الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في غصب ما لا يتقوم
قال: وإذا
أتلف المسلم خمرا لذمي أو خنزيره
ضمن قيمتهما، فإن أتلفهما لمسلم لم يضمن. وقال الشافعي: لا يضمنهما للذمي أيضا، وعلى هذا الخلاف إذا أتلفهما ذمي على ذمي أو باعهما الذمي من الذمي.
ــ
[البناية]
[فصل في غصب ما لا يتقوم]
[أتلف المسلم خمرا لذمي أو خنزيره]
م: (فصل في غصب ما لا يتقوم) ش: ذكره عقيب غصب ما يتقوم هو المناسبة.
م: (قال: إذا أتلف المسلم خمرا لذمي أو خنزيره ضمن قيمتهما) ش: أي قال القدوري في مختصره، وهذا على أربعة أوجه.
الأول: إتلاف المسلم خمر الذمي أو خنزيره فإنه يضمن عندنا، وهكذا ذكره القدوري في " مختصره ". وفي " شرح مختصر الكرخي " وذكر صدر الإسلام البزدوي في " شرح الكافي " ولو أتلف مسلم على ذمي خنزيرا على قول أبي حنيفة لا يضمن شيئا.
وعلى قول أبي يوسف ومحمد يضمن قيمته، وهذا كما ترى ذكر الخلاف وهو قياس قول أبي حنيفة رحمه الله والذي مر في كتاب النكاح فيما إذا تزوج الذمي ذمية على خمر أو خنزير ثم أسلما أو أسلم أحدهما قبل القبض فلها الخمر والخنزير إذا كانا عينين، وإن كانا دينين فالجواب على التفصيل عند أبي حنيفة رحمه الله، ففي الخمر تجب القيمة، وفي الخنزير مهر المثل على ما عرف هناك.
الثاني: إتلاف المسلم خمر المسلم، أشار إليه بقوله م:(فإن أتلفهما) ش: أي وإن أتلف المسلم الخمر والخنزير الكائنين م: (المسلم لم يضمن) ش: بلا خلاف، ووقع في بعض النسخ إن أتلفها بتوحيد الضمير فلذلك تاج الشريعة قوله وإن أتلفها، أي أتلفهما، نظير قَوْله تَعَالَى:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11](سورة الجمعة: الآية 11)، وقال تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا} [التوبة: 34](سورة التوبة: الآية 24) .
الثالث: إتلاف الذمي خمر المسلم فإنه لا يضمن بلا خلاف، وهذا لم يذكره المصنف.
م: (وقال الشافعي: إنه) ش: أي المسلم م: (لا يضمنهما) ش: أي الخمر والخنزير الكائنين م: (للذمي أيضا) ش: أي كما لا يضمن إذا كان لمسلم، وبه قال أحمد م:(وعلى هذا الخلاف) ش: المذكور بيننا وبين الشافعي م: (إذا أتلفهما ذمي على ذمي) ش: وهذا هو الوجه الرابع، وبقول الشافعي قال أحمد أيضا.
وبقولنا قال مالك م: (أو باعهما الذمي من الذمي) ش: أو باع الخمر والخنزير الذمي من
له: أنه سقط تقومهما في حق المسلم، فكذا في حق الذمي؛ لأنهم أتباع لنا في حق الأحكام فلا يجب بإتلافهما مال متقوم وهو الضمان. ولنا أن التقوم باق في حقهم، إذ الخمر لهم كالخل لنا، والخنزير لهم كالشاة لنا، ونحن أمرنا بأن نتركهم وما يدينون
ــ
[البناية]
الذمي فإنه يجوز عندنا خلافا للشافعي وأحمد م: (له) ش: أي الشافعي م: (أنه سقط تقومهما) ش: أي تقوم الخمر والخنزير م: (في حق المسلم، فكذا في حق الذمي؛ لأنهم أتباع لنا في حق الأحكام) ش: أي لأن أهل الذمة أتباع للمسلمين في الأحكام لقوله صلى الله عليه وسلم «فإذا قبلوا عقد الذمة فأعلمهم أن لهم ما للمسلين وعليهم ما على المسلمين» ، فبين أن كل حكم يثبت في حق المسلم يثبت في حق الذمي م:(فلا يجب بإتلافهما مال) ش: أي إذا كان كذلك فلا يجب بإتلاف الخمر والخنزير الذي ليسا بمتقومين مال م: (متقوم وهو الضمان) ش: أي ما يضمن به.
م: (ولنا: أن التقوم باق في حقهم) ش: دل على أن ذلك ما رواه أبو يوسف في " كتاب الخراج " تصنيفه في فصل من تجب عليه الجزية، وقال حدثنا إبراهيم بن عبد الرحمن رحمه الله قال: سمعت ابن سويد بن غفلة يقول: حضر عمر بن الخطاب رضي الله عنه واجتمع إليه عماله فقال: يا هؤلاء إنه بلغني أنكم تأخذون في الجزية الميتة والخنزير، فقال بلال: أجل إنهم يفعلون ذلك، فقال عمر رضي الله عنه: فلا تفعلوا ولكن ولوا أربابها بيعها ثم خذوا الثمن منهم.
وجه الاستدلال بذلك أن عمر رضي الله عنه أذن لهم في بيعها وثمن العقد عليها بيعا وبدلها ثمنا، والثمن لا يجب إلا في عقد صحيح، فدل على التقوم. وهذا؛ لأن قضايا عمر رضي الله عنه ما كانت تخفى على الصحابة رضي الله عنهم، ولم يثبت التكبر منهم على ذلك، فحل محل الإجماع.
م: (إذ الخمر لهم كالخل لنا، والخنزير لهم كالشاة لنا، ونحن أمرنا بأن نتركهم وما يدينون) ش: يعني لا نجادلهم على الترك.
فإن قلت: ما الأمر بتركهم وما يدينون؟.
قلت: قوله صلى الله عليه وسلم «اتركوهم وما يدينون» . والخمر كانت متقومة في شريعة من قبلنا وفي صدر شريعتنا، والمزيد هو قَوْله تَعَالَى:{رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90](سورة المائدة: الآية 90) . وجد في حقنا بدليل السياق والسباق، فبقي في حق من لم يدخل تحت الخطاب على ما كان من قبل.
فإن قلت: روي في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله لعن
والسيف موضوع، فيتعذر الإلزام، وإذا بقي التقوم فقد وجد إتلاف مال مملوك متقوم فيضمنه بخلاف الميتة والدم
ــ
[البناية]
الخمر وحرم ثمنها، ولعن الخنزير وحرم ثمنه» .
قلت: نحن نقول بموجب ذلك وهما حرام علينا، ولكنهم أقروا على ذلك فكان حلالا لهم.
فإن قلت: الخمر نجس العين فلا يكون مالا لقوله صلى الله عليه وسلم: «حرمت الخمر لعينها» ، ولا يضمن بالإتلاف.
قلت: حرام لعينها علينا لا عليهم؛ لأن الخطاب في الآية خاص.
فإن قلت: قال الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49](سورة المائدة: الآية 49) ، أي بين أهل الذمة وبما أنزل الله حرمة الخمر والخنزير فيجب الحكم عليهم بحرمتها.
قلت: المراد منه ما أنزل الله مطلقا لا ما أنزلت على المؤمنين خاصة كنكاح المشركات.
فإن قيل: ينتقض هذا بما إذا مات المجوسي عن ابنتين إحداهما امرأته فإنها لا تستحق بالزوجية شيئا من الميراث مع اعتقادهم صحة ذلك النكاح، وصحة النكاح توجب توريث المرأة من زوجها في جميع الأديان إذا لم يوجد المانع، ولم يجود في ديانتهم لِمَ لَمْ نتركهم وما يدينون؟.
أجيب: بأنا لا نسلم أنهم يعتقدون التوريث بأنكحة المحارم فلا بد له من بيان.
م: (والسيف موضوع) ش: يعني إبطال ما يزعمونه من المالية إنما يكون بالسيف، والسيف موضع أي متروك في حقهم لعقد الذمة م:(فيتعذر الإلزام) ش: على ترك الندين، فهذا يقتضي بقاء التقوم م:(وإذا بقي التقوم فقد وجد إتلاف مال مملوك متقوم فيضمنه) ش: لا؛ لأن الضمان موجب إتلاف المال المتقوم.
م: (بخلاف الميتة والدم) ش: هذا جواب المقيس عليه للشافعي رحمه الله ولكن لم
لأن أحدا من أهل الأديان لا يدين تمولهما، إلا أنه تجب قيمة الخمر وإن كان من ذوات الأمثال؛ لأن المسلم ممنوع عن تمليكه لكونه إعزازا له، بخلاف ما إذا جرت المبايعة بين الذميين؛ لأن الذمي غير ممنوع عن تمليك الخمر وتملكها،
ــ
[البناية]
يذكره في الكتاب م: (لأن أحدا من أهل الأديان لا يدين تمولهما) ش: أي تمول الميتة والدم، قيل المراد من الميتة الذي مات حتف أنفه، أما الذي خنقوه أو ضربوه حتى مات كما يفعله المجوس فعند أبي يوسف رحمه الله يضمنها المسلم بالغصب والإتلاف.
وقال محمد رحمه الله: لا يضمن كالميتة م: (إلا أنه تجب قيمة الخمر، وإن كان من ذوات الأمثال) ش: أي لا أن الشأن وجوب قيمة الخمر لا مثلها، وإنما ذكر الضمير في قوله وإن كان بتأويل الشأن أو المذكور م:(لأن المسلم ممنوع عن تمليكه) ش: أي تمليك الخمر م: (لكونه إعزازا له) ش: أي لكون التمليك إعزازا للخمر. وفي بعض النسخ إعزازا لها بتأنيث الضمير على الأصل، وأما التذكير فعلى التأويل الذي ذكرناه.
فإن قلت: ما الفرق بين ما إذا أتلف ذمي خمر ذمي ثم أسلم حيث لا يجب عليه شيء لا القيمة، ولا الخمر عند أبي يوسف رحمه الله وهي رواية عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، والرواية في " المبسوط ": والإسلام المقارن لا يمنع وجوب القيمة فالطارئ أولى.
قلت: الفرق أنه حين أتلفه لم يكن إتلافه سببا لوجوب القيمة؛ لأنه لا يوجد بعد ذلك سبب الوجوب. وعند محمد رحمه الله وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله عليه قيمة الخمر؛ لأنه لا يمكن إيجاب الخمر؛ لأنه مسلم، ولا يمكن إبراؤه عن الضمان؛ لأن المتلف عليه ذمي، والخمر في حقه مال متقوم، وقد أمكن إيجاب القيمة فيجب. أما في الخنزير يبقى الضمان بإسلامهما أو إسلام أحدهما بالاتفاق؛ لأن الواجب هو القيمة، والإسلام لا ينافيها.
م: (بخلاف ما إذا جرت المبايعة بين الذميين) ش: هذا متصل بقوله: لأن المسلم ممنوع عن تمليكه، يعني أن المسلم لما كان ممنوعا عن تمليك الخمر وجب عليه قيمة الخمر إذا أتلفها، بخلاف ما إذا باعها ذمي من ذمي م:(لأن الذمي غير ممنوع عن تمليك الخمر وتملكها) ش: ولذلك إذا أتلف ذمي خمر ذمي يجب عليه مثلها.
وقال القدوري في " شرحه لمختصر الكرخي " فيمن أتلف صليبا؛ لأنا أقررناهم على هذا الصنع، فصار كالخمر التي هم مقرون عليها، وقد قال أصحابنا: إن الذمي يمنع من كل شيء يمنع منه المسلم إلا شرب الخمر، وأكل الخنزير؛ لأنا استثنيناه بالأمان، ولو عتوا وضربوا بالعبد إن منعناهم من ذلك كله كما يمنع المسلمين؛ لأنه لم يستثن، كذا ذكره القدوري في " شرحه ".
وهذا خلاف الربا؛ لأنه مستثنى عن عقودهم، وبخلاف العبد المرتد يكون للذمي؛ لأنا ما ضمنا لهم ترك التعرض له لما فيه من الاستخفاف بالدين، وبخلاف متروك التسمية عامدا إذا كان لمن يبيحه؛ لأن ولاية الحاجة ثابتة
وبخلاف متروك التسمية عامدا إذا كان لمن يبيحه لأن ولاية الحاجة ثابتة
ــ
[البناية]
م: (وهذا بخلاف الربا) ش: أي عدم التعرض في مبايعتهم بخلاف الربا، فإنه يتعرض لهم في إبطال عقود الربا، حتى لو باعا درهما بدرهمين يسترد الدرهم الزائد. وقال الأترازي: أي هذا الذي ذكرناه من كون الذمي غير ممنوع عن تمليك الخمر؛ بخلاف الربا، فإنه ممنوع عنه.
وقيل: الأولى أن يتعلق بقوله نحن أمرنا أن نتركهم وما يدينون إلى آخره م: (لأنه مستثنى عن عقودهم) ش: أي لأن الربا مستثنى عن عقود أهل الذمة؛ لأنه لم يرد عليه عقد الأمان. ألا ترى إلى قَوْله تَعَالَى في سورة النساء: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا} [النساء: 161]
م: (وبخلاف العبد المرتد يكون للذمي) ش: عطف على قوله: وهذا بخلاف الربا، يعني الذمي إذا اشترى عبدا مسلما ثم ارتد العبد فإنه يحبس حتى يتوب أو يقتل، ولا تجب قيمته للذمي. الحاصل أنا لا نقره على تموله وتملكه، بل نأخذه من يده فتقبله وإن كانت أمة نحبسها أبدا ونستتيبها [
…
] قبل وهو أيضا مقيس عليه للشافعي رحمه الله.
ووجه الجواب ما أشار إليه بقوله م: (لأنا ما ضمنا لهم ترك التعرض له) ش: أي للعبد المرتد م: (لما فيه) ش: أي في ترك التعرض م: (من الاستخفاف بالدين) ش: بالترك والإعراض عنه.
فإن قلت: يشكل على هذا التعليل ما لو أتلف صليب نصراني حيث يضمن قيمته صليبا، وفي ترك التعرض استخفاف بالدين.
قلت: ذاك كفر أصلي والنصراني مقر على ذلك بخلاف الارتداد.
م: (وبخلاف متروك التسمية عامدا إذا كان لمن يبيحه) ش: يتعلق بقوله: أمرنا أن نتركهم وما يدينون يعني كما أمرنا أن نترك أهل الذمة على ما اعتقدوه من الباطل، وجب علينا أن نترك أهل الاجتهاد على ما اعتقدوه مع احتمال الصحة فيه بالطريق الأولى، وحينئذ يجب أن نقول بوجوب الضمان على ما أتلف متروك التسمية عامدا؛ لأنه مال متقوم في اعتقاد الشافعي ومن تابعه ووجه الجواب ما قاله بقوله م:(لأن ولاية الحاجة ثابتة) ش: أي ولاية الإلزام المحاجة ثابتة وقد ثبت بالنص حرمته، فلا يعتبر في إيجاب الضمان.
ولقائل أن يقول لا نسلم أن ولاية المحاجة ثابتة؛ لأن الدليل الدال على ترك المحاجة مع أهل الذمة دال على تركها مع المجتهدين بالطريق الأولى على ما قررتم. والجواب أن الدليل هو قوله صلى الله عليه وسلم: «اتركوهم وما يدينون» ، وكان ذلك بعقد الذمة وهو متفق عليه في حق المجتهدين.