الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويعترف عبد القاهر بأنه استقى مذهبه هذا من سييوبه صاحب الكتاب فيقول:
" وهذا الذي ذكرت من أن تقديم ذكر المحدَّث عنه يفيد التنبيه له.
قد ذكره صاحب الكتاب في المفعول إذا قدم فرفع بالابتداء، وبنى الفعل الناصب له عليه وعدى إلى ضميره فشغل به، كقولنا في: ضربت عبد الله. عبد الله ضربته.
فقال: وإنما قلت عبد الله فنبهته له، ثم بنيت عليه الفعل ورفعته بالابتداء ".
*
*
مرجحات رأي:
ثم يقول: " ويشهد لما قلنا من أن تقديم المحدث عنه يمتضى تأكيد الخبر
وتحقيقه، أنَّا إذا تأملنا وجدنا هذا الضرب من الكلام يجيء:
1 -
فيما سبق فيه إنكار من منكر مثل قوله تعالى: (وَيَقُولُونَ عَلى الله
الكَذِبَ وَهُمْ يَعْلمُونَ) .
2 -
وفيما اعترض فيه شك. نحو أن يقول الرجل: كأنك لا تعلم ما صنع
فلان؟ فتقول: أنا أعلم.
3 -
أو في تكذيب مدع. كقوله تعالى: (وَإذَا جَاءُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَقَدْ
دَّخَلواْ بِالكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ) .
4 -
أو فيما القياس في مثله ألا يكون كقوله تعالى: (وَاتخَذُواْ من
دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلقُونَ) .
5 -
وفيما يكون على خلاف العادة. كقولك: ألا تعجب من فلان، يدعى
العظيم وهو يعيى باليسير. ويزعم أنه شجاع وهو يفزع من أدنى شيء.
6 -
وفي الوعد والضمان، وهو فيها حسن كثير، تقول للرجل: أنا أعطيك.
أنا أكفيك. . لأن الموعود والمضمون له في حاجة إلى التأكيد.
7 -
ويكثر - كذلك - في المدح كقوله الشاعر يفخر:
نَحْنُ فِى المشْتَاة نَدْعُو الجَفْلى. . . لَا تَرَى الآدَبُ مِنا يَنْتَقْر
ويرى عبد القاهر أن بعض المواضع لا يصلح فيها إلا هذا النوع من التعبير
فهو فيها ألزم. وذلك إذا وقع الفعل المضارع بعد واو الحال.
كقول الشاعر:
تَمَزَزْتُهَا وَالدِّيكُ يَدْعُو صَبَاحَهُ. . . إذَا مَا بَنُو نَعْشٍ دَنبوا فَتَصَوبوا
فلا يصح - عنده - أن تقول: رأيته ويكتب، ودخلت عليه ويمل الحديث،
وتمززتها ويدعو صباحه، فإنه ليس بشيء. والملحظ هنا ذوقي.
ومما لا يصلح فيه إلا هذا النوع من التعبير قوله تعالى:
(إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) .
وقوله تعالى: (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) .
وقوله تعالى: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) .
قال بعد ذكر هذه النصوص: " فإنه لا يخفى على مَن له ذوق أنه لو جيء
بذلك والفعل غير مبنى على الاسم لوجد اللفظ قد نبا عن المعنى وقد زال عن
صورته، والحال التي ينبغي أن يكون عليها ".