الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل: طاهرا غير مدبوغ؛ لأن وصف الدباغة هو الذي حصله فلا يضمنه. وجه الأول - وعليه الأكثرون -: أن صفة الدباغة تابعة للجلد، فلا تفرد عنه، وإذا صار الأصل مضمونا عليه فكذا صفته.
ولو خلل الخمر بإلقاء الملح فيه قالوا عند أبي حنيفة رحمه الله: صار ملكا للغاصب ولا شيء له عليه، وعندهما: أخذه المالك، وأعطى ما زاد الملح فيه بمنزلة دبغ الجلد، ومعناه هاهنا: أن يعطي مثل وزن الملح من الخل، وإن أراد المالك تركه عليه
ــ
[البناية]
بالاستهلاك م: (وقيل: طاهرا غير مدبوغ) ش: أي قيل يضمن قيمته حال كونه طاهرا غير مدبوغ م: (لأن وصف الدباغة هو الذي حصله فلا يضمنه) ش: لكن من ضرورته زوال صفة النجاسة، وذلك غير حاصل بفعله، بل يتميز الجلد من الدسومات النجسة، قالوا عند أبي حنيفة صار ملكا للغاصب ولا شيء عليه؛ لأنه استهلاك فيوجب الملك لكن بغير شيء لكون المستهلك غير متقوم.
م: (وجه الأول) ش: وهو قول من يقول يضمنه قيمته مدبوغا م: (وعليه الأكثرون) ش: أي على الوجه الأول م: (أن صفة الدباغة تابعة للجلد فلا تفرد عنه) ش: أي عن الجلد م: (وإذا صار الأصل مضمونا عليه فكذا صفته) ش: تكون مضمونة تابعة للأصل.
وقال القدوري: ولو أن الغاصب جعل هذا الجلد أديما أو زقا أو دفترا أو جوابا أو فروا لم يكن للمغصوب منه على ذلك سبيل؛ لأنه تبدل الاسم والمعنى بصنع الغاصب، فكان هو أولى، فإن كان الجلد ذكيا فعليه قيمته يوم الغصب، وإن كان ميتة فلا شيء له كذا في " الإيضاح " و" الذخيرة ".
[غصب خمرا فخللها بإلقاء الملح فيها]
م: (ولو خلل الخمر بإلقاء الملح فيه قالوا عند أبي حنيفة رحمه الله: صار ملكا للغاصب ولا شيء عليه) ش: لأنه استهلاك إلا أن الخمر لم تكن متقومة والملح كان متقوما فيرجح جانب الغصب فيكون له بغير شيء.
وقوله: قالوا، أي أكثر المشايخ وهذا يشير إلى أن ثمة قولا آخر وهو ما قيل أن هذا والأول سواء؛ لأن الملح صار مستهلكا فيها فلا يعتبر، وهذا هو الوجه الثاني من الأوجه الثلاثة التي ذكرناها.
م: (وعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله م: (أخذه المالك وأعطى ما زاد الملح فيه بمنزلة دبغ الجلد) ش: وصبغ الثوب م: (ومعناه هاهنا) ش: أي معنى قوله وأعطى ما زاد الملح في مسألة تخليل الخمر بإلقاء الملح م: (أن يعطي) ش: أي صاحب الخل م: (مثل وزن الملح من الخل وإن أراد المالك تركه عليه) ش: أي على الغاصب.
وتضمينه فهو على ما قيل. وقيل في دبغ الجلد: ولو استهلكها لا يضمنها عند أبي حنيفة رحمه الله خلافا لهما، كما في دبغ الجلد. ولو خللها بإلقاء الخل فيها، فعن محمد رحمه الله: أنه إن صار خلا من ساعته يصير ملكا للغاصب، ولا شيء عليه؛ لأنه استهلاك له وهو غير متقوم،
وإن لم تصر خلا إلا بعد زمان، بأن كان الملقى فيه خلا قليلا، فهو بينهما على قدر كيلهما؛ لأنه خلط الخل بالخل في التقدير
ــ
[البناية]
م: (وتضمينه فهو على ما قيل. وقيل في دبغ الجلد) ش: أشار بتكرير قيل إلى القولين المذكورين في دبغ الجلد، يعني قيل ليس له ذلك بالاتفاق، وقيل ليس له ذلك عند أبي حنيفة رحمه الله.
الحاصل أنه يعتبر هذه المسألة بمسألة الدبغ إذا أراد المالك تركه على الغاصب وتضمينه وفيه قولان، في أحدهما قال يضمنه قيمة جلد مدبوغ.
وفي الثاني قال يضمنه قيمة جلد مذكى غير مدبوغ، وهاهنا كذلك إذا تركه عليه في قول يضمنه قيمة الخل ويعطيه ما زاد الملح فيه، وفي آخر يضمنه قيمة مثله عصيرا، وهذه التفريعات كلها على قولهما في الصورتين لا قول أبي حنيفة رحمه الله، ويحتمل أن يكون القولان ما قيل قبل هذين القولين.
م: (ولو استهلكها لا يضمنها) ش: وفي النسخ الكثيرة ولو استهلكه لا يضمنه، أي ولو استهلك الخل الذي جعل خلا بإلقاء الملح فيه م:(عند أبي حنيفة رحمه الله، خلافا لهما كما في دبغ الجلد) ش: وقد مر بيانه.
ومن المشايخ من جعل الجواب في الملح على التفصيل، فإن كان يسيرا لا قيمة له فحكمه حكم التخليل بغير شيء كالشمس، وإن ألقى فيها ملحا كثيرا يأخذها المالك عندهم جميعا ويعطي الغاصب ما زاد الملح فيه بمنزلة دبغ الجلد وصبغ الثوب، كذا ذكر قاضي خان في "شرحه ".
م: (ولو خللها بإلقاء الخل فيها) ش: أي ولو خلل الخمر التي غصبها بإلقاء خل فيها، وهذا هو القسم الثالث من الأوجه الثلاثة التي ذكرناها م:(فعن محمد رحمه الله: أنه إن صار خلا من ساعته يصير ملكا للغاصب ولا شيء عليه لأنه استهلاك له) ش: فيصير ملكا للمستهلك م: (وهو غير متقوم) ش: أي والحال أنه غير متقوم.
م: (وإن لم تصر خلا إلا بعد زمان، بأن كان الخل الملقى فيه خلا قليلا فهو بينهما) ش: أي بين الغاصب والمالك م: (على قدر كيلهما؛ لأنه خلط الخل بالخل في التقدير) ش: يعني أنه وإن كان
وهو على أصله ليس باستهلاك وعند أبي حنيفة رحمه الله: هو للغاصب في الوجهين، ولا شيء عليه لأن نفس الخلط استهلاك عنده، ولا ضمان في الاستهلاك؛ لأنه أتلف ملك نفسه. وعند محمد رحمه الله: لا يضمن بالاستهلاك في الوجه الأول لما بينا
ــ
[البناية]
خلط الخل بالخمر وهما جنسان مختلفان، وخلط الجنسين المختلفين استهلاك لكنه في التقدير كأنه خلط الخل بالخل نظرا إلى المال.
وهذا لأن في الخمر صلاحية أن يصير خلا وهي في حق المسلمين لا يصلح إلا لهذا، فإن تخللت بنفسها وطبعها لا ينقطع حق المالك عنها؛ لأنه لم يعارضها شيء، وإن تخللت بإلقاء شيء فيها وإن تخللت من ساعته يصير ملكا للخالط لأنه صار تبعا لملكه، فأضيف تخللها إلى ذلك. وإن تخللت بعد زمان يضاف تخللها إلى طبعها عملا بالدليلين فصار كأنه خلط الخل بالخل في التقدير.
م: (وهو على أصله ليس باستهلاك) ش: أي خلط الخل بالخل على أصل محمد رحمه الله ليس باستهلاك إذ خلط الجنس ليس باستهلاك وهو قول أبي يوسف أيضا، فيكون الخل مشتركا بينهما لأنه صار خالطا خل نفسه بخل غيره، فإذا أتلفه فقد أتلف خل نفسه وخل غيره، كذا في " جامع أبي اليسر ".
م: (وعند أبي حنيفة رحمه الله: هو للغاصب في الوجهين) ش: يعني فيما إذا صارت خلا من ساعتها، وفيما إذا صارت بعد زمان م:(ولا شيء عليه لأن نفس الخلط استهلاك عنده ولا ضمان في الاستهلاك؛ لأنه أتلف ملك نفسه) ش: أراد به الاستهلاك الحكمي بالخلط، وهذا تقريب لقوله؛ لأن نقص الخلط استهلاك عنده، يعني أن نفس الخلط استهلاك عنده ولا ضمان في هذا الاستهلاك.
ولما لم تكن هذه المقدمة مسلمة، استدل بقوله لأن أتلف ملك نفسه؛ لأنه خلط الخل بالخمر وقد ذكرنا أن الاستهلاك هنا عبارة عن فعل لا يصل الإنسان بسببه إلى عين حقه وإتلاف ملك نفسه لا يوجب الضمان، وأنه وإن أتلف الخمر أيضا لكنها غير متقومة، وإتلاف غير المتقوم لا يوجب الضمان أيضا.
م: (وعند محمد رحمه الله: لا يضمن بالاستهلاك في الوجه الأول) ش: أراد به فيما إذا صارت خلا من ساعته. وقال تاج الشريعة: أراد به الاستهلاك الحقيقي بعد أن صار خلا؛ لأنه بالخلط صار مستهلكا ولا ضمان عليه بهذا الاستهلاك؛ لأنه لاقى محلا غير متقوم، والاستهلاك الحقيقي بعده ورد على ملكه م:(لما بينا) ش: أشار به إلى قوله لأنه استهلاك له