المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ رأي لنا في المسألة: - خصائص التعبير القرآني وسماته البلاغية - جـ ٢

[عبد العظيم المطعني]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثالثمن روائع " المعاني " في القرآن الكريم* من أسرار الحذف.* من أسرار التقديم في القرآن.* التقديم غير الاصطلاحي

- ‌الفصل الأولمن أسرار الحذف

- ‌ شروط الحذف:

- ‌ لماذا حذف " يا " مع " رب

- ‌ حذف "لا" مع "تفتأ

- ‌ حذف الواو وذكره:

- ‌ توجيه النص مع الحذف وعدمه:

- ‌ رد ابن المنير على هذا الرأي:

- ‌ إضافة:

- ‌ موضع ثالث لحذف الواو:

- ‌ هل توجيه الزمخشري مقنع

- ‌ حذف حرف الجر " الباء

- ‌ توجيهي للمسَألةَ:

- ‌ صورة أخرى لحذف الحرف في القرآن:

- ‌ توجيهات العلماء للمسألة:

- ‌ سبب الحذف هنا:

- ‌ إيضاح:

- ‌ حذف الفعل اكتفاءً بآخر:

- ‌ الحذف للتحذير والإغراء:

- ‌ حذف الفعل إذا وقع جواب سؤال:

- ‌ سبب هذا الحذف:

- ‌ حذف الفاعل على غير قياس:

- ‌ مماثلة عجيبة

- ‌ سبب حذف الفاعل فيها:

- ‌ وما سر الحذف إذن

- ‌ أسباب أخرى لحذفهما:

- ‌ حذف الخبر مع " لا " النافية:

- ‌ مناقشة مثالين:

- ‌ وجه لحذف ياء المتكلم مع " رب

- ‌ حذف المفعول به:

- ‌ الأغراض البلاغية لحذف المفعول به:

- ‌ سبب قرآنى بحت:

- ‌ خلاف حول آية:

- ‌ نقد وتوجيه:

- ‌ كراهة نسبة الرسالة هي السبب:

- ‌ عزة المطلب هي السبب:

- ‌ مجرد الاختصار وحده لا يكفي:

- ‌ ورعاية الفواصل وحدها لا تكفي:

- ‌ أنواع الحذف:

- ‌ والخلاصة:

- ‌خصائص الحذف القرآني

- ‌ شهادة عدلين:

- ‌الفصل الثانيمن أسرار التقديم في القرآن الكريم

- ‌ معارضة:

- ‌ مبنى إفادة التقوي:

- ‌ مرجحات رأي:

- ‌ التقديم والتأخير في الفعل المنفي:

- ‌ مقارنة:

- ‌ موقف المتأخرين من هذا الرأي:

- ‌ ملاحظة:

- ‌ مناقشة الخطيب له:

- ‌ تقديم المفعول به:

- ‌ تقديم المفعول للإنكار:

- ‌ تعقيب:

- ‌ تعقيب:

- ‌ ملحظ مهم فات ابن الصائغ:

- ‌ سر هذا التقديم:

- ‌ مقارنة بين ثلاثة نصوص:

- ‌ ملحظ آخر فات ابن الصائغ:

- ‌ خطأ وقع فيه ابن الصائغ:

- ‌ عرض ونقد وتحليل:

- ‌ رأي صائب:

- ‌ السموات لم تُقدَّم على الأرض دائماً:

- ‌ تقديم ذو وجهين:

- ‌ مقارنة بين المنهجين:

- ‌ مراعاة النظم:

- ‌ مأخذنا على ابن الأثير:

- ‌ تقديم الظرف:

- ‌ تعقيب:

- ‌ أبرز ملامح منهج ابن الأثير:

- ‌ توجيه آخر:

- ‌ رأي لنا في المسألة:

- ‌ أبرز ملامح منهج المفسرين:

- ‌ اقتراح:

- ‌الفصل الثالثالتقديم غير الاصطلاحيأو اختلاف النظم في العبارات ذات المعنى الواحد

- ‌ نوع ثالث من التقديم:

- ‌ رأينا في الموضوع

- ‌ ما يهدى إليه النظر في هذا الموضع:

- ‌ ماذا قال المفسرون:

- ‌ سؤال وجواب:

- ‌ الموضع الرابع " التوحيد والخَلق

- ‌ توجيه ميسور:

- ‌ الموضع الخامس: " الذِينَ آمَنُواْ، وَالذِينَ هَادُواْ

- ‌ رأي الإسكافي:

- ‌ تخريجنا لهذه المواضع:

- ‌ بين المفسرين والإسكافي

- ‌ الموضع السادس " وَمَا أُهلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ

- ‌ مقامان مختلفان:

- ‌ الموضع السابع " القَوَامة والشهادة

- ‌ قيمة هذه النقول:

- ‌ دلالة النص نفسه:

- ‌ رأي الخطيب الإسكافي:

- ‌ الموضع الثامن " اطمئنان القلوب

- ‌ رأي الخطيب الإسكافي:

- ‌ الموضع التاسع " وكَفَى بِاللهِ شَهِيداً

- ‌ التفاوت في التحدي هو السر:

- ‌ الموضع العاشر " التلاوة وتعليم الكتاب

- ‌ نظرة فاحصة تكشف السر:

- ‌ فهم آخر:

- ‌ الموضع الحادى عشر " لَا يَقْدِرُونَ عَلى شَىْءٍ مِمَّا كَسَبُواْ

- ‌ بحث عن السر:

- ‌ الموضع الثاني عشر " الكِبَر والعُقْر

- ‌ ملاحظة أمرين:

- ‌ الموضع الثالث عشر " وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ

- ‌ رأي الخطيب الإسكافي:

- ‌ سؤال وجواب:

- ‌ الموضع الخامس عشر " رزق الآباء والأبناء

- ‌ الموضع السادس عشر " لقَدْ وَعِدنا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ

- ‌ رأيي في الموضوع:

- ‌ رأي الخطيب الإسكافي:

- ‌ الموضع السابع عشر " وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ يَسْعَى

- ‌ رأي السكاكي:

- ‌ الموضع الثامن عشر " الأكل الرغد

- ‌ الموضع التاسع عشر " الشفاعة والعدل

- ‌ توجيه الزركشي لهاتين الآيتين:

- ‌ جولة مع المفسرين:

- ‌ رأيي في المسألة:

- ‌ الموضع العشرون " اللعب واللهو

- ‌ مفهوم اللعب واللهو:

- ‌ اللعب في القرآن:

- ‌ التوجيه البلاغي للنص:

- ‌ لماذا قدَّم " اللهو على اللعب " إذن

- ‌ إجمال:

- ‌الباب الرابعمن سحر البيان في القرآن الكريم* التشبيه والتمثيل.* المجاز في القرآن الكريم.* المجاز القرآني

- ‌الفصل الأولالتشبيه والتمثيل

- ‌ مجموعات التشبيه والتمثيل في القرآن:

- ‌ صورة ثانية - حالهم مع كل ما يجب فهمه:

- ‌ صورة ثالثة - أكلهم كأكل الأنعام:

- ‌ صورة رابعة - الكافرون وسلب الإحساس:

- ‌ صورة خامسة - قسوة قلوبهم وتحجرها:

- ‌ صورة سادسة - الكافرون والظلمات:

- ‌ ومعنى آخر نلمحه:

- ‌ صورة سابعة - الكافرون والموت:

- ‌ إجمال:

- ‌ ضعف المعتقد:

- ‌ ومثلان آخران - رجلان لا يستويان:

- ‌ وصورة أخرى - الذباب هو المنتصر:

- ‌ بَلهٌ مضحك:

- ‌ هلع قاتل:

- ‌ وضعف بالغ:

- ‌ صورة أولى - صفوان ووابل:

- ‌ وصورة أخرى - ريح ورماد:

- ‌ وصورة أخرى - ريح وصِرٌّ:

- ‌ وصورة أخرى - سراب وظلمات:

- ‌ وصورة أخرى - هباء منثور:

- ‌ صوة أولى - ترهقهم ذلِة:

- ‌ وتصعَّد منهك:

- ‌ وصورة رابعة - صيحات وصواعق:

- ‌ مآل الكافرين:

- ‌ وقفة جامعة:

- ‌ وصف الحور والوِلْدَان:

- ‌ ملامح مشتركة بين الصور الثلاث:

- ‌ قياس واضح يُلزمهم بالتصديق:

- ‌ والخلاصة:

- ‌ أهوال القيامة:

- ‌معان دقيقة

- ‌ وقفة تأمل:

- ‌ التشبيه المقلوب:

- ‌ فكرة للدرس:

- ‌ البيع، والرِّبَا:

- ‌ خصائص تشبيهات القرآن:

- ‌ صورتان فيهما دقة:

- ‌ سر آسر:

- ‌ وهم مدفوع:

- ‌ وجه الشبه في تشبيهات القرآن:

- ‌ ووهم آخر مدفوع:

- ‌ مدخول الأداة في التشبيه المركب:

- ‌ عود للتشبيه المسلوب:

- ‌ نوع فريد من التشبيه في القرآن:

- ‌ التشبيه والتمثيل أصيلان في أسلوب القرآن:

- ‌الفصل الثاني1 -المجاز في القرآن الكريم

- ‌ عرض سريع:

- ‌ لماذا يستخدم القرآن المصدر المؤول

- ‌ مقارنة سريعة:

- ‌ صمت. وكلام:

- ‌ طبع " و " ختم " أختان:

- ‌ وصف جامع:

- ‌ تفرقة عجيبة:

- ‌ منهج القرآن في " طبع " و " ختم

- ‌ ربط " تنافى " ختم " و " طبع

- ‌ الخداع في جانب الله:

- ‌ ولكن ما خداع الله لهم

- ‌ توجيه جديد للآية:

- ‌ النفاق ". . كلمة مدنية:

- ‌ دور المرض في المجاز:

- ‌ المرض. . حقيقة ومجازاً:

- ‌ موازنة ضرورية:

- ‌ مقتضى الظاهر ومخالفته:

- ‌ المعاني التي أفادتها " مَدَّ " في القرآن:

- ‌ العَمَه. . العمى:

- ‌ طريق المجاز فيهما:

- ‌ محاولة لتوجيه المعنى في الموضعين:

- ‌ الاشتراء والضلالة:

- ‌ استعمالات " شَرَى " وقانونها:

- ‌ المجاز اللغوي في " شَرَى

- ‌ التجارة والربح:

- ‌ المجاز في " التجارة " عقلي:

- ‌ الكافرون واستيقاد النار:

- ‌ بين التشبيه والاستعارة:

- ‌ الكافرون. . والصيِّب:

- ‌ عبارة تنبئ عن إحساس نفسي:

- ‌ إحاطة علم الله:

- ‌ صياغة القرآن لمادة " أحاط

- ‌ المعاني الواردة فيها:

- ‌ الكافرون والبرق:

- ‌ منهج القرآن في مادة " خطف

- ‌ ذهب وخطف:

- ‌الفصل الثالث2 -المجاز القرآني

- ‌ موضوع هذه الآيات:

- ‌ مجاز على وجوه ثلاثة:

- ‌ بنو إسرائيل والرجفة:

- ‌ الحقيقة والمجاز في مادة " أخذ

- ‌ صيغ مادة " أخذ

- ‌ نتائج مهمة:

- ‌ الإسناد المجازي لمادة " رجف

- ‌ الدعاء:

- ‌ مادة " كتب " في القرآن:

- ‌ ملاحظات مهمة:

- ‌ التوبة والرجوع الحسي:

- ‌ التعميم والتخصيص في الرحمة:

- ‌ واسع ". . وصفاً لله سبحانه:

- ‌ مسوغات الوصف:

- ‌ وصورتان أخريان:

- ‌ الوسع وصفاً للأرض:

- ‌ موضع آخر بين الحقيقة والمجاز:

- ‌ حصيلة هذه الجولة:

- ‌ مادة " تبع في القرآن

- ‌ وقفة مع هذه المادة:

- ‌ ملاحظات مهمة:

- ‌ الرسول في التوراة والإنجيل:

- ‌ الطيبات والخبائث:

- ‌ حل " في القرآن:

- ‌ ملحظ عجيب:

- ‌ والسر:

- ‌ طاب " في القرآن:

- ‌ منهج القرآن في " طاب

- ‌ المعاني المرادة من " خبث

- ‌ الإصر والأغلال

- ‌ وضع " بين الحقيقة والمجاز:

- ‌ استنتاجات:

- ‌ معاني " غل

- ‌ ثلاث كنايات:

- ‌ النور " في القرآن:

- ‌ سؤال وجواب:

- ‌ النور للهدى والإيمان:

- ‌ السر البلاغي لهذا المنهج:

- ‌ محاولات يائسة:

- ‌ لماذا أفرد القرآن " النور " وجمع " الظلمات

- ‌ خصائص المجاز القرآني:

- ‌ سكوت الغضب ووضع الحرب:

- ‌ عض الأنامل وعض الأيدي:

- ‌ منهج فريد:

- ‌ وضوح المناسبة:

- ‌ الذوق في القرآن:

- ‌ الذوق لغة وبياناً:

- ‌ مقام المخالفات:

- ‌الباب الخامسالبديع. . في القرآن الكريم* المحسِّنات المعنوية.* المحسِّنات اللفظية.* قيمة البديع القرآني

- ‌الفصل الأولالمحسِّنات المعنوية

- ‌ سبب الخلط:

- ‌ الطباق والتشبيه المسلوب:

- ‌ نتائج مهمة:

- ‌ شروط الطباق:

- ‌ أصالة المشاكلة في القرآن:

- ‌ تعقيب:

- ‌ رأي لابن الأثير:

- ‌ قياس المذهب الكلامى:

- ‌الفصل الثانيالمحسِّنات اللفظية

- ‌ الجناس:

- ‌ من صور الجُناس في القرآن:

- ‌ الجُناس يجامع فنوناً أخرى:

- ‌ وظيفة الجناس:

- ‌ مقومات الجمال في الجناس:

- ‌ منزلة جُناس القرآن:

- ‌ ائتلاف اللفظ مع المعنى سمة للقرآن كله:

- ‌ المس والذوق:

- ‌ ذل اليهود ومسكنتهم:

- ‌ غرابة اللفظ لغرابة المعنى:

- ‌ نقد وتحليل:

- ‌ ابن أبى الإصبع يناقض نفسه:

- ‌ والسؤال الآن:

- ‌ معان آخرى للتمثيل:

- ‌الفصل الثالثقيمة البديع القرآني

- ‌ المعنى الإجمالى لهاتين الآيتين:

- ‌ صور البديع فيما تقدم:

- ‌ نتائج مهمة:

- ‌ كثرة وجوده:

- ‌ المبالغة:

- ‌ صحة التقسيم:

- ‌ الإيجاز:

- ‌ نصوص معيبة:

- ‌ بين القرآن والناس:

- ‌ ملاحظتان مهمتان:

- ‌قائمة المصادر والمراجعللجزء الثاني

الفصل: ‌ رأي لنا في المسألة:

وهذا السبب الآخر لم يذكره أبو السعود صراحة بل اكتفى بكونه ظاهراً

لا يخفى. . ولا يمكن أن يكون مراده غير ما ذكرناه.

*

3 -

تقديم المحصنات على مصاحبها:

" وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ) .

يرى أبو السعود أن في تقديم المحصنات الغافلات على المؤمنات.

وهي ثلاثة أوصاف لموصوف واحد.

إيذاناً بأن المراد الوصف المنبئ عما ذكر من صفتى الإحصان والغفلة.

وليس المراد المعنى المؤسس المصحح لإطلاق الاسم في الجملة

- كما هو المتبادر على تقدير التقديم.

والخلاصة - عنده - أن ترتيب هذه الصفات الثلاث كما جاء في الآية مفيد

بأنهن مؤمنات بكل ما يجب الإيمان به من الواجبات والمحظورات وغيرها إيماناً

حقيقياً تفصيلياً.

*‌

‌ رأي لنا في المسألة:

هذا ما ذكره أبو السعود. ويمكن توجيه التقديم على وجه آخر.

وهو أن الكلام مسوق للتشنيع على الرامين، وتفظيع أمرهم بدليل قوله تعالى في عجز الآية:(لعِنُواْ فِى الدُّنْيَا والآخِرَةِ وَلهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) .

وإذا كان الأمر كذلك فإن تقديم " المحصنات " وإليةَ الفعل " يرمون "

وإيقاعه عليها مباشرة يساعد على إبراز ذلك المعنى الذي هو التشنيع على

الرامين وتفظيع حالهم لأن " الإحصان " ينافى مدلول الرمى إذ هو - أى

الإحصان - نص في العفة الثابتة لهن.

ص: 139

ويناسب ذلك عطف " الغافلات " على " المحصنات " إذ المراد من الغفلة

نفى أن يكون لهن أدنى شعور بما يُنسب إليهن لأنهن لم يأتينه من أصله.

وذلك بخلاف ما لو قدم " المؤمنات " لفات ذلك المعنى.

لأن المؤمنة قد تخطئ.

فكأن القرآن يقول: إنهم يرمون مَن شأنه ألا يُرمى لوجوده في الواقع على

خلاف ما يدَّعون.

*

4 -

توسط "الظرف ":

ومن روائع ما ذكره العلامة أبو السعود توجيهه لتوسط بين " لولا " وفعلها

فى قوله تعالى: (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) .

قال أبو السعود: " وتوسيط الظرف بين " لولا " وفعلها لتخصيص

التحضيض بأول زمان سماعهم وقصر التوييخ على تأخير الإتيان بالمحضض عليه إلى ذلك الأوان، والتردد فيه. ليفيد أن عدم الإتيان به رأساً في غاية ما

يكون من القباحة والشناعة ".

وهذا فهم صادق لكلام الله الجزل، نرى فيه أبا السعود لم يكتف بإرجاع

التوسط الظرفى إلى سبب واحد، بل أرجعه إلى ثلاثة أسباب. . وهو صائب الرأي فى هذا وهو ينحو هذا النحى العذب في تحليله البياني لكتاب الله الكريم.

ونختم جولتنا معه بهذا الموضع:

*

5 -

تقديم المجرورات في " الشرح ":

قال تعالى: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) .

ص: 140

يقول أبو السعود: " وزيادة الجار والمجرور مع توسطه بين الفعل ومفعوله،

للإيذان بأن الشرح من منافعه عليه الصلاة والسلام ومصالحه.

مسارعة إلى إدخال المسرة في قلبه، وتشويقاً له إلى ما يعقبه ليتمكن عنده وقت وروده فضل تمكن ".

ويرى الإمام النيسابورى أن الجار والمجرور مقحم في هذه المواضع وفائدته

الإجمال ثم التفصيل. فهو يتفق مع أبى السعود في تقديره زائداً.

ويختلف معه في التوجيه.

والقول بالزيادة في القرآن أمر ليس مقبولاً عند التحقيق.

فكل ما جاء فى النظم الكريم له معنى دال عليه يزول بزواله.

لذلك فقد تصدى للرد على هذه الفرية - عموماً - عالم ملهم هو المغفور له محمد عبد الله دراز ونفى بالدليل المقنع أن يكون في القرآن زائد.

وفي موضوعنا هذا لم ترض صاحبة التفسير البياني ما قال به أبو السعود والنيسابورى وهي ترى في الجار والمجرور فى المواضع الثلاثة ضرورة بيانية اقتضاها المقام ولكنها لم تبين وجه تلك الضرورة.

وأنا مع الرافضين للقول بالزيادة في القرآن في هذه المواضع، وفي كل موضع

يذهب فيه هذا المذهب.

والذي أراه في الجار والمجرور في المواضع الثلاثة

المذكورة أنها واردة لتأكيد المعنى المفهوم من الجملة.

لذلك حرص القرآن الكريم على أن يذكر في كل موضع من المواضع الثلاثة

الجار والمجرور المناسب للمعنى.

ففى الموضع الأول كان: (ألمْ نَشْرَحْ لكَ صَدْرَكَ) .

فالشرح خير.

فناسبه " لك " وقدم اهتماماً به.

وفي الموضع الثاني كان: (وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ) وقدم: " عنك "

لنفس المعنى الذي قدم من أجله " لك " في الآية السابقة.

ص: 141

وفى الثالث كان: (وَرَفَعْنَا لكَ ذكْرَكَ) فالرفع للذكر خير وشرف ولذلك

عاد " لك " مرة أخرى، لأنه مشعر بالنفع.

فلا زيادة ولا إقحام. . ولو تلا تالٍ هذه الآيات محذوفاً منها الجار والمجرور

لظهر الفرق من حيث اللفظ، ومن حيث المعنى.

فيما عليه النص الكريم وفيما عليه غيره بعد الحذف.

ويقول أبو السعود في الموضع الثاني: (وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ) وتقديمه

على المفعول الصريح مع أن حقه التأخير عنه. لما مَرَّ مراراً من القصد إلى

تعجيل المسرة والتشويق إلى المؤخر، ولما أن في وصفه نوع طول. فتأخير الجار والمجرور عنه مخل لتجاوب أطراف النظم.

ويذهب الشيخ محمد عبده مذهب أبى السعود في توجيهات هذه الآيات

فيقول: " والإتيان بالجار والمجرور - " لك " و " عنك " - وتقديمه على

المفعول في الآيات الثلاث لزيادة التقرير والإسراع بالتبشير ".

*

6 -

سر تقديم المجرورات على " رجال " في آية النور:

ومما يفيد التقديم فيه أكثر من غرض قوله تعالى: (يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ) َ.

قال أبو السعود: " رجال ": فاعل " يسبح ". وتأخيره عن الظروف لما مَرَّ

مراراً من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر.

ولأن في وصفه نوع طول فيخل تقديمه بحسن النظم ".

ص: 142

وهذا التوجيه على قراءة مَنْ بنى الفعل للفاعل.

وقد فات أبا السعود أن فى الآية ثلاثة ظروف متجاورة لم يشر إلى سر ترتيبها، وهي:" له فيها بالغدو ".

والذي يبدو أمام الباحث أن تقديم " له " على تالييه: " فيها بالغدو " لأن

الضمير المجرور وهو " الهاء " عائد على اسم الجلالة. فقدم إذن تعظيماً له.

أما تقديم " فيها " فلأن الضمير المجرور، عائد على " المساجد " أو " البيوت "

وقد تقدم ذكرها في الكلام فكان تقديمها أولى من تقديم " بالغدو ".

هذه مُثل من تفسير أبى السعود، عالج فيها التقديم بمنهج حر واسع النظرة

وتفسيره حافل بمثل هذه الصور وهو - كما رأينا - مولع بتقصى الأسرار التى يفيدها التقديم فتراه يثبت لك في الموضع الواحد سراً أو سرين أو ثلاثة. وهذه طريقة جديرة بالتقدير لفهم أسرار الكتاب الكريم وفهم مقومات الجمال الفني فيه.

* *

ثانياً: من كشاف الزمخشري

لا فرق بين نظرة الزمخشري ونظرة أبى السعود في التقديم. فهما جميعاً

ينهلان من معين واحد. وأبرز ما يمتاز به منهجهما هو الحرية. وعمق النظرة.

وإن كان العلامة أبو السعود أرسخ قدماً من الزمخشري في هذا المجال.

وقد سبق لنا أن وقفنا على شيء من توجيه الزمخشري للتقديم في قوله تعالى:

(وَلكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) .

ونذكر من كشافه نموذجاً آخر لمعالجته للتقديم في قوله تعالى:

(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)

ص: 143