المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ملامح مشتركة بين الصور الثلاث: - خصائص التعبير القرآني وسماته البلاغية - جـ ٢

[عبد العظيم المطعني]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثالثمن روائع " المعاني " في القرآن الكريم* من أسرار الحذف.* من أسرار التقديم في القرآن.* التقديم غير الاصطلاحي

- ‌الفصل الأولمن أسرار الحذف

- ‌ شروط الحذف:

- ‌ لماذا حذف " يا " مع " رب

- ‌ حذف "لا" مع "تفتأ

- ‌ حذف الواو وذكره:

- ‌ توجيه النص مع الحذف وعدمه:

- ‌ رد ابن المنير على هذا الرأي:

- ‌ إضافة:

- ‌ موضع ثالث لحذف الواو:

- ‌ هل توجيه الزمخشري مقنع

- ‌ حذف حرف الجر " الباء

- ‌ توجيهي للمسَألةَ:

- ‌ صورة أخرى لحذف الحرف في القرآن:

- ‌ توجيهات العلماء للمسألة:

- ‌ سبب الحذف هنا:

- ‌ إيضاح:

- ‌ حذف الفعل اكتفاءً بآخر:

- ‌ الحذف للتحذير والإغراء:

- ‌ حذف الفعل إذا وقع جواب سؤال:

- ‌ سبب هذا الحذف:

- ‌ حذف الفاعل على غير قياس:

- ‌ مماثلة عجيبة

- ‌ سبب حذف الفاعل فيها:

- ‌ وما سر الحذف إذن

- ‌ أسباب أخرى لحذفهما:

- ‌ حذف الخبر مع " لا " النافية:

- ‌ مناقشة مثالين:

- ‌ وجه لحذف ياء المتكلم مع " رب

- ‌ حذف المفعول به:

- ‌ الأغراض البلاغية لحذف المفعول به:

- ‌ سبب قرآنى بحت:

- ‌ خلاف حول آية:

- ‌ نقد وتوجيه:

- ‌ كراهة نسبة الرسالة هي السبب:

- ‌ عزة المطلب هي السبب:

- ‌ مجرد الاختصار وحده لا يكفي:

- ‌ ورعاية الفواصل وحدها لا تكفي:

- ‌ أنواع الحذف:

- ‌ والخلاصة:

- ‌خصائص الحذف القرآني

- ‌ شهادة عدلين:

- ‌الفصل الثانيمن أسرار التقديم في القرآن الكريم

- ‌ معارضة:

- ‌ مبنى إفادة التقوي:

- ‌ مرجحات رأي:

- ‌ التقديم والتأخير في الفعل المنفي:

- ‌ مقارنة:

- ‌ موقف المتأخرين من هذا الرأي:

- ‌ ملاحظة:

- ‌ مناقشة الخطيب له:

- ‌ تقديم المفعول به:

- ‌ تقديم المفعول للإنكار:

- ‌ تعقيب:

- ‌ تعقيب:

- ‌ ملحظ مهم فات ابن الصائغ:

- ‌ سر هذا التقديم:

- ‌ مقارنة بين ثلاثة نصوص:

- ‌ ملحظ آخر فات ابن الصائغ:

- ‌ خطأ وقع فيه ابن الصائغ:

- ‌ عرض ونقد وتحليل:

- ‌ رأي صائب:

- ‌ السموات لم تُقدَّم على الأرض دائماً:

- ‌ تقديم ذو وجهين:

- ‌ مقارنة بين المنهجين:

- ‌ مراعاة النظم:

- ‌ مأخذنا على ابن الأثير:

- ‌ تقديم الظرف:

- ‌ تعقيب:

- ‌ أبرز ملامح منهج ابن الأثير:

- ‌ توجيه آخر:

- ‌ رأي لنا في المسألة:

- ‌ أبرز ملامح منهج المفسرين:

- ‌ اقتراح:

- ‌الفصل الثالثالتقديم غير الاصطلاحيأو اختلاف النظم في العبارات ذات المعنى الواحد

- ‌ نوع ثالث من التقديم:

- ‌ رأينا في الموضوع

- ‌ ما يهدى إليه النظر في هذا الموضع:

- ‌ ماذا قال المفسرون:

- ‌ سؤال وجواب:

- ‌ الموضع الرابع " التوحيد والخَلق

- ‌ توجيه ميسور:

- ‌ الموضع الخامس: " الذِينَ آمَنُواْ، وَالذِينَ هَادُواْ

- ‌ رأي الإسكافي:

- ‌ تخريجنا لهذه المواضع:

- ‌ بين المفسرين والإسكافي

- ‌ الموضع السادس " وَمَا أُهلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ

- ‌ مقامان مختلفان:

- ‌ الموضع السابع " القَوَامة والشهادة

- ‌ قيمة هذه النقول:

- ‌ دلالة النص نفسه:

- ‌ رأي الخطيب الإسكافي:

- ‌ الموضع الثامن " اطمئنان القلوب

- ‌ رأي الخطيب الإسكافي:

- ‌ الموضع التاسع " وكَفَى بِاللهِ شَهِيداً

- ‌ التفاوت في التحدي هو السر:

- ‌ الموضع العاشر " التلاوة وتعليم الكتاب

- ‌ نظرة فاحصة تكشف السر:

- ‌ فهم آخر:

- ‌ الموضع الحادى عشر " لَا يَقْدِرُونَ عَلى شَىْءٍ مِمَّا كَسَبُواْ

- ‌ بحث عن السر:

- ‌ الموضع الثاني عشر " الكِبَر والعُقْر

- ‌ ملاحظة أمرين:

- ‌ الموضع الثالث عشر " وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ

- ‌ رأي الخطيب الإسكافي:

- ‌ سؤال وجواب:

- ‌ الموضع الخامس عشر " رزق الآباء والأبناء

- ‌ الموضع السادس عشر " لقَدْ وَعِدنا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ

- ‌ رأيي في الموضوع:

- ‌ رأي الخطيب الإسكافي:

- ‌ الموضع السابع عشر " وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ يَسْعَى

- ‌ رأي السكاكي:

- ‌ الموضع الثامن عشر " الأكل الرغد

- ‌ الموضع التاسع عشر " الشفاعة والعدل

- ‌ توجيه الزركشي لهاتين الآيتين:

- ‌ جولة مع المفسرين:

- ‌ رأيي في المسألة:

- ‌ الموضع العشرون " اللعب واللهو

- ‌ مفهوم اللعب واللهو:

- ‌ اللعب في القرآن:

- ‌ التوجيه البلاغي للنص:

- ‌ لماذا قدَّم " اللهو على اللعب " إذن

- ‌ إجمال:

- ‌الباب الرابعمن سحر البيان في القرآن الكريم* التشبيه والتمثيل.* المجاز في القرآن الكريم.* المجاز القرآني

- ‌الفصل الأولالتشبيه والتمثيل

- ‌ مجموعات التشبيه والتمثيل في القرآن:

- ‌ صورة ثانية - حالهم مع كل ما يجب فهمه:

- ‌ صورة ثالثة - أكلهم كأكل الأنعام:

- ‌ صورة رابعة - الكافرون وسلب الإحساس:

- ‌ صورة خامسة - قسوة قلوبهم وتحجرها:

- ‌ صورة سادسة - الكافرون والظلمات:

- ‌ ومعنى آخر نلمحه:

- ‌ صورة سابعة - الكافرون والموت:

- ‌ إجمال:

- ‌ ضعف المعتقد:

- ‌ ومثلان آخران - رجلان لا يستويان:

- ‌ وصورة أخرى - الذباب هو المنتصر:

- ‌ بَلهٌ مضحك:

- ‌ هلع قاتل:

- ‌ وضعف بالغ:

- ‌ صورة أولى - صفوان ووابل:

- ‌ وصورة أخرى - ريح ورماد:

- ‌ وصورة أخرى - ريح وصِرٌّ:

- ‌ وصورة أخرى - سراب وظلمات:

- ‌ وصورة أخرى - هباء منثور:

- ‌ صوة أولى - ترهقهم ذلِة:

- ‌ وتصعَّد منهك:

- ‌ وصورة رابعة - صيحات وصواعق:

- ‌ مآل الكافرين:

- ‌ وقفة جامعة:

- ‌ وصف الحور والوِلْدَان:

- ‌ ملامح مشتركة بين الصور الثلاث:

- ‌ قياس واضح يُلزمهم بالتصديق:

- ‌ والخلاصة:

- ‌ أهوال القيامة:

- ‌معان دقيقة

- ‌ وقفة تأمل:

- ‌ التشبيه المقلوب:

- ‌ فكرة للدرس:

- ‌ البيع، والرِّبَا:

- ‌ خصائص تشبيهات القرآن:

- ‌ صورتان فيهما دقة:

- ‌ سر آسر:

- ‌ وهم مدفوع:

- ‌ وجه الشبه في تشبيهات القرآن:

- ‌ ووهم آخر مدفوع:

- ‌ مدخول الأداة في التشبيه المركب:

- ‌ عود للتشبيه المسلوب:

- ‌ نوع فريد من التشبيه في القرآن:

- ‌ التشبيه والتمثيل أصيلان في أسلوب القرآن:

- ‌الفصل الثاني1 -المجاز في القرآن الكريم

- ‌ عرض سريع:

- ‌ لماذا يستخدم القرآن المصدر المؤول

- ‌ مقارنة سريعة:

- ‌ صمت. وكلام:

- ‌ طبع " و " ختم " أختان:

- ‌ وصف جامع:

- ‌ تفرقة عجيبة:

- ‌ منهج القرآن في " طبع " و " ختم

- ‌ ربط " تنافى " ختم " و " طبع

- ‌ الخداع في جانب الله:

- ‌ ولكن ما خداع الله لهم

- ‌ توجيه جديد للآية:

- ‌ النفاق ". . كلمة مدنية:

- ‌ دور المرض في المجاز:

- ‌ المرض. . حقيقة ومجازاً:

- ‌ موازنة ضرورية:

- ‌ مقتضى الظاهر ومخالفته:

- ‌ المعاني التي أفادتها " مَدَّ " في القرآن:

- ‌ العَمَه. . العمى:

- ‌ طريق المجاز فيهما:

- ‌ محاولة لتوجيه المعنى في الموضعين:

- ‌ الاشتراء والضلالة:

- ‌ استعمالات " شَرَى " وقانونها:

- ‌ المجاز اللغوي في " شَرَى

- ‌ التجارة والربح:

- ‌ المجاز في " التجارة " عقلي:

- ‌ الكافرون واستيقاد النار:

- ‌ بين التشبيه والاستعارة:

- ‌ الكافرون. . والصيِّب:

- ‌ عبارة تنبئ عن إحساس نفسي:

- ‌ إحاطة علم الله:

- ‌ صياغة القرآن لمادة " أحاط

- ‌ المعاني الواردة فيها:

- ‌ الكافرون والبرق:

- ‌ منهج القرآن في مادة " خطف

- ‌ ذهب وخطف:

- ‌الفصل الثالث2 -المجاز القرآني

- ‌ موضوع هذه الآيات:

- ‌ مجاز على وجوه ثلاثة:

- ‌ بنو إسرائيل والرجفة:

- ‌ الحقيقة والمجاز في مادة " أخذ

- ‌ صيغ مادة " أخذ

- ‌ نتائج مهمة:

- ‌ الإسناد المجازي لمادة " رجف

- ‌ الدعاء:

- ‌ مادة " كتب " في القرآن:

- ‌ ملاحظات مهمة:

- ‌ التوبة والرجوع الحسي:

- ‌ التعميم والتخصيص في الرحمة:

- ‌ واسع ". . وصفاً لله سبحانه:

- ‌ مسوغات الوصف:

- ‌ وصورتان أخريان:

- ‌ الوسع وصفاً للأرض:

- ‌ موضع آخر بين الحقيقة والمجاز:

- ‌ حصيلة هذه الجولة:

- ‌ مادة " تبع في القرآن

- ‌ وقفة مع هذه المادة:

- ‌ ملاحظات مهمة:

- ‌ الرسول في التوراة والإنجيل:

- ‌ الطيبات والخبائث:

- ‌ حل " في القرآن:

- ‌ ملحظ عجيب:

- ‌ والسر:

- ‌ طاب " في القرآن:

- ‌ منهج القرآن في " طاب

- ‌ المعاني المرادة من " خبث

- ‌ الإصر والأغلال

- ‌ وضع " بين الحقيقة والمجاز:

- ‌ استنتاجات:

- ‌ معاني " غل

- ‌ ثلاث كنايات:

- ‌ النور " في القرآن:

- ‌ سؤال وجواب:

- ‌ النور للهدى والإيمان:

- ‌ السر البلاغي لهذا المنهج:

- ‌ محاولات يائسة:

- ‌ لماذا أفرد القرآن " النور " وجمع " الظلمات

- ‌ خصائص المجاز القرآني:

- ‌ سكوت الغضب ووضع الحرب:

- ‌ عض الأنامل وعض الأيدي:

- ‌ منهج فريد:

- ‌ وضوح المناسبة:

- ‌ الذوق في القرآن:

- ‌ الذوق لغة وبياناً:

- ‌ مقام المخالفات:

- ‌الباب الخامسالبديع. . في القرآن الكريم* المحسِّنات المعنوية.* المحسِّنات اللفظية.* قيمة البديع القرآني

- ‌الفصل الأولالمحسِّنات المعنوية

- ‌ سبب الخلط:

- ‌ الطباق والتشبيه المسلوب:

- ‌ نتائج مهمة:

- ‌ شروط الطباق:

- ‌ أصالة المشاكلة في القرآن:

- ‌ تعقيب:

- ‌ رأي لابن الأثير:

- ‌ قياس المذهب الكلامى:

- ‌الفصل الثانيالمحسِّنات اللفظية

- ‌ الجناس:

- ‌ من صور الجُناس في القرآن:

- ‌ الجُناس يجامع فنوناً أخرى:

- ‌ وظيفة الجناس:

- ‌ مقومات الجمال في الجناس:

- ‌ منزلة جُناس القرآن:

- ‌ ائتلاف اللفظ مع المعنى سمة للقرآن كله:

- ‌ المس والذوق:

- ‌ ذل اليهود ومسكنتهم:

- ‌ غرابة اللفظ لغرابة المعنى:

- ‌ نقد وتحليل:

- ‌ ابن أبى الإصبع يناقض نفسه:

- ‌ والسؤال الآن:

- ‌ معان آخرى للتمثيل:

- ‌الفصل الثالثقيمة البديع القرآني

- ‌ المعنى الإجمالى لهاتين الآيتين:

- ‌ صور البديع فيما تقدم:

- ‌ نتائج مهمة:

- ‌ كثرة وجوده:

- ‌ المبالغة:

- ‌ صحة التقسيم:

- ‌ الإيجاز:

- ‌ نصوص معيبة:

- ‌ بين القرآن والناس:

- ‌ ملاحظتان مهمتان:

- ‌قائمة المصادر والمراجعللجزء الثاني

الفصل: ‌ ملامح مشتركة بين الصور الثلاث:

*‌

‌ ملامح مشتركة بين الصور الثلاث:

هذه الصور الثلاث اشتركت في معنى عام لم تخل منه واحدة منها وهو تشبيه

الدنيا بماء أنزله الله من السماء. فأحيا الأرض بعد موتها. وأنبتت واخضرت

واكتملت صورة الأرض بالأشجار والزروع المختلفة الطعوم والألوان والحجوم فدبت على ظهرها الحياة مرحة نشيطة.

وحالف الحظ أقواماً فملكوا من حطامها وعروضها الكثير.

وسخروها لخدمتهم وتوصَّلوا إلى بعض من أسرارها

وقد بدت في أعينهم عروساً فاتنة. وظنوا أنهم قادرون على إخضاعها

لأغراضهم فركنوا إليها واثقين، وبينما هم كذلك جاءها أمر الله فدمرها تدميرا"

وأصبحت أثراً بعد عين كأن لم يكن لها وجود سابق.

والصور في المواضع الثلاثة من الصور المركبة شُبِّهت فيها الحياة الدنيا فى

زهوها وسرعة فنائها بصورة الزرع في نموه وازدهاره.

وصيرورته هشيماً جافاً وأعواداً متهشمة متكسرة لا يتعلق بها أمل.

ولا تغنى عن شيء؟

فجدير ألا يطمئن إليها عاقل ولا يغتر بها إنسان.

أو الوجه - كما يقول الزمخشري -:

" سرعة تقضيها وانقراض نعيمها بعد الإقبال ".

وقد برزت في ثنايا التشبيهات الرئيسية صور بيانية تدور حول التشبيه

والمجاز والقصر.

ففى آية " يونس " وردت التعبيرات الآتية:

(حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ) . .

وهذا مجاز طريقه الاستعارة التمثيلية.

ص: 248

قال صاحب الكشاف: " جعلت الأرض آخذة زخرفها على التمثيل بالعروس إذا أخذت الثياب الفاخرة من كل لون فاكتستها.

وتزيَّنت بغيرها من ألوان الزين ".

ووردت عبارة: (أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) فـ " أتاها أمرنا " مجاز حكمي علاقته المفعولية والتقدير:

آتيناها أمرنا، وفي الإسناد إلى الأمر من المبالغة والفخامة ما فيه.

و" جعلناها حصيداً " تشبيه مؤكد محذوف الأداة أي كحصيد.

و" حصيد " بمعنى مفعول ووضع " فعيل " مكان " مفعول "

لا يشعر به من المبالغة في المعنى.

و" كأن لم تغن بالأمس ". تشبيه مرسل لذكر الأداة فحواه تنزيل وجود

الدنيا حيث كانت بمنزلة العدم لسرعة فنائها وذهاب أثرها.

كما اشتملت الفاصلة على تشبيه: (كَذَلِكَ نُفَصلُ الآيَاتِ) . .

أى مثل هذا التفصيل الواضح تفسيرنا لكل الآيات.

وآية " الكهف " اختصرت المسافة من أقصر طريق.

وقد وصفت الهشيم الذي شُبِّهت به الدنيا بأنه " تذروه الرياح "

لدقة أجزائه وجفافه.

وحقَّرت آية " الحديد " الدنيا ووصفتها عن طريق التشبيه المؤكد بأنها:

" لعب ولهو " وهما لا يجديان على صاحبهما غير الألم والحسرة.

ثم قصرت: " آثر الحياة الدنيا " عند الراكنين إليها بأنه " متاع الغرور "

قصر موصوف على صفة وطريقه النفي والإثبات.

وترى التئاماً ساحراً بين مطلع الآية وفاصلتها.

* *

2 -

وصف الأعمال المخالفة للتوجيه الإلهى:

من ذلك وصف الغيبة في قوله تعالى: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) .

ص: 249

فقد شبَّه المغتاب بمن يأكل لحم أخيه ميتاً. وهذه صورة تعافها النفوس. .

وتنفر عنها الطباع.

قال الزمخشري: " تمثيل وتصوير لما يناله المغتاب من المغتاب على أفظع

وجه وأفحشه. وفيه مبالغات شتى: منها الاستفهام الذي معناه التقرير،

ومنها جعل ما هو في الغاية من الكراهة موصولاً بالمحبة.

ومنها إسناد الفعل إلى " أحدكم " والإشعار بأن أحداً من الأحدين لا يحب ذلك.

ومنها لأنه لم يقتصر على تمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان حتى جعل الإنسان أخاً.

ومنها أنه لم يقتصر على أكل لحم الأخ حتى جعله ميتاً ".

وهذه اعتبارات دقيقة لحظها الزمخشري تُسجَّل له.

ولكن جعله الاستفهام للتقرير لا يرتاح إليه الفكر.

والأولى حمل الاستفهام على الإنكار كقوله تعالى:

(أكَفرْتُم بَعْدَ إيمَانكُمْ) . . وذلك لأن الاستفهام التقريرى يكون مدخوله

مثبتاً كقوله تعالى: َ (ألمْ نَشْرَحْ لكَ صَدْرَكَ) .

ومدخول الاستفهام في آية الغيبة منفى: فكيف للزمخشري أن يجعل

الاستفهام معه للتقرير؟

ومنها أيضاً قوله تعالى محذراً من نقض الأيمان والعهود:

(وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا) .

خاطب الله العرب بما هو مألوف لهم. من ذلك الصورة المشبَّه بها في الآية

الكريمة، و " نقض الغزل " يؤدى إلى إفساده حيث يُراد الانتفاع به، ولا يحب أحد أن يبطل عملاً بدأه أو أكمله خاصة إن كان هذا العمل موضع أمل.

ص: 250

والتي تنقض غزلها خرقاء لا عقل لها ولا رشاد. . هي كمن يحرث في البحر

يكد ويتعب فيما لا يعود عليه بنفع.

والنقض في جميع استعمالاته يدور حول الإفساد والإبطال.

قال الراغب: " النقض انتشار العقد من البناء. والحبل والعقد وهو ضد

الإبرام. ومن نقض الحبل والعقد استعير نقض العهد. . ".

لذلك وقع التحذير بهذه الصورة لتكون أوقع في النفس. وأحرى بالالتزام.

ومنه التحذير من الإنفاق على غير الصفات المطلوبة.

قال سبحانه: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266) .

جاءت هذه الآية بعد ثناء على المنفقين في سبيل الله، ولا ينفقون إلا عن

إيمان به ورضا نفس وحب فيه، فكان فيها ترغيب لهم فيما استحقوا

عليه الثناء.

أما هذه الآية فجاءت مُحذرة من مخالفة الأصول الشرعية في الإنفاق.

قال الزمخشري: " وهذا مثل للذى يعمل الأعمال الحسنة لا يبتغى بها وجه

الله. فإذا كان يوم القيامة وجدها محبَطة فيتحسر حسرة مَن كانت له جنة من

أبهى الجنان وأجمعها للثمار فبلغه الكبَر. وله ذُرية ضعفاء - والجنة معاشهم -

فهلكت بالصاعقة ".

وإذا كانت هذه الآية مسوقة لتنفير الناس من الإنفاق على غير وجه الشرع

فقد حفلت الصورة الأدبية فيها بعبارات أدت المعنى على وجه حكيم.

ص: 251

فالرجل صاحب الجنة المذكورة التي فيها النخيل والأعناب. والأنهار تجرى

من تحتها وله فيها من كل ثمر نصيب، ذلك الرجل قد حلت به الشيخوخة

فأضعفته فهو غير قادر على الكسب مما سواها. وله أولاد ضعاف في حاجة

إلى ثمارها. أصابها إعصار مدمر فيه نار فاحترقت في غمضة عين.

فلو كان هو شاباً لهان الخَطب. ولو كان أولاده أقوياء لهان الخَطب. ولكن

كيف وهو وأولاده بتلك الصفة.

ومما يزيد من الحسرة: أن الواقعة كانت مفاجئة فلم تكن هناك فرصة

للاحتياط، والاحتراق أعقب الإصابة فلم تكن هناك فرصة للإنقاذ.

(فَأصَابَهَا إعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ) وهل تنكير الإعصار والنار إلا

لإرادة التهويل من شأنها.

ومثل هذه الآية التحذير من أكل الربا في قوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) .

فصورة الإنسان الذي يتخبطه الشيطان من المس صورة بغيضة إلى النفس.

فمَنْ أراد أن يكون كذلك لا يتورع أن يأكل الربا!

وهل يرضى عاقل هذا المصير لنفسه؟

ومنه التحذير من أذى الأبرياء كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) .

* *

ص: 252

3 -

التخويف من أهوال الحشر:

للتشبيه في القرآن الكريم دور هام في الحديث عن يوم القيامة، وحديث

القرآن عن يوم القيامة على أنواع:

أولاً - إمكان وقوعه:

أى أنه ليس كما يقول المنكرون أنه مستحيل الوقوع، وفي هذا الجانب

وردت النصوص الآتية:

قال سبحانه: (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) .

وقال: (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104) .

وقال: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19) .

وقال: (مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28) .

وَقال: (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9) .

وقال: (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) .

ص: 253