب
الاختصار اللفظي - ظهور المحذوف والأولى - فيما أرى - أن يكون السبب
فى الحذف - هنا - كراهة مواجهة الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه موضع قلى من الله.
ولو وقع ذلك في سياق النفي فإن الذوق البلاغي يقتضيه.
وقد أَشار إلى ذلك - فيما أذكر - الخطيب في الإيضاح ".
ولهذا نظير في القرآن الكريم من اللطف في الخطاب مع النبي عليه السلام
حتى في أشد مواضع العتاب كقوله تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) .
فلم يواجهه بالعبوس والتولي.
وقال: (عَفَا اللهُ عَنكَ لمَ أذنتَ لهُمْ) .
فقدم العفو على سبب العتاب. . . وغير ذلك كثير.
وإنما لم تكن رعاية الفصل بين الآيات سبباً وحده في الحذف وغيره.
لأنها مظنة السجع المتكلف. فلذلك ينبغي الحيطة في مثل هذه الأمور. وبلاغتنا العربية غنية بالاعتبارات المناسبة في توجيه الأسلوب في غير ما سرق أو قصور.
* * *
ثالثاً - حذف جملة فأكثر:
أما حذف جملة فأكثر. فإن القرآن قد حفل بكثير منه. وقد وضع العلماء
لهذا النوع ضوابط نوجزها فيما يلي:
أولاً: حذف السؤال المقدَّر ويسمى " الاستئناف " ويأتي على وجهين:
1 -
إعادة الأسماء والصفات.
وقد مثلوا له من غير القرآن الكريم بقولهم
أحسنت إلى زيد، زيد حقيق بالإحسان.
وقولهم: أحسنت إلى زيد، صديقك القديم حقيق بالإحسان.
وقد صرح ابن الأثير بأبلغيه الثاني. وهو ما كان المعاد فيه صفة لاشتماله
على موجب الإحسان.
ومثَّلوا له من القرآن بقوله تعالى: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) .
والاستئناف وارد قبل " أُولئك " كأن سائلاً ساًل: فما بال المتصفين بهذه
الصفات قد اختصوا بالهدى؟
فأجيب: إن الذين اتصفوا بهذه الصفات غير مستبعد أن يفوزوا - دون
الناس - بالهدى عاجلاً والفلاح آجلاً.
2 -
الاستئناف بغير إعادة الأسماء والصفات. ومثلوا له من القرآن بقوله
تعالى: (وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) .
وتقدير السؤال المحذوف: كيف حال هذا الرجل عند لقاء ربه؟
فقيل: (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) .
وإلى هنا يسكت ابن الأثير. . والظاهر أن في الآية استئنافاً آخر قبل قوله:
(قَالَ يَا ليْتَ قَوْمِى يَعْلمُونَ) .
وتقديره: فماذا قال حين قيل له ادخل الجنة؟
فأجيب: (قَالَ يَا ليْتَ قَوْمِى يَعْلمُونَ) .
ثانياً: الاكتفاء بالسبب عن المسبب، وبالمسبب عن السبب. ومثَّلوا للأول بقوله تعالى:(وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) .
فقد ذكر سبب الوحي. وهو تطاول العمر. ودلَّ به على المسبب الذي هو
الوحي. أما الثاني - وهو الاكتفاء بالمسبب عن السبب - فقد مثلوا له بقوله
تعالى: (فَإذا قَرَاتَ القُرآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرجيم) .
والتقدير: إذا أردت قراءة القرآن. فاكتفى بالمسبب. الذي هو القراءة عن
السبب الذي هو الإرادة.
وقوله تعالى: (فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا) .
والتقدير: فضرب فانفجرت.
ثالثاً: الإضمار - على شريطة التفسير وهو أن يحذف من صدر الكلام
ما يؤتى به في آخره. فيكون الآخر دليلا عليه وهو ثلاثة أنواع:
الأول: أن يأتي على طرلقة الاستفهام. فتُذكر الجملة الأولى دون الثانية
مثل: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)
والتقدير: أفمن شرح الله صدره للإسلام كمن أقسى قلبه.
ودليل الحذف قوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) .
الثاني: أن يأتي على حدى النفي والإثبات، ومثلوا له بقوله تعالى:
(لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا. .) .
والتقدير: لا يستوى منكم مَنْ أنفق من قبل الفتح وقاتَلَ.
ومَنْ أنفق من بعده وقاتَلَ.
ودليل الحذف: (أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا) .
الثالث: أن يأتي على غير هذين فلا يكون استفهاماً ولا على حدى النفى
والإثبات، ومثَّل له ابن الأثير بقول أبى تمام:
يَتجَنَّبُ الآثَامَ ثُمَّ يَخَافُهَا. . . فَكَأنمَا حَسَنَاتُهُ آثَامُ
قال: وفي صدر البيت إضمار مفسَّر في عجزه.
وتقديره: " أنه بتجنب الآثام فيكون قد أتى بحسنة.
ثم يخاف تلك الحسنة. فكأنما حسناته آثام ".
يرى ابن الأثير أن البيت طباق قوله تعالى:
(وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) .
لكن المفسرين فسَّروا هذه الآية على غير ما يراه ابن الأثير.
يقول الزمخشري فى معناها: " الذين يعطون ما أعطوا "
أي الذين يفعلون الخيرات وهم وجلون من ربهم أن لا يتقبل منهم.
ونقل حديثاً روته عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم يؤيد ما ذكره. وكذلك رأى الإمام النسفي في تفسيره قال: " الذين يعطون ما أعطواً من الزكاة والصدقات وهم خائفون ألا يُقبل منهم لتقصيرهم ".
وعلى هذا فإن ما يراه ابن الأثير من تطابق الآية والبيت غير دقيق.
وأظهر من البيت المذكور في التمثيل له قول الشاعر:
سُنَّة العُشَّاقِ واحِدَةٌ. . . فَإذا أحْبَبْتَ فَاسْتَكِنِ
لأن المعنى: سُنَّة العشاق واحدة هي الاستكانة. فإذا أحببتَ فاستكن.
أما مثاله من القرآن فأولى أن يكون قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50) .
فقد قال المفسرون: " وجعلنا ابن مريم آية، ثم حُذفَت الأولى لدلالة الثانية
عليها"
والحذف من الأول لدلالة الثاني عليه كثير في كلامهم.
رابعاً: ما ليس بسبب ولا مسبب ولا إضمار - على شريطة التفسير
ولا استئناف.
أى إن الحذف هنا ليس له ضابط معيَّن. فهو يشمل كل حذف بعد الأنواع
الثلاثة المذكورة وهو - بحق - كثير جداً في القرآن.
وأكثر ما يكون فى القصص ولا حد لمقدار ما يُحذف فيه.
ومن أمثلته في القرآن الكريم قوله تعالى يحكى طرفاً من قضة يوسف عليه
السلام في السجن: (وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ) .
فىَ هذا النص الحكيم حذف في أربعة مواضع. والمحذوف ليس حرفاً ولا كلمة مفردة بل كلام كثير. وتلك المواضع هي:
أولاً: عند ما طلب الذي نجا من الفتيين أن يرسلوه إلى يوسف.
وتقدير المحذوف فيه: إلى يوسف فاستجابوا له فأرسلوه فلما مثل أمامه قال له. . . . .
ثانياً: بعد أن نبأه يوسف بحقيقة الرؤيا، والتقدير: فرجع إليهم فقص لهم
ما قاله يوسف.
ثالثاً: بعد أن طلب الملك أن يأتوه بيوسف. والتقدير: فأرسلوا ليوسف
رسولاً ليأتي به إلى الملك فلما وصل إليه أعلمه بأمره قال. . . . .
رابعاً: حين عاد الرسول وأبلغ الملك رغبة يوسف، والتقدير: فلما رجع
الرسول إلى الملك وأبلغه رغبة يوسف أرسل الملك إلى النسوة اللاتي قطعن
أيديهن وسألهن قائلا. . . . .
والمحذوف في المواضع الأربعة ظاهر موضعه سهل تصوره. . إذ لا يستقيم
الكلام إلا بملاحظة المحذوف ودليل الحذف فيها أو قرينته أن هذه الأحداث
يحكمها أمران هما: الترتيب الزمني بينها. ثم التلازم الطبيعي.
أما الترتيب الزمني. . فأمره واضح. إذ تجرى أحداث هذه القصة على نسق
وقوعها: السابق سابق. واللاحق لاحق. فلم يتداخل حدثان في زمن واحد.
وأما التلازم الطبيعي. . فمن حديث أن هذه الأحداث ما طرى ذكره منها. . .
وما ذكِر ولم يُطو. . بينها صلات وثيقة فبعضها مقدمة طبيعية لبعض.
أو لازم له.
ففى الموضع الأول لا يُتصور سؤال الرسول ليوسف عليه السلام إلا بعد تصور استجابة طلبه والإذن له بالذهاب إلى يوسف ثم الوصول إليه ومثوله أمامه. .
هذه الفجوات متروكة بلا إشارة. لأنها واقعة بين طرفين هي واسطتهما. على طريقة قص المناظر (فى الأدب المسرحي والتمثيلي الحديث) .
وما دام الفكر يهتدى إليها في يُسر وسهولة. فإن ذكرها - والحالة هذه -
ليس بمستساغ.
ذلك سر الحذف.
يُضاف إليه أن أولى فنون التعبير بالإيجاز والحذف والإجمال هو القصص لأنه
يعالج كثيراً من الواقف ويسرد كثيراً من الأحداث.
فمن خصائصه أنه يحتاج إلى كثير من البيان حتى يكمل بناء القصة.
وتؤدى غرضها الجمالى والأخلاقى.
لذلك كانت القصة ميداناً للاختصار والحذف.
وفي حاجة ماسة إلى التركيز والإجمال.
وكذلك جاء القصص القرآني.
ومن حذف الجمل في القرآن الكريم أمور:
- حذف أداة الشرط وفعله:
ويكثر هذا بعد الطدب نحو: (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)، أي: إن اتبعتمونى.
ونحو: (قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ)، أي: أن تقل لهم.
وجعل منه الزمخشري قوله تعالى: (فَلن يُخْلفَ اللهُ عَهْدَهُ) ، أى
إن اتخذتم عند الله عهداً.
كما جعل منه أبو حيان قوله تعالى: (فَلمَ تَقْتُلُونَ أنبِيَاءَ اللهِ مِن
قَبْلُ) . أي: إن كنتم آمنتم بما أنزل الله إليكم فَلم تقتلون؟
ويجوز أن يجعل منه قوله تعالى:
(فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) ،
على قراءة مَن جزم الفَعل وجعل منَه السعد وابن الأَثير وقوله تعالى:
(يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56)
وجعلا الفاء في " فاعبدون " واقعة في جواب شرط محذوف تقديره:
إن أرضى واسعة فإن لم تخلصوا العبادة في أرض فاخلصوها في غيرها.
فحذف الشرط وعوض منه تقديم المفعول لإفادة الاختصاص.
- حذف جواب الشرط:
وهو كثير في القرآن الكريم. ومنه قوله تعالى: (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ) . أي فافعل. .
ومنه قوله تعالى: (وَإذَا قيلَ لهُمُ اتقُواْ مَا بَيْنَ أيْديكُمْ وَمَا خَلفَكُمْ
لعَلكُمْ تُرْحَمُونَ) ، أي: أعَرضوا
ومنه قوله تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ) .
أى: لرأيتَ أمراً عظيماً.
وقوله تعالى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20) .
أي: لعذبكم
ومنه الآيات الآتية: (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51) َ
(وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى)
فحذف جواب الشرط عام فيما كانت الأداة فيه جازمة أو غير جازمة.
كما فى الأداة " لو " في الموضعين المذكورين.
فإذا لم يتضح جواب " لو " وجب ذكره.
كما في قوله تعالى: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15) .
وكذلك حذف جواب " لما " في قوله تعالى:
(فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)