الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلا بد من الدباغ، وكما يطهر لحمه يطهر شحمه حتى لو وقع في الماء القليل لا يفسده خلافا له، وهل يجوز الانتفاع به في غير الأكل؟ قيل: لا يجوز اعتبارا بالأكل، وقيل: يجوز كالزيت إذا خالطه ودك الميتة، والزيت غالب لا يؤكل وينتفع به في غير الأكل.
قال: ولا يؤكل من حيوان الماء إلا السمك
ــ
[البناية]
فرق بين أن يكون الذبح من غير أهل الذكاة وبين أن يكون المذبوح من جنس المذكى ألا ترى أن المسلم لو ذبح خنزيرا لا يحل أكله كما أن المجوسي لو ذبح شاة لا يحل أكلها.
قلنا: قد اتفقا في أن المجوسي أيضا على أنه ليس من أهل الذكاة فلم يتفق على أن الكلب والفهد ليس من جنس المذكى بل هو من جنس الذكاة؛ لأنه مختلف في إباحة أكله كذا في " مختصر الأسرار ".
م: (فلا بد من الدباغ) ش: يعني إذا كان ذبح المجوسي إماتة في الشرع فلا بد من الدباغ في جلد ما ذكاه لعدم حصول الطهارة بذبحه ثم أعلم أنهم اختلفوا في أن الموجب لطهارة ما لا يؤكل لحمه مجرد الذبح والذبح مع التسمية قبل مجرد الذبح؛ لأنه يؤثر في إزالة الدم المسفوح وقيل الذبح مع التسمية لأن المطهر هو الذكاة ولا ذكاة بدون التسمية كما في غريب [
…
] للفربري م: (وكما يطهر لحمه يطهر شحمه حتى لو وقع في الماء القليل لا يفسده) ش: قيد بالقليل لأن الكثير لا يفسد بلا خلاف خصوصا على مذهب الشافعي رحمه الله، فإن عنده إذا بلغ الماء قلتين لا ينجس إلا باليقين والقلتان عنده كثير.
م: (خلافا له) ش: للشافعي، أن شحمه أيضا لا يطهر كما لا يطهر لحمه وجلده، م:(وهل يجوز الانتفاع به في غير الأكل؟) ش: أي نحو الاستصباح، ودهن الجلود، ونحوها.
م: (قيل: لا يجوز اعتبارا بالأكل، وقيل: يجوز كالزيت إذا خالطه ودك الميتة) ش: الودك بفتح الواو والدال وهو الدسم م: (والزيت غالب) ش: أي والحال أن الزيت غالب م: (لا يؤكل) ش: أي الزيت مما إذا لم يجز أكله فيما إذا كان الزيت غالبا، ففيما إذا كان مغلوبا بالطريق الأولى.
(وينتفع به) ش: أي بالزيت المذكور م: (في غير الأكل) ش: كالاستصباح ونحوه كما ذكرنا.
[حيوان البحر من السمك ونحوه]
م: (قال: ولا يؤكل من حيوان الماء إلا السمك) ش: أي قال القدوري رحمه الله في " مختصره ": وقال الكرخي رحمه الله: كره أصحابنا كل ما في البحر إلا السمك خاصة فإنه حلال أكله إلا ما طفى منه فإنهم كرهوه. وقال شيخ الإسلام خواهر زاده: ويكره أكل ما سوى السمك من دواب البحر عندنا كالسرطان، والسلحفاة، والضفدع وخنزير الماء. م:
وقال مالك رحمه الله وجماعة من أهل العلم بإطلاق جميع ما في البحر، واستثنى بعضهم الخنزير والكلب والإنسان وعن الشافعي رحمه الله: أنه أطلق ذلك كله، والخلاف في الأكل والبيع واحد لهم: قَوْله تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] من غير فصل، وقوله عليه الصلاة والسلام في البحر «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» . ولأنه لا دم في هذه الأشياء إذ الدموي لا يسكن الماء، والمحرم هو الدم فأشبه السمك.
ــ
[البناية]
م: (وقال مالك رحمه الله وجماعة من أهل العلم) ش: ابن أبي ليلى والشافعي في قوله وأصحاب الظاهر م: (بإطلاق جميع ما في البحر) ش: أي إباحة جميع ما في البحر من الحيوان م: (استثنى بعضهم) ش: أي بعض الجماعة المذكورة وأراد به الشافعي؛ لأنه قال: جميع ما في البحر يؤكل.
م: (الخنزير والكلب والإنسان) ش: أي خنزير البحر وكلبه وإنسانه وهو قول الليث رحمه الله أيضا م: (وعن الشافعي رحمه الله: أنه أطلق ذلك كله) ش: أي جميع ما في البحر وبه قال أحمد في رواية عن الشافعي يؤكل جميع ما في البحر إلا الضفدع. وبه قال أحمد في رواية، وقال ابن الجلاب البصري في " التفريع ": وصيد البحر حلال أكله ويكره أكل كلب الماء وخنزيره من غير تحريم له.
م: (والخلاف في الأكل والبيع واحد) ش: أي الخلاف المذكور بيننا وبين مالك وجماعة والشافعي سواء في جواز الأكل وجواز البيع م: (لهم) ش: أي للشافعي م: (قَوْله تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] من غير فصل) ش: أي من غير فرق بين السمك وغيره، فإطلاق الآية يتناول الكل م: (وقوله عليه الصلاة والسلام في البحر: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته»
ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي رحمه الله من طريق مالك عن صفوان عن سعيد بن سلمة من آل الأزرق عن المغيرة بن أبي بردة وهو من بني عبد الدار أخبره أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: «سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال: " هو الطهور ماؤه الحل ميتته» وقال الترمذي رضي الله عنه: حديث حسن صحيح.
م: (ولأنه لا دم في هذا الأشياء إذ الدموي لا يسكن الماء) ش: لأن طبع الدم يضاد طبع الماء لأن الدم حار والماء بارد م: (والمحرم هو الدم فأشبه السمك) ش: أي فأشبه ما في البحر من الحيوانات كلها كالسمك في عدم الدم الذي هو المحرم إلا الضفدع استثناه الشافعي في قول: «لنهيه صلى الله عليه وسلم عن قتله،» رواه النسائي.
ولنا قَوْله تَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وما سوى السمك خبيث، ونهى رسول الله عليه الصلاة والسلام عن دواء يتخذ فيه الضفدع ونهى عن بيع السرطان
ــ
[البناية]
م: (ولنا قَوْله تَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] ، وما سوى السمك خبيث) ش:؛ لأن الخبيث ما يستخبثه الطبع السليم، وما سوى السمك يستخبثه الطبع السليم فيحرم.
م: «ونهى رسول الله عليه الصلاة والسلام عن دواء يتخذ فيه الضفدع» ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود في " الطب " وفي " الأدب ". والنسائي في " الصيد " عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد عن سعيد بن المسيب «عن عبد الرحمن بن عثمان القرشي أن طبيبا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضفدع يجعلها في دواء فنهى عن قتلها» .
ورواه أحمد وإسحاق بن راهويه وأبو داود الطيالسي في " مسانيدهم " والحاكم في " المستدرك - في الطب " وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال البيهقي: هو أقوى ما ورد في الضفدع.
وقال الحافظ المنذري: فيه دليل على تحريم أكل الضفدع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتله والنهي عن قتل الحيوان إما لحرمته كالآدمي، وإما لتحريم أكله كالصرد والهدهد والضفدع ليس بمحترم فكان النهي منصرفا إلى الوجه الآخر.
م: (ونهى عن بيع السرطان) ش: أي «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع السرطان» وهو ليس بموجود في الكتب المشهورة في الحديث وليس له أصل.
فإن قلت: روى أبو داود رحمه الله وغيره مسندا إلى جابر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر علينا أبا عبيدة بن الجراح نتلقى عيرا لقريش وزودنا جرابا جرابا من تمر لم يجد له غيره، فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة كنا نمصها كما يمص الصبي ثم نشرب عليها من الماء فتكفينا يومنا إلى الليل وكنا نضرب بعصينا الخبط ثم نبله بالماء، فنأكله. وانطلقنا على ساحل البحر فرفع لنا كهيئة الكثيب الضخم، فأتيناه فإذا هو دابة تدعى العنبر، فقال أبو عبيدة: ميتة، ولا تحل لنا، ثم قال: لا، بل نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي سبيل الله، وقد اضطررتم إليه فكلوا، فأقمنا عليه شهرا، ونحن ثلاثمائة حتى سمنا، فلما قدمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرنا ذلك له، فقال: " هو رزق أخرجه الله لكم، فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا [منه] ) ؟ " فأرسلنا [منه] إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأكل» .
والصيد المذكور فيما تلا محمول على الاصطياد وهو مباح فيما لا يحل، والميتة المذكورة فيما روي محمولة على السمك
ــ
[البناية]
وهذا يدل على إباحة ما في البحر سوى السمك.
قلت: المراد منها السمك والدليل عليه ما رواه البخاري رحمه الله عن جابر رضي الله عنه قال غزونا جيش الخبط وأميرنا أبو عبيدة، فجعنا جوعا شديدا فألقى البحر حوتا ميتا لم ير مثله يقال له العنبر، فأكلنا منه نصف شهر وأخذ أبو عبيدة عظما من عظامه فمر الراكب تحته، والخبط بفتحتين الورق.
م: (والصيد المذكور فيما تلا محمول على الاصطياد) ش: جواب عن استدلالهم فيما ذهبوا إليه في قوله سبحانه وتعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] .
تقريره: أن المراد من لفظ الصيد هو المصدر وهو الاصطياد فيتناول ما يحل وما يحرم وليس المراد منه الاسم، وقد قررناه فيما مضى.
فإن قلت: لو كان يستقيم حمله لكانت الكناية من قوله سبحانه وتعالى: {وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] لا يستقيم حمله على الاصطياد فإنها راجعة إلى الصيد.
قلت: الطعام المذكور محمول على السمك لأن المتعارف أنه طعام البحر والكناية تنصرف إلى البحر قوله: " فيما تلا " الصواب " فيما تلي " على صيغة المجهول وهكذا هو في النسخ الصحيحة.
م: (وهو) ش: أي الاصطياد م: (مباح فيما لا يحل) ش: لمنافع أخرى غير الأكل م: (والميتة المذكورة فيما روي محمولة على السمك) ش: هذا أيضا، جواب على استدلالهم بقوله صلى الله عليه وسلم في البحر:«هو الطهور ماؤه الحل ميتته» أي الميتة المذكورة في الحديث، محمولة على السمك. وقوله: روي على صيغة المجهول أيضا على ما لا يخفى على الفطن.
فإن قلت: هذا خبر آحاد فكيف يجوز تخصيص الكتاب وهو قوله سبحانه وتعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] .
قلت: هذا خبر مشهور قد تأيد بالإجماع فيجوز تخصيص الكتاب به، على أن حكم السمك ثبت بقوله سبحانه وتعالى:{تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} [فاطر: 12] . مع أنه لا تعارض بين الكتاب والخبر لأن الميتة المحلاة باللام جنس إذا لم يكن معهودا، والميتة من الدمويات المعهودة بدليل قوله سبحانه وتعالى:{أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] فعلم أن الميتة تكون ميتة باعتبار الدم المسفوح، ولا دم للسمك فيصرف إلى العهد فلا يبقى التعارض.
وهو حلال مستثنى من ذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: «أحلت لنا ميتتان ودمان، أما الميتتان فالسمك والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال»
ــ
[البناية]
م: (وهو حلال مستثنى من ذلك) ش: أي السمك حلال مستثنى عما لا يحل م: (لقوله عليه الصلاة والسلام: «أحلت لنا ميتتان ودمان، أما الميتتان فالسمك والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال» .
ش: هذا الحديث أخرجه ابن ماجه في كتاب " الأطعمة " عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أحلت لنا.» . " إلى آخره.
ورواه أحمد والشافعي وعبد بن حميد رحمه الله في " مسانيدهم ". ورواه ابن حبان رحمه الله في كتاب " الضعفاء " وأعله بعبد الرحمن، وقال: إنه كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم حتى كثر ذلك في روايته من رفع الموقوفات وإسناد المراسيل، فاستحق الترك.
وأخرجه الدارقطني رحمه الله في " سننه " عن عبد الله وعبد الرحمن ابني زيد بن أسلم عن أبيهما. وأخرجه ابن عدي في " الكامل " عن عبد الله فقط.
وعبد الله وعبد الرحمن ضعيفان إلا أن أحمد وثق عبد الله، وأسند ابن عدي إلى أحمد أنه قال: عبد الله ثقة، وأخواه عبد الرحمن وأسامة ضعيفان.
وقال ابن عدي: وهذا الحديث يدور على هؤلاء الإخوة الثلاثة، وأسند ابن معين أنه قال: ثلاثتهم ضعفاء قال ليس حديثهم بشيء في " التنقيح " هو موقوف في حكم المرفوع.
وقال الدارقطني في " علله ": وقد رواه المسور بن الصلت عن زيد بن أسلم.
وقال ابن عدي: وابن وهب يرويه عن سليمان بن بلال رضي الله عنه موقوفا فرواه عن أبيه عن ابن عمر مرفوعا، وعن ابن زيد بن أسلم يرويه عن زيد بن أسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفا وهو الصواب.
قال في " التنقيح " وهذه الطريق رواها الخطيب بإسناده إلى المسور بن الصلت. والمسور ضعفه أحمد والبخاري وأبو زرعة وأبو حاتم وقال النسائي متروك الحديث، انتهى.
قلت: وله طريق آخر قال ابن مردويه في " تفسيره - في سورة الأنعام " حدثنا عبد الباقي