الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأن انكشاف الحرمة خفاء فيعذر بالجهل فيه كالجهل بالخطاب في أول الإسلام أو في دار الحرب
قال: وإن أكره على الكفر بالله تعالى والعياذ بالله أو سب رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيد أو حبس أو ضرب لم يكن ذلك إكراها حتى يكره بأمر يخاف منه على نفسه أو على عضو من أعضائه؛ لأن الإكراه بهذه الأشياء ليس بإكراه في شرب الخمر لما مر، ففي الكفر وحرمته أشد أولى وأحرى. قال: وإذا خاف على ذلك وسعه أن يظهر ما أمروه به ويوري، فإن أظهر ذلك وقلبه مطمئن بالإيمان فلا إثم عليه لحديث «عمار بن ياسر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -
ــ
[البناية]
م: (لأن في انكشاف الحرمة خفاء) ش: لأنه أمر يستأثر بمعرفته الفقهاء، فيكون أوساط الناس مغرورين فيه م:(فيعذر بالجهل فيه) ش: لخفائه عليه م: (كالجهل بالخطاب في أول الإسلام) ش: حيث كان عذرا م: (أو في دار الحرب) ش: بأن أسلم في دار الحرب لا يجب عليه شيء ما لم يعلم بأوامر الشرع.
فإن قيل: إضافة الإثم إلى ترك المباح من باب فساد الوضع وهو فاسد. فالجواب: أن المباح إنما يجوز تركه والإتيان به إذا لم يترتب عليه محرم، وهاهنا قد ترتب عليه قتل النفس المحرم فصار الترك حراما، لأن ما أفضى إلى الحرامِ حرام.
[الإكراه على الكفر أو سب الرسول]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن أكره على الكفر بالله، والعياذ بالله أو سب رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيد أو حبس أو ضرب لم يكن ذلك إكراها حتى يكره بأمر يخاف منه على نفسه أو عضو من أعضائه لأن الإكراه بهذه الأشياء ليس بإكراه في شرب الخمر لما مر) ش: في أول الفصل م: (ففي الكفر وحرمته) ش: أي والحال أن حرمة الكفر م: (أشد أولى وأحرى) ش: بأن لا يكون إكراها.
وقوله: أشد خبر لقوله وحرمته، وقوله أولى خبر لقوله ففي الكفر تقديره عدم كون الإكراه في الكفر أولى.
م: (قال: فإذا خاف على ذلك) ش: يعني على نفسه أو على عضو من أعضائه م: (وسعه أن يظهر ما أمروه به) ش: الضمير في أمروه يرجع إلى المكره بالفتح وفي يد إلى ما في قوله ما أمروه م: (ويوري) ش: بنصب الياء، أي وأن يوري عطفا على قوله أن يظهر وهو من التورية وهو أن يظهر خلاف ما يضمره وهو الإتيان بلفظ يحتمل معنيين بأن يظهر الكفر باللسان مع إضمار الإيمان في قلبه.
م: (فإن أظهر ذلك) ش: أي التلفظ بالكفر م: (وقلبه مطمئن بالإيمان) ش: أي والحال أن قلبه مطمئن بالإيمان م: (فلا إثم عليه) ش: أي فلا إثم عليه حينئذ م: (لحديث «عمار بن ياسر
حين ابتلي به وقد قال له النبي عليه الصلاة والسلام: "كيف وجدت قلبك؟ " قال: مطمئنا بالإيمان، فقال عليه الصلاة والسلام: "فإن عادوا فعد»
ــ
[البناية]
- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حين ابتلي به، وقد قال له النبي عليه الصلاة والسلام "كيف وجدت قلبك؟ "، قال: مطمئنا بالإيمان، فقال عليه الصلاة والسلام "إن عادوا فعد» .
ش: هذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك في تفسير سورة النحل من حديث عبيد الله بن عمر الرقي، عن عبد الكريم بن مالك الجزري، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه قال:«أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوني حتى سببت النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير، فلما أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم[قال] ما وراءك؟ قال: سر يا رسول الله صلى الله عليه وسلم تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير، قال: "كيف تجد قلبك"، قال: مطمئنا بالإيمان، قال: "فإن عادوا فعد» وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وأخرجه البيهقي في "المعرفة " وأبو نعيم في " الحلية " في ترجمة عمار، ورواه عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا معمر عن عبد الكريم الجزري به، وعن عبد الرزاق رواه إسحاق بن راهويه في "مسنده " في مسند عمار بن ياسر.
قوله: فإن عادوا قال بعض الشراح: أي إن عادوا إلى الإكراه فعد إلى طمأنينة القلب لا إلى إجراء كلمة الكفر، إذ لا يجوز منه عليه السلام الأمر بإجراء كلمة الكفر.
وقال صاحب " العناية ": معناه عد إلى طمأنينة القلب لا إلى الإجراء والطمأنينة جميعا، لأن أدنى درجات الأمر الإباحة فيكون إجراء كلمة الكفر مباحا وليس كذلك، لأن الكفر مما لا تنكشف حرمته.
وقال تاج الشريعة: وبعض العلماء يحملون قوله فإن عادوا فعد على ظاهره، يعني إن عادوا إلى الإكراه فعد إلى ما كان منك من النيل مني وذكر آلهتهم بخير وهو غلط، فإنه لا يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يأمر أحدا بالتكلم بكلمة الشرك، ولكن مراده إن عادوا إلى الإكراه فعد إلى طمأنينة القلب بالإيمان، وهذا لأن التكلم إن كان مرخصا به فالامتناع منه أفضل.
وقال الأترازي: يعني إن عاد الكفار إلى الإكراه فعد إلى طمأنينة القلب بالإيمان.
يعني فاثبت على الطمأنينة وهو أمر بالثبات على ما كان لا أمر بما ليس بكائن من
وفيه نزل قول الله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106](النحل: الآية 106) ولأن بهذا الإظهار لا يفوت الإيمان حقيقة لقيام التصديق، وفي الامتناع فوت النفس حقيقة فيسعه الميل إليه. قال: فإن صبر حتى قتل ولم يظهر الكفر كان مأجورا، لأن خبيبا رضي الله عنه صبر على ذلك حتى صلب وسماه رسول الله عليه الصلاة والسلام سيد الشهداء، وقال في مثله:«هو رفيقي في الجنة» .
ــ
[البناية]
الطمأنينة كما في قَوْله تَعَالَى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] معناه إن عادوا إلى الإكراه ثانيا فعد أنت إلى مثل ما أتيت به أولا من إجراء كلمة الكفر على اللسان وطمأنينة القلب بالإيمان، انتهى.
قلت: هذا صواب من الكل لأن مقتضى التركيب هذا على ما لا يخفى ولا نسلم أنه أمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم: بالتكلم بكلمة الشرك، بل هذا التشريع للمبتلى بالإكراه فكيف يفعل، لأن صلى الله عليه وسلم مبين مشرع فافهم.
م: (وفيه) ش: أي وفي عمار بن ياسر رضي الله عنه م: (نزل قول تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106] (سورة النحل: الآية 106) ش: ذكر أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر رضي الله عنه، وقصته أنه خرج مهاجرا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جماعة، فأخذهم كفار مكة، وقالوا إنكم تريدون محمدا، وعذبوهم وأكرهوهم على الكفر فصبر بعضهم حتى قتل وتكلم عمار رضي الله عنه بما أكرهوه وقلبه مطمئن بالإيمان فخلوا عنه، فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فنزلت الآية.
م: (ولأن بهذا الإظهار لا يفوت الإيمان حقيقة لقيام التصديق) ش: هذا دليل معقول وتقريره أن الإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان والتصديق هو الركن الأصلي، وهو قائم حقيقة والإقرار ركن زائد وهو قائم تقديرا، لأن التكرار ليس بشرط فلا يفوت الإيمان بذلك حقيقة م:(وفي الامتناع) ش: عن إتيان ما تهدد به م: (فوت النفس حقيقة) ش: فكان مما اجتمع فيه فوت حق العبد يقينا وفوت حق الله توهما م: (فيسعه الميل إليه قال: فإن صبر حتى قتل ولم يظهر الكفر كان مأجورا، لأن خبيبا رضي الله عنه صبر على ذلك حتى صلب وسماه رسول الله عليه الصلاة والسلام سيد الشهداء وقال في مثله:«هو رفيق في الجنة» .
ش: هذا الحديث بهذا الوجه لم يثبت وقتل خبيب في " صحيح البخاري " في مواضع وليس فيه أنه صلب ولا أنه أكره، ولا أن النبي صلى الله عليه وسلم سماه سيد الشهداء ولا قال فيه: وهو رفيقي في الجنة فأخرج البخاري في الجهاد عن عمر بن أبي سفيان الثقفي عن أبي هريرة قال: «بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت فانطلقوا حتى إذا كانوا بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم: بنو لحيان فتبعوهم بقريب من مائة رجل رام فاقتصوا آثارهم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
حتى أتوا منزلا نزلوه فوجدوا فيه نوى تمر ترددوه من المدينة فقالوا هذا تمر يثرب، فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم.
فلما انتهى عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد وجاء القوم فأحاطوا بهم فقالوا لكم العهد والميثاق إن أنزلتم إلينا عاصما في سبعة نفر بالنبل وبقي خبيب وزيد بن الدثنة ورجل آخر فأعطوهم العهد والميثاق فنزلوا إليهم فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها.
فقال الرجل الثالث الذي معهم: هذا أول الغدر، فأبى أن يصحبهم فجروه وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل فقتلوه وانطلقوا بخبيب وزيد حتى باعوهما بمكة، فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل، وكان خبيب قتل الحارث يوم بدر، فمكث عندهم أسيرا حتى إذا أجمعوا على قتله استعار موسي من بعض بنات الحارث ليستحد بها فأعارته.
قالت فغفلت عن صبي لي فدرج إليه حتى أتاه فوضعه على فخذه، فلما رأيته فزعت فزعة عرف ذك مني وفي يده الموسي فقال أتخشين أن أقتله، ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله، وكانت تقول ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب، لقد رأيته يوما يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذ من ثمرة، وإنه لموثق في الحديد، وما كان إلا رزقا رزقه الله، فخرجوا به من الحرم ليقتلوه فقال دعوني أصلي ركعتين، فصلى ثم رجع إليهم فقال لهم: لولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لأطلت، فكان أول من سن الركعتين عند القتل هو ثم قال: اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبق منهم أحدا، ثم قال:
ولست أبالي حين أقتل مسلما
…
على أي شق كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
…
يبارك على أوصال شلو ممزع
ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله وبعثت قريش إلى عاصم بن ثابت ليأتوا بشيء من جسده يعرفونه، وكان عاصم قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر، فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم، فلم يقدروا منه على شيء» انتهى.
قال عبد الحق: وقصة خبيب كانت في غزوة الرجيع، والرجيع على ثمانية أميال من عسفان، وعسفان على مرحلة من خليص في الجنوب ومن عسفان إلى بطن مر ثلاثة وثلاثون ميلا ومن بطن مر إلى مكة مسيرة يوم، وخليص بضم الخاء المعجمة. وعسفان بضم العين المهملة. وبطن مر بفتح الميم وتشديد الراء.
وغزوة أحد كانت في النصف من شوال سنة ثلاث من الهجرة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
وقوله: إلى فدفد بفائين مفتوحتين ودالين مهملتين، وهي الأرض المستوية، وقيل الأرض المرتفعة. وقال ابن دريد: الفدفد هي الأرض الغليظة المرتفعة ذات الحصى، فلا تزال الشمس تبرق فيها.
قوله: " من قطف عنب " أي عنقود عنب وهو بكسر القاف وسكون الطاء وفي آخره فاء.
وقال الليث: القطف اسم للثمار المقطوفة، يقال قطفت العنب أقطفه قطفا جنيته. قوله: شلو بكسر الشين المعجمة وسكون اللام وهو العضو من أعضاء اللحم وأشلاء الإنسان أعضاؤه. قوله: ممزع من التمزيع وهو التفريق، ومادته ميم وزاي معجمة وعين مهملة. قوله: لأن خبيبا صبر على ذلك حتى صلب، وهو بضم الخاء المعجمة وفتح الباء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره باء موحدة أخرى.
وقد ذكرنا أن صلبه لم يثبت في الصحيح ولكن محمد بن إسحاق ذكره في كتاب السيرة وقال: ابتاع خبيبا حجير بن أبان التيمي رحمه الله ليقتله بأبيه ثم أخرجوه إلى التنعيم وصلبوه على خشبة وقتلوه.
قوله: وسماه، أي خبيبا، رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيد الشهداء، هذا لم يثبت والمعروف من قوله صلى الله عليه وسلم «سيد الشهداء» أنه في حمزة رضي الله عنه. رواه الحاكم في الفضائل من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل رحمه الله قال سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيد الشهداء عند الله يوم القيام حمزة " رضي الله عنه» .
وأخرجه الطبراني عن أبي إسحاق الشيباني عن علي بن حذور عن الأصبغ بن نباتة عن علي رضي الله عنه قال: «إن أفضل الخلق يوم يجمعهم الله الرسل، وأفضل الناس بعد الرسل الشهداء، وأفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وقد تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه» . حديث آخر نحو ذلك ورد في بلال: رواه البزار في مسنده من حديث زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نعم المرء بلال وهو سيد الشهداء» .. الحديث.
قوله: وقال في مثله، أي فيه أي في خبيب، وكلمة مثل زائدة، هو رفيقي في الجنة. وقيل: لفظ مثل عبارة عن الذات، أي قال في ذاته أي ذات خبيب.
وقال تاج الشريعة: أي في مثل خبيب في الصبر على أذى المشركين وصلبهم وعدم إجراء كلمة الكفر فمن كان كذلك يكون باذلا نفسه لإعزاز الدين فيكون مثل خبيب رضي الله عنه.
ولأن الحرمة باقية والامتناع لإعزاز الدين عزيمة بخلاف ما تقدم للاستثناء
ــ
[البناية]
قلت: المفهوم من كلامه أن قوله صلى الله عليه وسلم: «هو رفيقي في الجنة» في حق غير خبيب ولكن يدخل فيه خبيب بمشاركته غيره في الصبر على الأذى وغيره، والمفهوم مما ذكرنا أولا، أي قوله صلى الله عليه وسلم هذا في حق خبيب رضي الله عنه والأحرى ما قاله تاج الشريعة، لأن قوله صلى الله عليه وسلم هذا لم يثبت في حق خبيب، وإن كان هو من رفقاء النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة.
م: (ولأن الحرمة باقية) ش: لتناهي قبيح الكفر، فكان بالصبر على الإكراه مجتنبا محرم الشرع ممتثلا نهيه م:(والامتناع لإعزاز الدين عزيمة) ش: أي الامتناع عن إظهار ما توعد به لأجل إعزاز الدين عزيمة، أي أخذ بالعزيمة، ولا شك أن الأخذ بالعزيمة أفضل من الأخذ بالرخصة ولا سيما في مثل هذا الموضع م:(بخلاف ما تقدم) ش: من أكل الميتة وشرب الخمر، فإن الحرمة هناك لم تكن باقية م:(للاستثناء) ش: أراد به قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ} [الأنعام: 119](سورة الأنعام الآية: 199) ، والاستثناء من التحريم إباحة.
فإن قلت: الله تعالى كما استثنى في إجراء كلمة الكفر أيضا في قَوْله تَعَالَى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ} [النحل: 106](سورة الأنعام: الآية 106) . قلت: من كفر بالله شرط مبتدأ وحذف جوابه لأن جواب {مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} [النحل: 106] دال عليه، كأنه قيل من كفر بالله فعليهم غضب إلا من أكره {وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ} [النحل: 106] ولا يلزم من انتفاء الغصب الإباحة. وتقريره أن في الآية تقديما وتأخيرا، وتقديره من كفر بالله من بعد إيمانه وشرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان، فالله تعالى ما أباح إجراء كلمة الكفر على لسانهم حالة الإكراه، وإنما وضع عنه العذاب والغضب وليس من ضرورة نفي الغضب وهو حكم الحرمة، لأنه ليس من ضرورة عدم الحكم عدم العلة كما في شهود الشهر في حق المسافر والمريض، فإن السبب موجود والحكم متأخر فجاز أن يكون النصب منفيا مع قيام العلة الموجبة للغضب وهو الحرمة، فلم يثبت إباحة إجراء كلمة الكفر.
هذا ما قالوه وفيه نظر، لأن المراد بالعلة إن كان هو المصطلح فذاك ممتنع التخلف عن الحكم الذي هو معلوله، وإن كان المراد بها السبب الشرعي كما مثل به فإنما يتخلف الحكم عنه بدليل آخر شرعي يوجب تأخيره كما في المثال المذكور من قَوْله تَعَالَى:{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185](سورة البقرة: الآية 185) ، ولا دليل فيما نحن فيه على ذلك.
وعن هذا ذهب أبو بكر الرازي رحمه الله إلى أن الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم: «فإن عادوا فعد» للإباحة، وقولهم لأن الكفر فيما لا تنكشف حرمته صحيح، ولكن الكلام في إجراء كلمة