الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
وصورة أخرى - سراب وظلمات:
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40) .
شُبِّهت أعمال الكافرين في هاتين الآيتين بصورتين:
الصورة الأولى: شُبهت فيها بالسراب الذي يراه الناظر. فيحسبه ماءً. لأنه
كالماء يبدو من بعيد.
فإذا علق عليه الآمال وأراد أن يروى ظمأه فأقبل مسرعاً إليه لم يجده شيئاً.
وليت الأمر يقف عند خيبة الرجاء هذه، بل إنه بعد أن تنكشف له حقيقة
السراب الذي خدعه فأقدمه إلى حيث هو واقف الآن، أسلمه إلى مواطن الهلاك والضياع، كأنَّ أسداً في انتظاره فيفترسه.
وكذلك الكافر يقدم نحو عمله راجياً أن ينفعه فلا يجده شيئاً، ووجد الله
عنده فوفاه حسابه وأدخله النار، ولقى هلاك أمثاله في مقام كان يتوقع منه
النجاة!
وإذا كان عملهم سبباً في إهلاكهم فما أحرى أن يسمى ظلمات.
وهذا المعنى تكفلت به الآية الثانية: (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا) .
صورة مخيفة. . . .
البحر وحده خطر على مَن يركبه، فما بالك إذا كان هذا البحر ملفوفاً
بالظلمات من كل جانب، وهذه الظلمات لا سبيل إلى الخلاص منها، والبحر هائج ثائر، الموج فيه طبقات بعضها فوق بعض، وفوق الموج سحاب يملأ الأفق ويسد منافذ الضوء.
وفي مطلع الآية الأولى نجد التعبير: (والذينَ كَفَرُواْ أعْمَالُهُمْ
كَسَرابٍ. .) .
وقبلها وجدنا التعبير: (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ. .) .
وكان حق التعبير أن يقال في الموضعين: " ومثل أعمال الذين كفروا
كرماد ". و " وأعمال الذين كفروا كسراب ".
لكن القرآن خالف هذا النسق، وجعل المثل في الأولى: مثل الذين كفروا،
ثم أبدل منهم أعمالهم بدل اشتمال.
كما أبدل نفس الأعمال من الذين كفروا في الآية الثانية، فما السر إذن فى
هذا التعبير؟
إن السر - فيما يظهر - واضح، لأن الناس جميعاً يوم القيامة مجردون من
جميع الاعتبارات إلا اعتبار العمل صالحاً كان أو غير صالح.
ففي تصديرهم وإبدال أعمالهم منهم إشعار بهذا المعنى، فالإنسان يقاس
بعمله فحسب لا بماله، ولا ولده، ولا جاهه، ولا سلطانه، فمثل عمل الإنسان مثل للإنسان نفسه.