الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ففى " يُغَاثوا " استعارة تهكمية مثل: (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) ، وهذا
أنسب للمعنى من جعله من باب المشاكلة اللفظية.
* وصورة ثانية:
علمنا أن " الزقُوم " هي طعام الأثيم. فكيف صورها القرآن إذن؟
(طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) .
يا للهول. . حتى شكل الطعام مخيف. ومذاقه علقم. فيالسوء المنقلب،
وإذا كان هذا طعامهم. شربوا عليه " شرب الهيم " والهيم: الإبل تصاب بداء تشرب منه فلا تروى. فشبهوا بها أحط تشبيه.
قال ذو الرمة:
فَأصْبَحَتُ كَالهَيْمَاءِ لَا الماءُ مُبْرِدُ. . . صَداهَا وَلَا يقضي عَليْهَا هُيَامُهَا
أى: أصبح كالإبل المريضة تشرب فلا تروى. وتتعذب فلا تموت وتستريح
. . وبدهى أننا لم نتناول هذه الجوانب الأربعة. إلا ما جاء منها في أسلوب
التشبيه والتمثيل. وإلا ففى القرآن الكريم كثير من المواضع أفاضت فى
الحديث عنها. ولم تدخل في اعتبارنا بحسب المنهج الذي اتبعناه.
* * *
*
وقفة جامعة:
وفيما قدمناه من نماذج رسم القرآن عن طريق التشبيه والتمثيل صورة واضحة لهذا الفريق من الناس. صورة كاملة الملامح واضحة العبارة آسرة البيان.
ونماذج كل مجموعة من المجموعات الأربع السابقة يقوى بعضها بعضاً فى
دقة وإحكام، وتكاد ملامح نماذج المجموعة الواحدة منها. تتشابه منها وتتأصر حتى إنك لتستطيع أن تصوغ عنها صورة واحدة لها خصائص ومميزات.
خذ - مثلاً - ظاهرة بطلان أعمالهم. حتى النهاية واحدة في كل نموذج من
نماذجها وهذا مظهر من مظاهر الإعجاز البياني لا ينكره منصف.
وفي كل الصور التي ذكرناها يخاطب القرآن كل القُوَى المدركة في الإنسان.
العقل بما له من سلطان. والعواطف بما لها من تأثرات. والحواس على اختلاف ما بينها من طبائع. . . والنفس والوجدان.
ولهذا كانت تشبيهات القرآن وتمثيله صوراً حيَّة لا تتأثر بتقادم دهر ولا يسمو فوقها بيان.
ولنعرض - بعد - لتشبيهات القرآن وتمثيله في شأن المؤمنين حسب الخطة.
* * *
ثانياً: في شأن المؤمنين
في مجالات الترغيب وردت الصور الآتية:
1 -
مضاعفة الأعمال:
(مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) .
الغرض من التمثيل ترغيب المؤمنين في الإنفاق في سبيل الله.
وهذا عمل محمود.
لذلك نرى المثل يضع أمام المنفقين في سبيل الله كل وسائل الترغيب والإغراء
المحمود.
فوحدة المال المنفَق - درهماً أو ديناراً - كحبة وُضعتَ في الأرض. . ثم
أنبتت سبع سنابل. السنبلة الواحدة تحمل مائة حبة. فيَكون مجموع ما ينتج
عن الحبة الواحدة سبعمائة حبة. وهذا حد أدنى يحصل عليه المنفقون.
* *
2 -
مقاييس البر:
وأعمال البر لها مقاييس تزكو بها. كشدة الحاجة عند المنفق لما بذل من مال. .
قال تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) .
وقال: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) . . أي لن تنالوا
كمال البر.
وقال: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ) - في رأى مَن يقول على
حُبِّ الطعام.
أو شدة الحاجة عند المنفق إليه. فإن حاجات المحتاجين تتفاوت.
قال تعالى: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) .
وكالإخلاص في الإنفاق. . هذه الاعتبارات تضاعف الجزاء أضعافاً كثيرة.
ولذلك ترقى المثل في درجات الجزاء فقال: (وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) . .
فباب الزيادة في الجزاء مفتوح. ولن يقف عند حد السبعمائة المذكورة.
قال الزمخشري: " هذا التمثيل تصوير للأضعاف كأنها ماثلة بين عيني
الناظر. ولا يقدح فيه أن الممثَّل به غير موجود في الواقع.
لأن التمثيل على سبيل الفرض والتقدير ".
* *
3 -
وصورة أخرى " مثل للتكثير ":
(وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) .
" الجنة ": البستان. و " الرَّبوة ": المكان المرتفع.
و" الوابل ": المطر العظيم. و " الطل ": المطر القليل.
وخصها بالذكر - أي خصن هذه الجنة التي هذه صفتها - لأن الشجر فيها
أزكى وأحسن ثمراً وقليل الماء يكفي لإروائها ككثرته لكرم منبتها وخصوبة
تربتها.
وهذا تمثيل لمضاعفة الأجر سواء أكانت الأموال النفَقة كثيرة كالوابل.
أو قليلة كالطل. .
قال الزمخشري: " مثل حالهم عند الله بالحنَّة على الربوة. ونفقتهم الكثيرة
والقليلة بالوابل والطل وكلتاهما زاكية عند الله. زائدة في زلفاهم وحسن حالهم عنده".
* *
4 -
الترغيب في الجهاد:
المثلان السابقان يهدفان إلى الترغيب في الإنفاق في سبيل الله.
وهناك مثل آخر يُرغب في الجهاد: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4) .
فقد شبَّه المقاتلين في سبيله في تماسكهم وقوة إيمانهم وصلابتهم للعدو
وتصديهم له بالبنيان الذي رُصَّ بعضه إلى بعض ورُصِف.
وقد وصف المشبَّه به " بنيان " بقوله تعالى: (مَرْصُوصٌ) أي قائم.
ولولا هذا الوصف لما جاء التشبيه بهذه المنزلة من الدقة والقوة.
لأن البنيان قد يكون إذا لم يوصف بوصف يفيد الاحتراس " آيلاً للسقوط " أو ساقطاً، فجاء الوصف في الآية الكريمة مانعاً لإرادة شيء من هذا.
مفيداً لقوة البنيان. وشدة تماسكه.
قال الراغب: (كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) أي: محكم كأنما بنى بالرصاص ".
* *
5 -
الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة:
وقال تعالى مُرغباً في الكلمة الطيبة ومُحذراً من الخبيثة: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) .
ههنا شجرتان. . إحداهما ضُرِبت مثلاً للكلمة الطيبة - أئ كلمة طيبة
وهذه الشجرة قد تهيأت لها أسباب النمو والرواء فالتربة خصبة والسقى منتظم، لذلك ضربت جذورها في أرضها الطاهرة فنمت أصولها وطالت فروعها حتى كادت تلامس السماء. ودام ثمرها فهى تؤتيه - بإذن ربها - كل حين.
والثانية أبيدت بمجرد ظهورها فوق الأرض فلم تنم ولم تضرب جذورها فى
الأرض. . وشتَّان بين هاتين الشجرتين.
والأولى حمل الكلمة الطيبة على جنس الكلام الطيب.
والكلمة الخبيثة على جنس الكلام الخبيث لا أن تخص الأولى بكلمة التوحيد. والثانية بكلمة الكفر.
ولا مانع أن تكون كلمة التوحيد أصلاً في الكلمة الطيبة.
وكلمة الكفر أصلاً فى كل كلام خبيث.
والتشبيه في الصورتين تشبيه مفرد - وهو " الكلمة الطيبة " في الأولى،
و" الكلمة الخبيثة " في الثانية - بمركب. وهذا ظاهر.
ووجه الشبه في الأولى ما يترتب على كُل من الآثار النافعة. والمنافع الجمَّة.
أما في الثانية فالوجه عدم ترتب آثار نافعة في كُلا، وإن كان أثر الكلمة
الخبيثة هو إدخال قائلها النار.
ويتصل بمبدأ الترغيب أمور هي:
1 -
المدح والثناء.
2 -
وصف النساء والحور والولدان.
3 -
وصف الجنة.
ونورد أمثلة ذلك من التشبيه والتمثيل القرآني على نفس الترتيب المذكور.
1 -
المدح والثناء:
ويأتي في مقدمة هذا الجانب مدح القرآن للرسول وأصحابه.
قال سبحانه:
(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29) .
إنها لصورة غنية عن كل شرح، ومثل واضح لا يحتاج إلى بيان، فالزرع
يخرج غضاً طريا، وهكذا كان الإسلام متمثلاً في محمد عليه السلام، ثم
يخرج شطأه فيقويه ويناصره حتى يستغلظ ويقوى ويستوى قائماً على سوقه،
وزرع هذه صفته من شأنه أن يُعجب الزرَّاع ويأخذهم بروائه.
فمحمد عليه السلام أو الإسلام متمثلاً فيه - شبيه بالزرع، والزرع تحيا به النفوس، ويبهج النظر بخضرته وبهائه.
وفي هذا التشبيه كثير من اللطائف والأسرار، منها ما تقدم، ومنها كذلك
أن الإسلام كان سريع الانتشار والاستقرار، يدل على ذلك العطف بالفاء فى
قوله: (أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى) .
ومنها أن الإسلام كان يتم كماله في صورة دقيقة وحكمة وتدبير حيث شُبِّهت أطوار نموه بأطوار نمو الزرع، وهي مراحل طبيعية لا ارتجال فيها ولا مخالفة لسُنَن النشوء والارتقاء.
ثم كان هذا الزرع لقوته وحُسن روائه باعثاً على حالتين: إعجاب الزُرَّاع به، ثم غيظه الكافرين.
" إنه زرع من نوع خاص ينمو ولا يذبل. . يقوى ولا يضعف. . وهكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه ".
ووجه الشبه شيء يبدو صغيراً ثم ينمو ويقوى ويكتمل فيعجب الأحباء.
ويغيظ الأعداء.
ومن ذلك: (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) .
فى هذه الآية مدح وثناء للفقراء الزاهدين فيما في أيدى الناس. وهم لشدة
زهدهم وتظاهرهم بالغنى أشبهوا الأغنياء عند الجاهل بحالهم.
ولأن الغنى نوعان: غنى عن المال بالمال. وغنى عن المال بالقناعة والتعفف. والثاني فضيلة من فضائل النفس يستحق أصحابها المدح والثناء. . ولهذا مدحهم القرآن.
* * *
2 -
وصف النساء والحور والوِلْدَان:
وصف القرآن النساء لغاية دينية إذ بها يحفظ الرجل نفسه ودينه من الوقوع
فى المحظور. والقرآن في وصفه للمرأة لم يصف جمالها الحسي. وإنما وصف
جمالها النفسي المعنوي. وبذلك يفارق وصف المرأة في القرآن ما دأب عليه
الشعر الجاهلي من الأوصاف الحِسية. والالتذاذ المادي الوضيع.
وعليه جاء قول الشاعر:
إذا مَا الضَجِيعُ ثَنَى جِيْدَهَا. . . تَثنَتْ عَليْهِ فَكَانَتْ لبَاسَا
فقد شبههن - القرآن - باللباس مرة فقال:
(هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) .
واللباس فيه معنى الحفظ والوقاية من الأخطار، وفيه معنى التجمل والزينة
فى أعين الناس، وفيه معنى حفظ العورات وما لا يحب أحد أن يطلع عليه
الناس.
والفرق بين التعبير القرآني وبين قول الشاعر أن المراد باللباس في القرآن
معناه المجازي بكل ما يحمل اللفظ. أما في قول الشاعر فإن اللباس مراد به
معنى حسي مكشوف.
لهذه المعاني شبَّه القرآن النساء باللباس للرجال، ثم شبَّه الرجال باللباس لهن.
لأن كُلاُّ منهما يحفظ الآخر ويحميه ويزينه.