الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل وإن أكره على أن يأكل الميتة أو يشرب الخمر فأكره على ذلك بحبس أو بضرب أو قيد لم يحل له إلا أن يكره بما يخاف منه على نفسه، أو على عضو من أعضائه، فإذا خاف على ذلك وسعه أن يقدم على ما أكره عليه، وكذا على هذا الدم ولحم الخنزير؛ لأن تناول هذه المحرمات إنما يباح عند الضرورة كما في حالة المخمصة لقيام المحرم فيما وراءها
ــ
[البناية]
[حكم الإكراه الواقع في حقوق الله]
م: (فصل) ش: لما ذكر حكم الإكراه الواقع في حقوق العباد شرع في بيان حكم الإكراه الواقع في حقوق الله، وقد الأول لأن حق العبد مقدم لحاجته.
م: (وإن أكره على أن يأكل الميتة أو يشرب الخمر فأكره على ذلك بحبس أو بضرب أو قيد) ش: أراد بالضرب الضرب الخفيف الذي لا يخاف منه تلف نفس أو تلف عضو م: (لم يحل له) ش: أي الإقدام على ذلك. وفي " المبسوط ": كل ضرب لا يخاف منه تلف نفس أو عضو في أكبر الرأي لا يحل لأن غالب الرأي يقام مقام الحقيقة.
وقد قال بعض العلماء في ذكر أدنى الحد أربعين، حتى لو تهدد بأقل من أربعين منها لم يحل الإقدام على ذلك، لأن ما دون ذلك مشروع بطريق التعزير، والتعزير يقام على وجه يكون زاجرا لا متلفا.
ولكنا نقول نص المقدار بالرأي لا يكون ولا نص في التقدير هنا، وأحوال الناس مختلفة في أحوال بدنهم، فلا طريق سوى رجوع المكره إلى غالب رأيه. فإن وقع غالب رأيه أنه متلف نفسا له أو عضوا يحل له الإقدام، والأول في " الذخيرة ". ولو هدد بضرب سوط أو سوطين فهو لا يعتبر إلا أن يقول لأضربنك على عينك أو على مذاكيرك.
م: (إلا أن يكره بما يخاف منه على نفسه أو على عضو من أعضائه، فإذا خاف على ذلك وسعه أن يقدم على ما أكره عليه، وكذا على هذا) ش: أي وكذا الحكم على ما ذكر م: (الدم ولحم الخنزير) ش: يعني إذا أكره على شرب الدم وأكل لحم الخنزير لا يحل الإقدام إلا إذا خاف على نفسه أو عضو من أعضائه م: (لأن تناول هذا المحرمات إنما يباح عند الضرورة كما في حالة المخمصة) ش: فإنه تعالى استثنى حالة الضرورة من التحريم بقوله {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ} [الأنعام: 119](سورة الأنعام: 199)، وقال:{فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ} [المائدة: 3](سورة المائدة: الآية:3)، يتحقق بالإكراه م:(لقيام المحرم فيما ورائها) ش: أي فيما وراء الضرورة.
ولا ضرورة إلا إذا خاف على النفس أو على العضو، حتى لو خيف على ذلك بالضرب الشديد وغلب على ظنه ذلك يباح له ذلك ولا يسعه أن يصبر على ما توعد به، فإن صبر حتى أوقعوا به ولم يأكل فهو آثم؛ لأنه لما أبيح كان بالامتناع معاونا لغيره على إهلاك نفسه فيأثم كما في حالة المخمصة. وعن أبي يوسف رحمه الله: أنه لا يأثم لأنه رخصة، إذ الحرمة قائمة فكان آخذا بالعزيمة. قلنا: حالة الاضطرار مستثنى بالنص وهو تكلم بالحاصل بعد الثنيا فلا محرم، فكان إباحة لا رخصة، إلا أنه إنما يأثم إذا علم بالإباحة في هذه الحالة؛
ــ
[البناية]
م: (ولا ضرورة إلا إذا خاف على النفس أو على العضو، حتى لو خيف على ذلك بالضرب الشديد) ش: أي التلف م: (وغلب على ظنه يباح له ذلك ولا يسعه أن يصبر على ما توعد به، فإن صبر حتى أوقعوا به) ش: أي قتلوه أو أتلفوا عضوه م: (ولم يأكل فهو آثم) ش: أي في ظاهر الرواية، وكذا هذا فيمن أصابته مخمصة.
وبه قال الشافعي رحمه الله في قول صحيح وأحمد في رواية ومالك م: (لأنه لما أبيح) ش: من حيث إن حرمة هذه الأشياء كانت باعتبار خلل يعود إلى البدن أو العقل أو العرض وحفظ ذلك مع فوات النفس غير ممكن م: (كان بالامتناع) ش: عن الإقدام م: (معاونا لغيره على إهلاك نفسه فيأثم كما في حالة المخمصة وعن أبي يوسف رحمه الله أنه لا يأثم) ش: وبه قال الشافعي في قول وأحمد في رواية م: (لأنه رخصة) ش: أي لأن الإقدام على ذلك رخصة م: (إذ الحرمة قائمة) ش: أي إذ الحرمة بصفة أنها ميتة أو خمر قائمة، فإذا امتنع عن ذلك م:(فيكون آخذا بالعزيمة) ش: فلا يأثم.
م: (قلنا: حالة الاضطرار مستثنى بالنص) ش: هذا منع لما قاله أبو يوسف، تقريره لا نسلم أن الحرمة قائمة، لأن الله تعالى استثنى حالة الاضطرار وقال:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119](سورة الأنعام: 119) .
م: (وهو) ش: أي الاستثناء دل عليه قوله مستثنى م: (تكلم بالحاصل بعد الثنيا) ش: يعني الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا، فكان لبيان أن المستثنى لم يدخل في صدر الكلام م:(فلا محرم) ش: أي إذا كان كذلك فلا يحرم حينئذ م: (فكان إباحة لا رخصة) ش: أي كان إباحة ابتداء، لأنه داخل في الحرمة ثم خرج فامتناعه من تناول الطعام الحلال حتى تلفت نفسه أو عضوه فكان آثما.
م: (إلا أنه إنما يأثم إذا علم بالإباحة في هذه الحالة) ش: هذا جواب إشكال كأنه يقول: إذا ثبت إباحته ينبغي أن لا يأثم، إذ الإنسان لا يأثم بترك المباح، فأجاب: بأنه يأثم إذا علم بالإباحة ولم يأكل حتى تلف، لأنه يصير ساعيا في إتلاف نفسه، أما إذا لم يعلم ذلك فلا يأثم