الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالهوى والشهوات صنوان، ومَنْ يتبعهما واقع في أسرهما.
يصرفانه كيف يشاءان. لذلك فإن حمل المجاز في هذه المواضع على المفرد بنوعيه - التصريحية والمكنية - أو التمثيلي منه رأي سديد.
*
ملاحظات مهمة:
وهنا ملاحظات هامة تبدو أمام النظر:
أولاً: أن الاستعمال المجازي يغلب على هذه المادة حتى لا تكاد تجد من
بينها ما استعملت فيه في معناها الوضعي إلا نادراً.
وأن المجاز فيها يتردد بين المفرد والمركب.
ثانياً: إذا كان متعلق المادة أمراً محموداً استعملت حينئذ في مقام المدح
إخباراً عن المؤمنين. أو خطاباً لهم.
أو في سياق الحديث عما ينبغي أن يكون.
وفي هذا المقام لا تجيء إلا مثبتة.
أما في سياق الحديث عن العصاة والكافرين. فإنها لا تجيء إلا منفية
ما دام متعلقها أمراً محموداً. تحقيقاً لذمهم لما هم عليه من ضلال وكفر.
ثالثاً: إذا كان متعلقها أمراً مذموماً. فإن كان سياق الحديث عن المؤمنين
فإنها تجيء منفية. حفاظاً على صفة الكرامة والنزاهة لهم.
وإن كان في سياق الحديث عن العصاة والكافرين. فبقاؤها على الإثبات أمر مطرد. تحقيقاً لصفة الذم والتحقير.
رابعاً: وإذا كانت مخاطبة بين الكافرين فيما بينهم بعضهم لبعض.
أو فيما بينهم وبين المؤمنين. فالحال مختلف تبعاً لاختلاف معايير الفضيلة عندهم.
وهي تجرى على النحو الآتى:
1 -
إذ خوطبوا ليتبعوا ما أنزل الله من البينات والهدى تمسكوا بما وجدوا
عليه آباءهم من عقائد ضالة ونحل فاسدة قائلين: (بَلْ نَتبِعُ مَا ألفَيْنَا عَليْهِ
آباءَنَا) .
2 -
وإذا تدارسوا الموضع فيما بينهم بُغية الوصول إلى موقف يتخذونه قالوا: (أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) .
أو قالوا: (لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (40) .
3 -
وإذا خاطبوا الرسل أو أشياعهم المؤمنين قالوا: (إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا) .
أو قالوا: (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47) .
4 -
وإذا مثلوا أمام ربهم لم يستطيعوا تمويه وجه الحقيقة تمنوا لو تعاد لهم
الكرة فيؤمنوا ويتبعوا الرسل قائلين: (رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ) .
فهنا - كما قلنا - معايير للفضيلة مختلفة.
ولذلك إذا أرادوا إثباتها لأنفسهم جاءت الكلمة مثبتة.
والغرض من إثباتها حينئذ إثبات الفضيلة - حسب زعمهم - إلى أنفسهم.
أما حين يخاطبون المؤمنين فإثبات هذه الكلمة دليل الذم - في نظرهم - فهم
مثلاً لا يتبعون الهدى لأنهم لو اتبعوه شردوا في الأرض. ومزقوا كل ممزق،
فالعزة عندهم في البقاء على الضلال.
والهوان في الدخول في الدين وإتباع تعاليمه.
ألا ساء ما يحكمون.
وهم لا يتبعون الرسول، لأنه - عندهم - رجل مسحور.
أو لأن الذين اتبعوه من الناس ما هم إلا أراذلهم وضعفاؤهم.
ولا يفيقون من سكرتهم إلا ساعة العرض على الله.
وحينئذ يتمنون العودة إلى الحياة ليتبعوا الرُسل.
5 -
وإذا لم يكن متعلقها مما يُحمد أو يُذم. وليس جارياً في مخاطبات بين
الكافرين بعضهم بعضاً. أو بينهم وبين المؤمنين. فهى - إذن - تفيد ترتب
أحداث تاريخية وقعت أو ستقع.
فمن الأول. . قوله تعالى: (وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (
(ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ.
(ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ) .
(فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) .
(أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (17) .
ومن الثاني. . قوله تعالى: (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) .
ويلاحَظ هنا أن المعنى باق على مجازيته. إذ ليس المراد بالاتباع المعنى
اللغوي الذي هو: سار خلفه. إلا في قوله تعالى:
(فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ) فالاستعمال حقيقي فيه.
ذلك هو قانون هذه المادة في القرآن الكريم.
أو نهجها الذي تأتي عليه. . والمجاز غالب فيها.
* *