الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
حذف "لا" مع "تفتأ
":
ومن حذف الحرف في القرآن الكريم إسقاط " لا " في قوله تعالى:
(قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) .
والتقدير: لا تفتأ تذكر يوسف.
ويرى الزمخشري ومَن تابعه أن الحذف هنا حصل لأَمنِ اللبس.
والكلام مسوق للنفي إذ لو كان إثباتاً لوجب اللام والنون فيه.
فترك ذلك دليل على بقاء النفي وإن حذفت أداته.
وقال ابن المنير في حاشيته على الكشاف في الموضع المذكور: " وحذف " لا "
النافية للمضارع بعد القَسَم كثير لأمن اللبس ".
وقد استشهد الزمخشري بقول امرئ القيس:
فَقُلتُ يَمِينُ اللهِ أبْرَحُ قَاعداً. . . وَلوْ قَطعُواْ رَأسِى لدَيْكِ وَأوْصَالِى
هذا حاصل تخريجهم للمسألة.
ولكن ألا يرد عليهم هذا الاعتراض وهو: إن جواز الحذف - هنا - فى
الصناعة النحوية لا يمكن أن يكون تفسيراً بلاغياً لتوجيه المعنى.
وأياً كان أمر الحذف في الآية والبيت فإنه ليس مستوى الطرفين.
بل الإثبات أرجح منه لأنه الأصل.
فلا بدَّ - إذن - من تلمس وجه آخر غير الجواز النحوي يرجح من حيث
المعنى الحذف على الذكر.
* سر حذفه:
وهذا الوجه - كما أراه - أن حرف النفي في الآية الكريمة " لا " محذوف
لضيق المقام لأن الأزمات النفسية عند إخوة يوسف قد بلغت ذروتها في هذا
الموضع. ويكفي أن يستحضر الإنسان الآيات السابقة على هذه الآية للتأكد من صحة ما أراه. ويكون الجواز النحوي حينئذ ترشيحاً ومساندة لا نذكر:
(ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86) .
فقد تجمعت - هنا - آثار الجريمتين: فَقد يوسف. واحتجاز أخيه بنيامين.
وتفجرت في نفس يعقوب عليه السلام عواطف اليأس والرجاء.
وظهر ذلك على ملامحه وأعرض عن إخوة يوسف غير آبهٍ بما يقولون.
شاكاً في قولهم في مقام يفيدهم فيه التصديق. جائراً بالشكوى إلى الله يكاد الأسى يمزق قلبه وهو شيخ كبير افترسه شعور الحزن على ولِيدين محبوبين.
هذه الواقف المويئسة كان لها أثر بالغ على إخوة يوسف فضاقت عليهم
الأرض بما رحبت فكان حسناً من القرآن - وهو يُعبِّر عن تلك الحالات النفسية الدقيقة - أن يكون في التعبير نفسه ما يشير إلى تلك الحالات أبلغ وأوجز إشارة. . وكان التعبير كذلك.
أما ما ذكروه عن امرئ القيس. . فإن موسيقى الشعر. وما كان فيه الشاعر
من موقف يترقب فيه الخطر. فإن من الخير له أن يستبدل بالكلمات الهمسات وبالهمسات الإشارات خوفاً من أسماع وأعين الرقباء.
وهذه حالة شبيهة بتلك. ناسبها أن يخرج التعبير على الصورة التي جاء
عليها في الموضعين.