الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
قياس واضح يُلزمهم بالتصديق:
فى النصوص المتقدمة يهدف القرآن إلى إثبات صحة وقوع البعث ففند تلك
الشُّبهة الواهية التي بنى عليها المنكرون مذهبهم فيه. حيث استبعدوا وقوع
البعث بعد الموت وصيرورتهم تراباً وعِظاماً.
والحقيقة التي اعتمد عليها القرآن في هذا المجال حقيقة بدهية لا تحتاج إلى
جدل طويل، وقد ساق لهم القضية في أسلوب منطفى واضح لا يخرج عن
التسليم به إلا مكابر.
فالله خدق الكون كله على غير مثال سابق ومن غير مادة تقدمت في الوجود
عليه. . خلق مادته وشكل تلك المادة فيما نراه ونشاهده. . أرض وسماء. .
أفلاك وأنهار. . صحارى وجبال. . إنسان وحيوان.
وبدهى أن الذي خلق الحياة أولاً فإن الإعاده - وإن استوى عنده أمرها مع
أمر البداية - فهى أهون عليه.
وقياساً عليه فإن البعث أمر ممكن في نفسه. وإن كان من حيث الوعد به
واجباً شرعياً. جاء هذا القياس في أسلوب تشبيهى أدبي.
فالمشبَّه به هنا هو المقيس عليه من حيث أنه أمر واقع. . والمشبَّه هو المقيس
وهو أمر متوقع.
وما دام نظيره قد ثبت وقوعه علماً وعقلا. فإن ما قيس عليه أدخل فى
مجال الوقوع:
(كَمَا بَدَأكُمْ تَعُودُونَ) .
(كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) .
(مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ) .
وجه الشبه في هذه النصوص - وما أشبهها - هو الإمكان واليُسر والسهولة.
. . وقد كان تحدي القرآن لهم واضحاً في القصة الآتية:
(وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) .
فى هذا النص الكريم رد مفحم على دعواهم التي صدَّرها القرآن النص.
ثم أخذ في الرد عليها فلم يتركها شيئاً ذا قيمة.
قاس أمراً متوقَعاً على ما هو واقع فعلاً، ليستوى معه في إمكان الوقوع.
وبذلك تندحض شُبهتهم.
* *
ثانياً - قرب وقوع يوم القيامة:
وفي ذلك وردت النصوص الآتية:
قال سبحانه: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35) .
وقال: (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46) .
فى آية " الأحقاف " شبَّه مدة لبثهم قبل القيامة بكونها ساعة من نهار.
هكذا: ساعة من نهار. . لم تزد عليه. والساعة الملبوثة " نكرة " من يوم
" نكرة " كذلك، ولعل التنكير هنا مقصود به التقليل، ولتلك القِلة لم يحفظوا
لهما صورة في الذاكرة فصارتا عندهم وقتاً مبهماً. ووجه الشبه بين الطرفين:
قصر المدة.
وقد جاء قصر هذه المدة عن طريق المجاز الاستعاري في قوله تعالى:
(أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) .
حيث شبَّه مدة لبثهم فى القبور بالزيارة.
ويروى أن أعرابياً سمع هذه الآية فقال: لقد بُعِثَ الناس.
والتشبيه في آية الأحقاف ذو غرضين:
أحدهما: تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يستعجل لهم العذاب، لأنهم حين يرونه لم يشعروا إلا بقصر عيشهم الذي كانوا فيه.
وثانيهما: تهديد المنكرين بقرب ما يوعَدون.
وفي آية " النازعات " شُبهت المدة الملبوثة قبل القيامة بعشية يوم أو ضحاه،
وهذا تفسير للساعة في آية " الأحقاف "، وهي هنا جزء من اليوم لم تتعده،
وقد أضيف الضحى إلى ضمير " العشية " ولم يقل: أو ضحىً: ليكون
الجزءان من يوم واحد، ولو قطع " الضحى " عن هذه الإضافة لجاز وقوع
" العشية " في يوم والضحى في يوم آخر، وهذا يؤذن بتعدد أيام الدنيا فى
موقف يُراد فيه بيان القصر الواقع فيها فهو لا يخدم المعنى ولذلك عُدِلَ عنه.
وإضافة " الضحى " إلى ضمير " العشية " لمحة بيانية لتحقيق التشبيه.
وقد جاء عن غير طريق التشبيه: (قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114) .
* *
ثالثاً - طول يوم القيامة:
ويقابل قصر المدة السابقة على يوم القيامة. طول اليوم نفسه، أي طول يوم
القيامة، وفي هذا وردت النصوص الآتية:
قال سبحانه: (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) .
وقال سبحانه: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) .
وقال سبحانه: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) .
هذه ثلات آيات تصف يوماً يتبادر إلى الذهن وشاع عند الناس أنه يوم
القيامة، ولذلك آثرنا تسجيل هذه الآيات الثلاث هنا لندرسها من خلال آراء العلماء فيها وما يبدو للنظر من توجيه.
وأول ما يُلاحَظ على هذه الآيات أن اثنتين منها تصف اليوم في الطول بألف
سنة، والأخرى تصفه - في الطول أيضاً - بخمسين ألف سنة.
وهذا الاختلاف في الوصف يحمل على الاعتقاد بأن اليوم الوارد في الآيات
الثلاث ليس المراد به يوماً واحداً، بل يومان على الأقل.
لذلك اهتم العلماء بالبحث في هذا الإشكال.
ويتلخص رأى الخطيب الإسكافي في التمييز بين اليوم الموصوف بألف سنة
وهو الوارد في سورتى الحج والسجدة، ويين اليوم الموصوف بخمسين ألف سنة وهو الوارد في سورة المعارج.
فما وُصفَ في " المعارج " بأن طوله خمسون ألف سنة فهو يوم القيامة، أما
ما في آية " الحج " فإن المراد به عنده مضاعفة العذاب ومضاعفة النعيم،
يعني أن يوم العذاب ينال فيه العاصي من العذاب ما يناله في ألف سنة لشدة
الهول. . ويوم النعيم ينال فيه المنَعم خيراً كثيراً ينال مثله في ألف سنة من أيام
الدنيا.
أما ما في " السجدة " فإن المراد به وقت نزول وعروج الملائكة بأمر الله.
إذ يكون نزولهم وصعودهم في يوم واحد. وما بين السماء والأرض خمسمائة
سنة، فيكون مجموع الصعود والنزول ألف سنة.
وللخطيب الإسكافي رأيان آخران:
أحدهما: أن يكون اليومان في " الحج " و " السجدة " من أيام الله التى
خلق فيها السموات والأرض. ويوم " المعارج " هو يوم القيامة.
ثانيهما: أن يكون الحديث في المواضع الثلاثة عن يوم القيامة. والمعنى أنه
لا آخر له.
وفيه أوقات مختلفة طولاً وقصراً.
والعلامة أبو السعود المختار عنده أن اليومين اللذين في " الحج "
و" السجدة " يومان آخران غير يوم القيامة. فيوم " الحج " من أيام الدنيا.
والعذاب المستعجَل هو العذاب الذي نزل بهم في الدنيا وطال اليوم لشدته
عليهم. ويوم " السجدة " هو يوم صعود وهبوط الملائكة بتدبير الأمر.
وهو يوم القيامة، ولكن أبا السعود لم يرتح لهذا الرأي، ولم يقطع فى
اليوم الوارد في آية " المعارج " برأى واضح بل اكتفى بأن يراد به يوم القيامة
أو هو عبارة عن بُعد المعارج والعرش.