الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما تبطل به الشفعة قال: وإذا ترك الشفيع الإشهاد حين علم بالبيع، وهو يقدر على ذلك بطلت شفعته لإعراضه عن الطلب، وهذا لأن الإعراض إنما يتحقق حالة الاختيار وهي عند القدرة. قال: وكذلك إن أشهد في المجلس ولم يشهد على أحد المتبايعين ولا عند العقار وقد أوضحناه فيما تقدم.
قال: وإن
صالح من شفعته على عوض
بطلت شفعته ورد العوض
ــ
[البناية]
م: (باب ما تبطل به الشفعة)
ش: أي هذا باب في بيان ما تبطل به الشفعة وأوجهه؛ لأن الإبطال بعد الثبوت.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا ترك الشفيع الإشهاد حين علم بالبيع، وهو يقدر على ذلك) ش: أي والحال أنه يقدر على ذلك الإشهاد حين العلم م: (بطلت شفعته لإعراضه عن الطلب) ش: أما إذا كان هناك مانع والظاهر أنه ترك الإشهاد لا للإعراض فلا يسقط حقه، كما إذا اشترى دارا والشفيع في بلد آخر وبينهما قوم يحاربون وهو لا يقدر على بعث الوكيل كان على شفعته. وكذا لو كان بينهما نهر مخوف أو أرض مسبغة.
فإن قيل: قد ذكر قبل هذا أن طلب الإشهاد ليس بلازم وقد ذكر في " الذخيرة " أن الإشهاد ليس بشرط، وإنما ذكر أصحابنا الإشهاد عند هذا الطلب في الكتب احتياطيا لتمكن إثباته عند إنكار المشتري، فما وجه التوفيق بينهما.
أجيب: بأنه يحتمل أن يراد بالإشهاد نفس طلب المواثبة؛ لأن طلب المواثبة لا ينفك عن الإشهاد في حق علم القاضي، وسمي هذا الطلب إشهادا بدليل ما ذكره من التعليل في حق ترك طلب المواثبة مثل ما ذكره في التعليل هاهنا.
قلت: إذا فسر الإشهاد بطلت المواثبة كما فسره تاج الشريعة هكذا لإيراد السؤال المذكور، فلا يحتاج إلى الجواب.
م: (وهذا) ش: يعني اشتراطه القدرة م: (لأن الإعراض إنما يتحقق حالة الاختيار، وهي عند القدرة) ش: فالإعراض يتحقق عند القدرة، حتى لو سمع وهو في الصلاة فترك طلب المواثبة فهو على شفعته. وكما إذا أخذ فم الشفيع أخذ حين بلغه الخبر م:(وكذلك إن أشهد في المجلس ولم يشهد على أحد المتابعين ولا عند العقار) ش: أراد به طلب المواثبة وترك طلب التقرير فإنه يسقط شفعته أيضا م: (وقد أوضحناه فيما تقدم) ش: أشار به إلى ما ذكره في باب طلب الشفعة.
[صالح من شفعته على عوض]
م: (وإن صالح من شفعته على عوض بطلت شفعته) ش: بلا خلاف بين الأئمة الأربعة م: (ورد العوض) ش: وبه قال الشافعي وأحمد رحمهما الله وقال مالك رحمه الله: لا
لأن حق الشفعة ليس بحق مقرر في المحل، بل هو مجرد حق التملك فلا يصح الاعتياض عنه، ولا يتعلق إسقاطه بالجائز من الشرط فبالفاسد أولى
ــ
[البناية]
يرد العوض؛ لأنه عوض إزالة الملك، فجاز أخذ العوض له عنه كالصلح عن القصاص م:(لأن حق الشفعة ليس بحق متقرر في المحل) ش: يعني أن الشفيع ليس له ملك في المحل بل له حق التعرض بالملك، فتسليمه الشفعة يكون ترك العوض منه، وهو معنى قوله م:(بل هو مجرد حق التمليك) ش: وهو حق التعرض للملك بخلاف القصاص؛ لأن لوليه ملكا متقررا.
ألا ترى أن من عليه القصاص كالمملوك له في حق الاستيفاء، ولهذا يجوز له الاستيفاء بدون مرافعة الحاكم م:(فلا يصح الاعتياض عنه) ش: يعني إذا كان ليس بحق متقرر في المحل لا يصح الاعتياض عنه؛ لأن حق الشفعة ثبت بخلاف القصاص لدفع الضرر فلا يظهر ثبوته في حق الاعتياض.
م: (ولا يتعلق إسقاطه بالجائز من الشرط) ش: أي لا يتعلق إسقاط حق الشفعة بالجائز من الشرط وهو مال ما ليس فيه ذكر مال م: (فبالفاسد أولى) ش: وهو ما فيه ذكر مال، تقريره أنه لو قال الشفيع سقطت شفعتي فيما اشتريت حتى لا يطلب الثمن مني، هذا الشرط جائز لأنه يلائم، ومع هذا لم يتعلق سقوط الشفعة بهذا الشرط، بل يسقط بمجرد قوله أسقطت بدون تحقق الشرط، فلأن لا يتعلق سقوطه بالفاسد وهو شرط الاعتياض عن حق ليس بمال، وأنه رشوة أولى.
وفي " جامع قاضي خان ": الشرط الملائم شرط ليس فيه ذكر المال كما لو قال سلمت شفعتك على أن بعتنيها أو وليتنيها أو أجرتنيها أو دفعتنيها مزارعة أو معاملة. وكذا لو باع شفعته من البائع أو المشتري بمال تسقط الشفعة بالاتفاق ولا يلزمه المال.
والفاصل بين الملائم وغيره أن ما كان فيه يوقع الانتفاع بمنافع المشفوع، كالإجارة، والعارية، والتولية، ونحوها فهو ملائم؛ لأن الأخذ بالشفعة يستلزمه. وما لم يكن فيه ذلك، كأخذ العوض فهو غير ملائم؛ لأنه إعراض غير لازم الأخذ.
والحاصل: أن كل عقد تعلق جوازه بالجائز من الشرط فالفاسد فيه يبطله كالبيع، وما لا يتعلق جوازه بالجائز من الشرط وهو أن يقول أسقطت الشفعة بشرط، أن لا يطلب الثمن مني فالفاسد فيه لا يبطله وهو الاعتياض، فبقي الإسقاط صحيحا جائزا وبيان الأولوية أن الشرط الجائز سلم عن المعارض لأنه يقتضي الجواز، وإسقاط الشفعة كذلك.
والشرط الفاسد لا يسلم عن المعارض لأنه يقتضي الفساد، وإسقاط الشفعة يقتضي
فيبطل الشرط ويصح الإسقاط،
ــ
[البناية]
الجواز مع سلامته، حيث لم يتعلق الإسقاط، فلأن لا يؤثر ما لم يسلم عن المعارض، كان أولى م:(فيبطل الشرط ويصح الإسقاط) ش: أي إذا كان لا يتعلق إسقاط الشفعة بالجائز من الشرط، وبالفاسد منه بطريق الأولى يبطل الشرط ويصح الإسقاط، لا يقال: لم يثبت فساد هذا الشرط، فكيف يصح الاستدلال به؛ لأنا نقول يثبت بالدليل الأول فصح به الاستدلال.
وقال الأترازي: ولنا فيه نظر؛ لأن إسقاط حق الشفعة يتعلق بالجائز من الشرط، ألا ترى إلى ما قال محمد في " الجامع الكبير ": لو قال الشفيع: سلمت شفعة هذه الدار إن كنت اشتريتها لنفسك، وقد اشتراها لغيره.
أو قال البائع: سلمتها لك إن كنت بعتها لنفسك، وقد باعها لغيره فهذا ليس بتسليم، وذلك لأن الشفيع علق التسليم بشرط، وصح هذا التعليق؛ لأن تسليم الشفعة إسقاط محض كالطلاق، والعتاق، ولهذا لا يرتد بالرد، وما كان إسقاطا محضا صح تعليقه بالشرط، وما صح بتعليقه بالشرط لا ينزل إلا بعد وجود الشرط، فلا يترك التسليم، انتهى.
قلت: استخرج هذا النظر الغير وارد من قول الشيخ أبي المعين النسفي في شرح " الجامع الكبير " حيث قال: فيه.
فإن قيل: إذا لم يجب العوض يجب أن لا يبطل شفعته أيضا؛ لأنه لما أبطل حقه في الشفعة بشرط سلامة العوض، فإذا لم يسلم يجب أن لا يبطل كما في الكفالة بالنفس إذا صالح الكفيل المكفول له على مال حتى يبرئه من الكفالة لما لم يجب العوض لم تثبت البراءة.
قيل له: بأن المال لا يصلح عوضا عن الشفعة، فصار كالخمر والخنزير في باب الخلع والصلح عن دم العمد، وثمة يقع الطلاق ويسقط القصاص إذا وجد القبول من المرأة والقابل ولم يجب شيء، كذا هنا.
وأما الصلح عن الكفالة بالنفس فكذلك على ما ذكر محمد في كتاب الشفعة من " المبسوط " وكتاب الكفالة والحوالة من " المبسوط " في رواية أبي حفص رضي الله عنه وعلى ما ذكر في الكفالة والحوالة على رواية أبي سليمان رضي الله عنه لا يبرأ ويحتاج إلى الفرقة، والفرق أن حق الشفيع قد سقط بعوض معني، فإن الثمن سلم له، فإنه متى أخذ الدار بالشفعة وجب عليه الثمن.
وكذا لو باع شفعته بمال لما بينا، بخلاف القصاص لأنه حق متقرر، وبخلاف الطلاق والعتاق لأنه اعتياض عن ملك في المحل. ونظيره إذا قال للمخيرة: اختاريني بألف،
ــ
[البناية]
فمتى سلم له الثمن فقد سلم له نوع عوض بإزاء التسليم، فلا بد من القول لسقوط حقه في الشفعة، فإن المكفول له لم يرض بسقوط حقه عن الكفيل بغير عوض ولم يحصل له عوض أصلا فلا يسقط حقه في الكفالة، انتهى. ومن هذا الجواب يحصل الجواب عن النظر المذكور.
م: (وكذا لو باع شفعته بمال) ش: يعني من البائع أو المشتري تسقط شفعته بالاتفاق ولا يلزمه المال؛ لأن البيع تمليك مال بمال، وحق الشفعة لا يحتمل التمليك، فصار عبارة عن الإسقاط مجازا، كبيع الزوج زوجته من نفسها، وهذا إذا باع من البائع أو المشتري لأنه إعراض عن الشفعة، أما إذا باع عن الأجنبي يبطل العوض، ولا تبطل الشفعة لأنه تحقيق للشفعة وتقريرها كذا في " الجامع الكبير " م:(لما بينا) ش: أشار به إلى قوله أن حق الشفعة مجرد حق التملك فلا يصح الاعتياض عنه.
م: (بخلاف القصاص لأنه حق متقرر) ش: هذا جواب عما يقال حق الشفعة كحق القصاص في كونه غير مال، والاعتياض عنه صحيح، فأجاب عنه بقوله بخلاف القصاص لأنه حق متقرر، والفاصل بين المتقرر وغيره أن ما يعتبر بالصلح عما كان قبله فهو متقرر وغيره غير متقرر، واعتبر في ذلك في الشفعة والقصاص، فإن نفس القاتل كانت مباحة في حق من له القصاص، وبالصلح حصل بالعصمة في دمه، فكان حقا متقررا.
وأما في الشفعة فإن المشتري يملك الدار قبل الصلح وبعده على وجه واحد فلم يكن حقا مقصودا.
م: (وبخلاف الطلاق والعتاق) ش: هذا جواب عما يقال حق الشفعة كحق الطلاق والعتاق في كونها غير مال، فأجاب بقوله بخلاف الطلاق والعتاق م:(لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الطلاق والعتاق م: (اعتياض عن ملك في المحل) ش: تقريره أن الطلاق والعتاق ليس بمال لكن للزوج ذلك في المحل فيجوز الاعتياض عنه، أما الشفيع فلا ملك له في المحل بل له حق التملك.
ولهذا كان لولي الصغير أن يسقط الشفعة، ولو كان له ملك لما جاز له ذلك م:(ونظيره) ش: أي نظير حق الشفعة م: (إذا قال للمخيرة: اختاريني بألف) ش: يعني إذا قال الزوج لامرأته اختاري نفسك ثم ندم فقال اختاريني بألف، فإن الحق يسقط ولا يجب المال، فتكون المخيرة نظير حق الشفعة.
أو قال العنين لامرأته: اختاري ترك الفسخ بألف فاختارت. سقط الخيار ولا يثبت العوض، والكفالة بالنفس في هذا بمنزلة الشفعة في رواية، وفي أخرى: لا تبطل الكفالة ولا يجب المال. وقيل: هذه رواية في الشفعة، وقيل: هي في الكفالة خاصة وقد عرف في موضعه.
ــ
[البناية]
م: (أو قال العنين لامرأته: اختاري ترك الفسخ بألف فاختارت سقط الخيار ولا يثبت العوض) ش: لأنه مالك لبضعها قبل اختيارها وبعده على وجه واحد، فكان أخذ العوض لكل مال بالباطل وهو لا يجوز م:(والكفالة بالنفس في هذا) ش: أي في إسقاطها بعوض م: (بمنزلة الشفعة في رواية) ش: أي في رواية الكفالة والحوالة والشفعة والصلح من رواية أبي حفص، يعني إذا قال الكفيل بالنفس للمكفول له: صالحني على كذا بأن تأخذه مني وتسقط مالك من حق الطلب، فصالحنا، ففيه روايتان، في رواية ما ذكرنا من الكتب يبطل، قيل: وعليه الفتوى ولا يلزم المكفول له شيء؛ لأن حق الكفيل في الفعل وهو الطلب فلا يصح الاعتياض عنه.
م: (وفي أخرى) ش: أي وفي الرواية الأخرى وهي رواية كتاب الصلح من رواية أبي سليمان م: (لا تبطل الكفالة ولا يجب المال) ش: فيحتاج إلى الفرق بين الكفالة بالنفس وبين الشفعة والفرق أن الكفالة بالنفس حق قوي لا يسقط بعد ثبوتها إلا بالإسقاط التام ولا يسقط إلا بعد تمام الرضاء به، ولهذا لا يسقط بالسكوت، وإنما يتم رضاه بسقوطه إذا أوجب له المال، فإذا لم يجب لم يكن راضيا، فأما سقوط الشفعة فليس يعتمد الإسقاط، وتمام الرضا به. ألا ترى أن السكوت بعد العلم به يسقط.
م: (وقيل: هذه رواية في الشفعة) ش: أي رواية أبي سليمان في الكفالة تكون رواية في الشفعة أيضا، حتى لا تسقط الشفعة بالصلح على مال. حاصله أن التنصيص في الكفالة أنها لا تسقط ولا تجب المال يكون مضاف الشفعة بعدم سقوطها وأنه لا يجب المال.
م: (وقيل: هي في الكفالة خاصة) ش: أي رواية أبي سليمان، أراد هذا الحكم، أعني عدم الوجوب وعدم السقوط يختص بالكفالة. وقال الإمام العتابي في كتاب "الشفعة" في شرح " الجامع الكبير ": والكفيل إذا صالح المكفول له على دراهم على أن يبرئه عن الكفالة فأبرأه صح الإبراء في رواية أبي حفص في كتاب "الكفالة" ولا شيء له من الدراهم.
وفي رواية أبي سليمان لم يصح الإبراء م: (وقد عرف في موضعه) ش: أي في " المبسوط " لأنه التزام المال بمقابلة ما ليس بمال وهو سقوط حق الشفعة والبراءة عن المطالبة فكان بمعنى الرشوة. وفي " المبسوط " صلح الشفيع مع المشتري على ثلاثة أوجه منها صالحه على أخذ نصف الدار بنصف الثمن. ومنها ما صالحه على أخذ بيت من الدار بعينه بحصته في