الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولست أدري لماذا لم يمثل له، والقرآن مشحون بمثل هذا النوع.
كقوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) .
وقوله تعالى: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ) . فإن ما قُدم أفضل من
حيث الانتفاع به فالخيل أفضل الأَنواع، والحَمير أفضل من البغال.
4 -
تقديم الأعجب فالأعجب: ومثَّل له بقوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ) .
5 -
تقديم المناسب: ومثل له بقوله تعالى: (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) .
فتقديم الإناث على المذكور - مع أن المذكور أشرف -
ليناسب ما يرونه بلاء البلاءُ.
ومثل له بقوله تعالى: () وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ) .
لَأنه حين ذكر شهادته على شئون أهَل الأرض وأحوالهم ووصل
ذلك بقوله: " وما يعزب " لاءم بينهما لِيَليَ المعنى المعنى.
* *
*
أبرز ملامح منهج ابن الأثير:
هذه خلاصة سريعة لنظرية ابن الأثير في التقديم.
فما هي - إذن - أبرز خصائصها؟
والجواب:
أولاً: أنه يجمع بين طريقتى ابن الصائغ والبلاغيين فهو حين يوجه تقديم حياة
الأرض على حياة الأنعام والناس.
وحين يوجه تقديم الظالم لنفسه على المقتصد.
وحين يوجه تقديم العبادة على الاستعانة. حين يوجه هذا كله وما كان على
شاكلته مما ليس بمسند إليه ولا بمسند. فإنه ينهج نهج ابن الصائغ.
وحين يتلمس أسباب تقديم المفعول والظرف والحال والاستثناء. . والخبر. حين يوجه هذا كله فإنه ينهج نهج البلاغيين مع ولوعه بكثرة التقسيمات والتنويعات كما مرت بنا في دراسة منهجه.
ثانياً: أنه يميل إلى التطرف - كثيراً - ومخالفة ما عليه الإجماع.
كإخضاعه أنواعاً شتى من التقديم لحسن النظم، نافياً عنه إفادة الاختصاص مع أنه في الواقع مفيد للاختصاص.
ثالثاً: أنه يهتم بالنصوص القرآنية. ويتخذ منها المورد الأولى في مثلة مبيِّناً
ما فيها من وجوه الجمال الفني، والحُسن اللفظي.
رابعاً: أنه يجمع إلى العلم العقل الذكي، والذوق الحساس، فهو لذلك كان
ناقداً طويل الباع، صائب الحكم في أكثر قضاياه التي تعرض لها.
ومنهجه مجد إلى حد كبير في فهم أسرار التقديم في القرآن الكريم.
* * *
ْرابعاً: منهج المفسرين في التقديم
قد تكون الفروق دقيقة بين ما نسميه بمنهج المفسرين، وبين الطرق الثلاث
المتقدمة - طريقة ابن الصائغ وطريقة البلاغيين وطريقة ابن الأثير - والذى
دعانى إلى أن أفرد بحثاً خاصاً تحت هذا العنوان " منهج المفسرين " أنى رأيت
المفسرين أنفسهم قد تمرسوا هذا الفن حين تصديهم دشرح كتاب الله وإيضاح معانيه، وبيان مظاهر الجمال والإعجاز فيه.
ورأيت هذه الطريقة - طريقة المفسرين - قد استوعبت ما ذهب إليها أصحاب المناهج السابقة. فهى لا تتقيد بما قيَّد البلاغيون به منهجهم ولا بما حصر فيه ابن الصائغ فكرته ولا بما دار في فلكه ابن الأثير. فهى تجمع ما تفرق من هذه الطرق من محاسن، ولذلك كان للمفسرين جولات غنية جداً في فهم التقديم فى القرآن والكشف عن أسراره المختلفة.
وكل ما يؤخذ عليهم أنهم قد ينساقون - أحياناً - وفي بعض المواضع إلى
إرجاع شيء من التقديم إلى رعاية الفواصل - كما يقول البلاغيون - أو حُسن النظم السجعى كما يقول ابن الأثير.
ولما كان تتبع أسفار التفسير - وهي كثيرة - ليس بمستطاع هنا.
فإنى سأعتمد أساساً على اثنين منهم هما:
1 -
العلامة أبو السعود في تفسيره المسمى " إرشاد العقل السليم إلى
مزايا الكتاب الكريم ".
2 -
الإمام محمود بن عمر الزمخشري. في تفسيره المسمى " الكشاف عن
حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل ".
أولاً: من تفسير أبى السعود
1 -
تقديم التحلية على اللباس:
قال تعالى: (يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) .
يقول العلامة أبو السعود في تقديم التحلية على اللباس: " للإيذان بأن
ثبوت اللباس لهم أمر محقق، غنى عن البيان، إذ لا يمكن عراؤهم عنه.
وإنما المحتاج إلى البيان أن لباسهم ماذا؟
بخلاف الأساور واللؤلؤ فإنها ليست من اللوازم الضرورية.
فجعل بيان تحليتهم بها مقصوداً بالذات.
ولعل هذا هو الباعث إلى تقديم بيان التحلية على بيان حال اللباس ".