الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذلك إنما يكون من القادر والسلطان وغيره سيان عند تحقق القدرة، والذي قاله أبو حنيفة رحمه الله: أن الإكراه لا يتحقق إلا من السلطان، لما أن المنعة له والقدرة لا تتحقق بدون المنعة، فقد قالوا هذا اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان، ولم تكن القدرة في زمنه إلا للسلطان، ثم بعد ذلك تغير الزمان وأهله، ثم كما تشترط قدرة المكره لتحقق الإكراه يشترط خوف المكره وقوع ما يهدد به، وذلك بأن يغلب على ظنه أنه يفعله ليصير به محمولا على ما دعي إليه من الفعل.
قال: وإذا
أكره الرجل على بيع ماله أو على شراء سلعة
أو على
ــ
[البناية]
وفي بعض النسخ ما توعد به م: (وذلك) ش: على ما ذكرنا من الشرائط م: (إنما يكون من القادر والسلطان وغيره سيان عند تحقق القدرة) ش: سيان بكسر السين أي مثلان وهو تثنية سي والجمع سواء: م: (والذي قاله أبو حنيفة رحمه الله: أن الإكراه لا يتحقق إلا من السلطان، لما أن المنعة له) ش: بتحريك النون، يقال فلان في عز ومنعة، يعني يمنع أهله وعشيرته، يعني يحوطهم وينصرهم.
وعن ابن السكيت: وقد تسكن النون، وكذا قيل الملك لا يكون ملكا إلا بالمنعة، وهي شرط للملك كالوضوء للصلاة. ويجوز أن تكون المنعة جمع مانع، يعني له منعة يمنعون من يخالفه أو من يريده بالسوء.
م: (والقدرة لا تتحقق بدون المنعة) ش: لما أن المنعة شرط للقدرة والمشروط لا يتحقق بدون الشرط، وهذا كما رأيت حقق الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه، وكذا حققه خواهر زاده في "مبسوطه " وذكر الطحاوي في "مختصره " قول أبي يوسف مع أبي حنيفة.
وقال الأسبيجابي "في شرحه ": وقول أبي يوسف مع محمد في ظاهر الرواية م: (فقد قالوا) ش: أي المشايخ م: (هذا) ش: أي الذي ذهب إليه أبو حنيفة. وفي بعض النسخ هو م: (اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان) ش: لأن مناط الحكم القدرة م: (ولم تكن القدرة في زمنه إلا للسلطان، ثم بعد ذلك تغير الزمان وأهله) ش: لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه» ، فإذا كان الزمان شرا يكون أهله أشرارا. م:(ثم كما يشترط قدرة المكره) ش: بكسر الراء م: (لتحقق الإكراه يشترط خوف المكره) ش: بفتح الراء م: (وقوع ما يهدد به) ش: أي بالذي يهدد م: (وذلك) ش: إشارة إلى قوله خوف المكره وقوع ما يهدد به م: (بأن يغلب على ظنه أنه) ش: أي المكره بكسر الراء م: (يفعله) ش: أي يفعل ما يهدد به م: (ليصير به) ش: أي ليصير المكره بالفتح بما يغلب على ظنه م: (محمولا) ش: أي مضطرا م: (على ما دعي إليه من الفعل) ش: الذي هدده به.
[أكره الرجل على بيع ماله أو على شراء سلعة]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا أكره الرجل على بيع ماله أو على شراء سلعة أو على
أن يقر لرجل بألف أو يؤجر داره فأكره على ذلك بالقتل أو بالضرب الشديد أو بالحبس فباع أو اشترى فهو بالخيار إن شاء أمضى البيع، وإن شاء فسخه ورجع بالمبيع؛ لأن من شرط صحة هذه العقود التراضي. قال الله تعالى:{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29](النساء: 29) ،
ــ
[البناية]
أن يقر لرجل بألف أو يؤجر داره فأكره على ذلك) ش: أي على ما ذكر من البيع والشراء والإقرار والإجارة م: (بالقتل أو بالضرب الشديد أو بالحبس) ش: أراد به الحبس المديد، فإن حكم الحبس بيوم سيجيء م:(فباع أو اشترى) ش: أو أقر أو أجر ثم زال الإكراه م: (فهو بالخيار إن شاء أمضى البيع وإن شاء فسخه ورجع بالمبيع؛ لأن من شرط صحة هذه العقود) ش: أي البيع والشراء والإقرار والإجارة م: (التراضي، قال الله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] (سورة النساء: 29) .
ش: فإن قلت: الآية وإن أثبت الحرمة بدون الرضاء ولكن مطلق قوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] يوجب الجواز بدون التراضي.
قلت: البيع لغة مبادلة المال بالتراضي، والأصل ورد الشرع على وفاق الحقيقة، ولأنه مخصوص محض بدون الرضا.
فإن قلت: هذا بمنزلة الشرط وأنه يقتضي الوجود عند الوجود أما لا يقتضي العدم عند العدم، كما في قَوْله تَعَالَى {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] (سورة النساء: الآية 25) .
قلت: أول الآية {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29] واستثنى منه التجارة بالتراضي، فيبقى غيره في صدر الكلام يوضحه أن المستثنى لما كان بصفة التراضي يكون المستثنى منه بخلاف التراضي وهو المكره، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم:«لا تبيعوا الطعام بالطعام إلا سواء بسواء» أي كيلا بكيل، فلما استثنى البيع الجائز مع الكيل علم أن المستثنى منه بيع المكيل أيضا، فصار، كأنه قال لا تأكلوا أموالكم بينكم بالتجارة الباطلة كرها، حتى تكون عن تراض فيكون الرضاء شرطا ولكن لا ينعدم به أصل البيع.
فإن قلت: ينبغي أن يكون البيع باطلا بقوله: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29](سورة النساء: الآية 25) .
قلت: المراد من قوله بالباطل أي بما لم تبحه الشريعة من نحو السرقة والخيانة والغصب والقمار وعقود الربا.
وقوله: عن تراض صفة التجارة، أي تجارة صادرة عن تراض، وخص التجارة بالذكر
والإكراه بهذه الأشياء يعدم الرضاء فيفسد، بخلاف ما إذا أكره بضرب سوط أو حبس يوم أو قيد يوم؛ لأنه لا يبالى به بالنظر إلى العادة، فلا يتحقق به الإكراه، إلا إذا كان الرجل صاحب منصب يعلم أنه يستضر به لفوات الرضا
ــ
[البناية]
لأن أسباب الرزق أكثرها يتعلق بها، والتراضي رضى المتبايعين بما تعاقدوا عليه في حال البيع وقت الإيجاب والقبول، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله وعند الشافعي تفرقهما عن مجلس العقد متراضيين.
م: (والإكراه بهذه الأشياء) ش: يعني بالبيع وأخواته م: (يعدم الرضاء فتفسد) ش: أي هذه العقول المذكورة. لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط، م:(بخلاف ما إذا أكره بضرب سوط) ش: هذا يتصل بقوله والإكراه بهذه الأشياء يعدم الرضاء بخلاف ما إذا أكره على البيع أو الشراء أو الإقرار أو الإجارة بضرب سوط م: (أو حبس يوم أو قيد يوم) ش: حيث لا يكون إكراها م: (لأنه لا يبالي به) ش: بفتح اللام، أي لا يلتفت إلى مثل هذه الأشياء، م:(بالنظر إلى العادة) ش: فإن الرجل قد يقيم في المنزل يوما أو يومين بالاختيار من غير أن يثقل عليه، وكذا ضرب سوط؛ لأن هذا القدر يعيب به ويؤدب به الصغير.
والإنسان يجعل القيد في رجله ثم يمشي مشبها بالمقيد، والحبس الذي هو إكراه ما يجيء منه الاغتمام البين والضرب الذي هو الإكراه ما يوجد منه الألم الشديد، وذلك على قدر ما يرى الحاكم إذا رفع إليه ذلك؛ لأن ذلك يختلف باختلاف أحوال الناس.
م: (فلا يتحقق به الإكراه) ش: أي إذا كان الأمر كذلك فلا يتحقق به الإكراه.
م: (إلا إذا كان الرجل) ش: الذي أكره بضرب سوط أو حبس يوم أو قيد يوم م: (صاحب منصب) ش: بفتح الميم وبكسر الصاد، وهو في اللغة الأصل.
وأراد به هاهنا أن يكون ذا جاه م: (يعلم أنه يستضر به) ش: أي بضرب سوط واحد ونحوه كما يتضرر واحد من أوساط الناس بالضرب الشديد، فحينئذ يكون ذلك إكراها وذلك كالقاضي وعظيم البلد، فإن مطلق القيد والحبس إكراه في حقه، حتى لو توعد به وهو رجل وجيه كان ذلك إكراها.
وبه قال بعض الشافعيين ومالك وأحمد رحمهما الله في رواية.
وقال في رواية: الوعيد ليس بإكراه، وعن شريح: القيد والوعيد إكراه والضرب والشتم باختلاف أحوال الناس، حتى قال بعض المشايخ: لو شدت أذن واحد من أشراف الناس في مجلس السلطان يكون مكرها م: (لفوات الرضاء) ش: فإذا فات الرضاء ثبت الإكراه لوجود
وكذا الإقرار حجة لترجح جنبة الصدق فيه على جنبة الكذب، وعند الإكراه يحتمل أنه يكذب لدفع المضرة، ثم إذا باع مكرها وسلم مكرها يثبت به الملك عندنا، وعند زفر رحمه الله لا يثبت لأنه بيع موقوف على الإجازة. ألا ترى أنه لو أجاز، جاز والموقوف قبل الإجازة لا يفيد الملك ولنا أن ركن البيع صدر من أهله مضافا إلى محله والفساد لفقد شرطه وهو التراضي، فصار كسائر الشروط المفسدة
ــ
[البناية]
العلة.
م: (وكذا الإقرار حجة) ش: هذا عطف على قوله والإكراه بهذه الأشياء بعدم الرضاء فيفسد، أي والإقرار أيضا يفسد بالإكراه بهذه الأشياء، وذلك لأن الإقرار إنما صار حجة في غير الإكراه م:(لترجح جنبة الصدق فيه على جنبة الكذب) ش: أراد أن الإقرار في نفسه دائر بين الصدق والكذب لأنه اختيار، ولكن يترجح الصدق حال الطواعية بدلالة الحال، إذ الظاهر أن الإنسان لا يكذب على نفسه.
م: (وعند الإكراه يحتمل أنه يكذب لدفع المضرة) ش: والشراء لإظهار ما كان عليه فلا يكون حجة، بخلاف ما إذا أكره على الإقرار بأن يضرب سوطا ويحبس يوما فأقر فهو إقرار كما في البيع إذا كان المكره صاحب منصب كما ذكرنا.
م: (ثم إذا باع مكرها وسلم) ش: أي المبيع حال كونه م: (مكرها يثبت به الملك عندنا) ش: أي يثبت بالإكراه الملك الفاسد عند أصحابنا الثلاثة م: (وعند زفر رحمه الله لا يثبت) ش: أي الملك م: (لأنه بيع موقوف على الإجازة، ألا ترى أنه) ش: أي المكره بفتح الراء م: (لو أجاز) ش: أي البيع م: (جاز والموقوف قبل الإجازة لا يفيد الملك) ش: عند الثلاثة لا يجوز. ولو أجاز كالبيع بشرط الخيار، وكذا عند الثلاثة إلا أن عندهم لا يكون موقوفا بل باطلا.
م: (ولنا أن ركن البيع صدر من أهله مضافا إلى محله) ش: لأن الإيجاب والقبول صدر من المالك البالغ العاقل وصادف محله وهو المال م: (والفساد) ش: أي فساد البيع م: (لفقد شرطه وهو التراضي) ش: قال الله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وتأثير انتفاء الشرط في فساد العقد لا غير كانتفاء المساواة في باب الربا.
م: (فصار) ش: أي الإكراه م: (كسائر الشروط المفسدة) ش: إنما ألحقه بالشروط المفسدة لأن خلو البيع عنها شرط صحة البيع فكذا خلو البيع عن الإكراه.
فاعلم أن بيع المكره يشبه البيع الموقوف من حيث إنه يتوقف على إجازة المالك فلشبهه به يعود جائزا إذا أجاز في أي وقت شاء ويشبه البيع الفاسد من حيث صدوره من المالك وانعدم شرط الجواز وهو الرضاء، فيفيد الملك بعد القبض، وإنما عملنا هكذا إذ لو أظهرنا شبه الوقوف
فيثبت الملك عند القبض، حتى لو قبضه وأعتقه أو تصرف فيه تصرفا لا يمكن نقضه، جاز ويلزمه القيمة كما في سائر البياعات الفاسدة، وبإجازة المالك يرتفع المفسد، وهو الإكراه وعدم الرضا، فيجوز إلا أنه لا ينقطع به
ــ
[البناية]
في عدم الملك لا يبقى لشبهة الآخر عمل فيعمل العمل بالشبهين، لا يقال لو كان بمنزلة البيع الفاسد لما عاد إلى الجواز بالإجازة كما في البيوع الفاسدة؛ لأن النفاذ لسقوط الفساد وأنه لم يستحكم.
فإن قلت: ينبغي أن لا يثبت الملك بعد القبض كما في البيع بشرط الخيار مع وجود الرضاء بالعقد.
قلت: إنما لا يثبت الملك ثمة لاختلاف الشرط عن الفائدة، وهنا ما وجد الشرط فيثبت الملك.
فإن قلت: بيع الهازل لا يفيد الملك وأنه كالبيع الذي نحن فيه من حيث صدورها من المالك مع عدم الرضاء، فينبغي أن لا يثبت الملك.
قلت: الهازل لا يكون مختارا لثبوت الملك للمشتري، أما هنا المكره قد أكره على بيع يثبت الملك، فإقدامه على ذلك يدل على اختيار ثبوت الملك للمشتري إذ لو لم يكن مختارا لذلك لما أتى بما أكره هو عليه.
م: (فيثبت الملك عند القبض حتى لو قبضه) ش: أي المشتري من المكره بالفتح م: (وأعتقه أو تصرف فيه) ش: أي في المبيع م: (تصرفا لا يمكن نقضه) ش: كالتدبير والاستيلاد م: (جاز ويلزمه القيمة) ش: أي جاز تصرف المشتري وتلزمه قيمة المبيع.
وكذا الحكم في الهبة تلزمه القيمة. وفي " الذخيرة ": المالك بالخيار إن شاء ضمن المكره قيمته يوم سلمه إلى المشتري أو الموهوب له، وإن شاء ضمن المشتري والموهوب له.
م: (كما في سائر البياعات الفاسدة) ش: حيث يلزم فيها القيمة بعد القبض والتصرف اللازم م: (وبإجازة المالك يرتفع المفسد) ش: هذا جواب عما يقال: لو كان كسائر البياعات الفاسدة لما عاد جائزا بالإجازة لهن.
وتقرير الجواب: أن بإجازة المالك يرتفع المفسد م: (وهو الإكراه وعدم الرضاء فيجوز) ش: بخلاف سائر البياعات الفاسدة لأن المفسد فيها باق م: (إلا أنه) ش: استثناء من قوله كما في سائر البياعات الفاسدة، ذكره للفرق بين الإكراه والبيع الفاسد. الضمير في أنه للشأن م:(لا ينقطع به) ش: أي بسبب الإكراه.
حق استرداد البائع وإن تداولته الأيدي ولم يرض البائع بذلك بخلاف سائر البياعات الفاسدة لأن الفساد فيها لحق الشرع، وقد تعلق بالبيع الثاني حق العبد، وحقه مقدم لحاجته. أما هاهنا الرد لحق العبد وهما سواء فلا يبطل حق الأول لحق الثاني. قال رضي الله عنه ومن جعل البيع الجائز المعتاد بيعا فاسدا يجعله كبيع المكره حتى ينقض بيع المشتري من غيره، لأن الفساد لفوات الرضاء ومنهم
ــ
[البناية]
م: (حق استرداد البائع وإن تداولته الأيدي) ش: ما لم يتصرف المشتري فيه تصرفا لازما يمكن نقضه م: (ولم يرض البائع بذلك) ش: أي والحال أن البائع لم يرض بذلك.
م: (بخلاف سائر البياعات الفاسدة) ش: حيث ينقطع فيها حق الاسترداد إذا تداولته الأيدي م: (لأن الفساد فيها لحق الشرع) ش: لأنه أقدم على ما نهاه عنه م: (وقد تعلق بالبيع الثاني حق العبد، وحقه مقدم لحاجته) ش: وعني صاحب الشرع م: (أما هاهنا) ش: أي في مسألة الإكراه م: (الرد لحق العبد) ش: وهو المكره، وأنه باق بعد البيع الثاني والثالث.
م: (وهما سواء) ش: أي البائع المكره والمشتري منه الذي باعه لآخر سيان في الحق م: (فلا يبطل حق الأول) ش: وهو البائع المكره م: (لحق الثاني) ش: أي لأجل حق الثاني وهو المشتري منه الذي باعه لآخر، وكذا الحكم في الثالث والرابع وهلم جرا.
وفي " الذخيرة ": البيع حصل بتسليط البائع الأول. وفي البياعات الفاسدة، وهاهنا ما حصل بتسليط المكره وهذا فرق جيد.
م: (قال رضي الله عنه) ش: أي صاحب الهداية: م: (ومن جعل البيع الجائز المعتاد بيعا فاسدا يجعله كبيع المكره) ش: وأراد به بيع الوفاء، وصورته أن يقول البائع للمشتري: بعت هذا منك بمالك علي من الدين على أني متى قضيت الدين فهو لي. وقال تاج الشريعة: صورته أن يقول البائع للمشتري: بعت منك هذا العين بكذا على أني لو دفعت إليك الثمن تدفع العين إلي.
أو تقول: بعت منك هذا بمالك من الدين على أني متى قضيت الدين فهو لي، فقوله "ومن" موصولة تتضمن معنى الشرط، وقوله: جعل البيع.. إلى آخره صلتها. وقوله: بيعا فاسدا مفعول ثان القول جعل البيع. وقوله: يجعله في محل الرفع على أنه خبر لقوله من وهم مشايخ بخارى فإنهم جعلوا هذا البيع كبيع المكره م: (حتى ينقض بيع المشتري من غيره، لأن الفساد لفوات الرضاء) ش: كما في بيع المكره عليه.
م: (ومنهم) ش: أي ومن المشايخ كالقاضي الإمام السند أبو شجاع السمرقندي والقاضي
من جعله رهنا لقصد المتعاقدين، ومنهم من جعله باطلا اعتبارا بالهازل. ومشايخ سمرقند رحمهم الله جعلوه بيعا جائزا مفيدا لبعض الأحكام على ما هو المعتاد للحاجة إليه.
ــ
[البناية]
على السعدي، والقاضي الإمام الحسن الماتريدي، وشيخ الإسلام عطاء وحمزة وغيرهم م:(من جعله) ش: أي البيع المذكور.
م: (رهنا لقصد المتعاقدين) ش: لأنهما قصدا أن يكون البيع محبوسا بالثمن المؤدى إلى حين رد الثمن إلى المشتري، فكان رهنا معنى، لأنهما وإن سميا بيعا لكن غرضهما الرهن والعبرة للمقاصد والمعاني فلا يملكه المرتهن ولا يطلق له الانتفاع إلا بإذن مالكه وهو ضامن كما أكل من ثمرة واستهلك من عينه والدين ساقط بهلاك في يده إذا كان وفاء بالدين، ولاضمان عليه في الزيادة إذا هلك بغير صنعه وللبائع استرداده إذا قضى دينه لا فرق عندنا بينه وبين الرهن.
م: (ومنهم) ش: أي ومن المشايخ م: (من جعله باطلا اعتبارا بالهازل) ش: لأنهما تكلما بلفظ البيع وليس قصدهما فكان لكل منهما أن يفسخ بغير رضا صاحبه. ولو أجاز أحدهما لم يجز على صاحبه والهازل أيضا راض بمباشرة السبب لكنه غير راض ولا مختار لحكمه فكان كخيار الشرط مؤبدا فالعقد فاسد غير موجب للملك.
م: (ومشايخ سمرقند رحمهم الله جعلوه بيعا جائزا) ش: قال الإمام نجم الدين النسفي: اتفق مشايخنا في هذا الزمان على صحته بيعا وكان عليه بعض السلف لأنهما تلفظا بلفظ البيع، والعبرة للملفوظ دون المقصود كمن تزوج امرأة بقصد أن يطلقها بعدما جامعها صح العقد، يعني لم يكن متعة، كذا في الفصول للأستروشني.
وذكر في " فتاوى قاضي خان " والإمام ظهير الدين: والصحيح أن العقد الذي جرى بينهما إن كان بلفظ البيع لا يكون رهنا، ثم ينظر إن كانا ذكرا شرط الفسخ في البيع فسد البيع، وإن لم يذكرا وتلفظا بالبيع جاز. وعندهما هذا البيع عبارة عن بيع غير لازم، فكذلك أي فاسد.
وإن ذكر البيع من غير شرط ثم ذكر الشرط على وجه الميعاد جاز البيع ويلزم الوفاء بالميعاد، لأن المواعيد قد تكون لازمة فيجل هذا الميعاد لازما
لحاجة
الناس م: (مفيدا لبعض الأحكام) ش: هو الانتفاع به دون البعض، وهو المبيع والهبة من آخره. واختار المصنف هذا القول، وأشار إليه بقوله البيع الجائز المعتاد م:(على ما هو المعتاد للحاجة إليه) ش: أي
لحاجة
الناس إليهم، لأنهم في عرفهم لا يفهمون لزوم البيع بهذا الوجه، فلا يجيزونه إلى أن يرد البائع الثمن إلى المشتري وبقي المشتري يرد البيع إلى البائع أيضا ولا يمنع عن الرد، فلهذا سموه بيع الوفاء لأنه وفى بما عاهد من رد المبيع.