الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: وإن كان أكره على إتلاف مال مسلم بأمر يخاف منه على نفسه أو على عضو من أعضائه وسعه أن يفعل ذلك؛ لأن مال الغير يستباح للضرورة كما في حالة المخمصة وقد تحققت، ولصاحب المال أن يضمن المكره؛ لأن المكره آلة للمكره فيما يصلح آلة له والإتلاف من هذا القبيل.
وإن أكره بقتله على قتل غيره لم يسعه أن يقدم عليه ويصبر حتى يقتل، فإن قتله كان آثما لأن قتل المسلم مما لا يستباح لضرورة ما، فكذا بهذه الضرورة.
ــ
[البناية]
الكفر مكرها لا في المكره.
[الإكراه على إتلاف مال]
م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله: م: (وإن أكره على إتلاف مال مسلم بأمر يخاف منه على نفسه، أو على عضو من أعضائه، وسعه أن يفعل ذلك) ش: أي إتلاف مال مسلم م: (لأن مال الغير يستباح للضرورة، كما في حالة المخمصة) ش: أي يعامل به معاملة المباح، لا أنه يجعل مباحا في تلك الحالة، ولهذا لو لم يتناول، حتى قتل، يثاب على ذلك.
وفي الخمر لو لم يشرب حتى قتل يأثم، قالوا هذه المسألة تدل على أن تناول مال الغير أشد حرمة من شرب الخمر م:(وقد تحققت) ش: أي الضرورة م: (ولصاحب المال أن يضمن المكره) ش: بكسر الراء م: (لأن المكره) ش: بفتح الراء م: (آلة للمكره) ش: (بكسر الراء) م: (فيما يصلح آلة له) ش: قد مر أن في كل موضع يصلح كون المكره آلة للمكره يكون الضمان على المكره، واحترز بقوله فيما يصلح عن الأكل والتكلم والوطء، فإنه فيها لا يصلح آلة له إذ الأكل.
بفم الغير والتكلم بلسان الغير لا يتصور م: (والإتلاف من هذا القبيل) ش: أي من قبيل أن يصلح آلة بأن يأخذه ويلقيه على مال فيتلفه.
[الإكراه على القتل]
م: (وإن أكره بقتل على قتل غيره لم يسعه أن يقدم عليه ويصبر حتى يقتل) ش: بأن قال له غيره إن لم تقتل فلانا لأقتلنك لا يسعه الإقدام على قتله. قوله ويصبر بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي وهو يصبر على ذلك ولا يجوز نصبه عطفا على أن يقدم عليه لفساد المعنى فافهم.
م: (فإن قتله كان آثما، لأن قتل المسلم مما لا يستباح لضرورة ما) ش: إذ دليل الرخصة خوف التلف والمكره عليه في ذلك سواء فسقط حق المكره في حق تناول دم المكره عليه للتعارض، بخلاف ما إذا صبر على إتلاف مال الغير، فإن دليل الرخصة قائمة وحرمة النفس فوق حرمة المال.
م: (فكذا بهذه الضرورة) ش: أي فكذا لا يباح بهذه الضرورة وهي الإكراه على قتل النفس فيقول الإكراه يبيح ما تبيحه الضرورة وما تبيحه الضرورة لا يبيحه الإكراه ثم قتل المسلم لا يباح لضرورة ما، فكذا لا يباح بالإكراه.
قال: والقصاص على المكره إن كان القتل عمدا قال رضي الله عنه: وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله
ــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله م: (والقصاص على المكره) ش: بكسر الراء م: (إن كان القتل عمدا) ش: أي إن كان القتل قتل عمد، وإن كان القاتل عامدا م:(قال رضي الله عنه وهذا عند أبي حنيفة ومحمدا رحمهما الله) ش: أي قال المصنف: المذكور وهو وجوب القصاص على المكره بكسر الراء عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وبه قال الشافعي رضي الله عنه في قول. وقال السغناقي رحمه الله سواء كان الآمر عاقلا بالغا أو معتوها أو غلاما غير بالغ، فالقود على الآمر وعزاه إلى المبسوط.
ثم أورد سؤالا فقال: فإن قيل لو كان المكره الآمر بمنزلة الآلة للمباشرة في القتل والمكره المأمور آله لوجب أن لا يجب القصاص على الآمر فيما إذا كان صبيا أو معتوها؛ لأن انتقال فعل المكره إليه لا يكون أقوى من مبشرته بنفسه، وفيما باشر الصبي القتل العمد لا يجب القصاص عليه.
وقد ذكر في المبسوط أن القصاص يجب على الصبي إذا أمر غيره بالقتل العمد بالإكراه كما ذكرت، فما وجهه؟
قلنا لما انتقل فعل المأمور إلى الآمر انتقال مع وصفه من العقل والبلوغ، فصار ذلك بمنزلة جناية الآمر بيد المأمور في أحكام القتل، فلهذا لم يعتبر عقد الآمر وبلوغه بخلاف ما لو باشر بنفسه لأنه لا واسطة هناك أحد يوصف بالعقل والبلوغ لينتقل قوله إليه بذلك الوصف، فكان ذلك قتلا خاصا من الصبي لا غير، ولا اعتبار لعمد الصبي من القتل في إيجاب القصاص.
وقال الشيخ علاء الدين بن عبد العزيز رحمهما الله: ما نقله السغناقي عن " المبسوط " سهو فإنه ذكر في هذا الباب، إذا عرفنا هذا فنقول سواء كان المكره عاقلا بالغا أو معتوها أو غلاما غير بالغ فالقود على المكره، لأن المكره صار كالآلة له والعقل والبلوغ غير معتبر في حق الآلة، وإنما المعتبر تحقق الإلجاء فعلم أن قوله سواء كان المكره بالغا أو معتوها بفتح الراء وبكسرها والدليل الذي ذكره ينادي عليه فتوهمه بكسر الراء، وذلك غير سديد يؤيده ما قال أبو اليسر في " المبسوط "، ولو كان المكره الآمر صبيا أو مجنونا لا يجب القصاص على أحد، لأن القاتل في الحقيقة هذا الصبي والمجنون وهو ليس بأهل لوجوب العقوبة به عليه.
وذكر الحلواني في "مبسوطه " ولو كان المأمور مختلط العقل، أو صبيا يجب القصاص على المكره الآمر؛ لأن فعل القاتل ينقل، إليه فيكون الصبي، والبالغ في حقه سواء، فعلم بهذا، أن إيجاب القصاص على الصبي الآمر سهو، وما ذكره من الفرق بين المباشر والآمر غير
وقال زفر رحمه الله: يجب على المكره. وقال أبو يوسف رحمه الله: لا يجب عليهما. وقال الشافعي رحمه الله يجب عليهما. لزفر رحمه الله أن الفعل عن المكره حقيقة وحسا وقرر الشرع حكمه عليه وهو الإثم، بخلاف الإكراه على إتلاف مال الغير؛ لأنه سقط حكمه وهو الإثم فأضيف إلى غيره، وبهذا يتمسك الشافعي في جانب المكره ويوجبه على المكره أيضا لوجود التسبيب إلى القتل منه، وللتسبيب في هذا حكم المباشرة عنده كما في شهود القصاص.
ــ
[البناية]
مسلم؛ لأن المنتقل الفعل ووصفه من العمد والخطأ لا وصف القاتل من العقل والبلوغ، ألا ترى أن المأمور لو كان صبيا أو معتوها لا ينتقل وصف الصبا والقسر إليه، حتى لا يجب القصاص على المكره احتيالا للدرء في القصاص.
م: (وقال زفر رحمه الله يجب على المكره) ش: بفتح الراء، أراد به يجب القصاص على المكره المأمور وهو وراية عنه وفي رواية أخرى عنه كقول الشافعي رضي الله عنه م:(وقال أبو يوسف رحمه الله: لا يجب عليهما) ش: أي لا يجب القصاص على المكره والمكره جميعا، م:(وقال الشافعي رحمه الله يجب عليهما) ش: أي على المكره والمكره جميعا، وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله.
م: (لزفر رحمه الله أن الفعل من المكره) ش: أي أن الفعل وهو القتل حاصل من المكره بفتح الراء م: (حقيقة) ش: أي من حيث الحقيقة لصدوره منه بغير واسطة م: (وحسا) ش: أي ومن حيث الحس، فإنه معاين مشاهد م:(وقرر الشرع حكمه) ش: أي حكم القتل م: (عليه) ش: أي على القاتل.
م: (وهو) ش: أي حكم القتل م: (الإثم) ش: بالإجماع، فإيجاب القصاص على غيره غير معقول وغير مشروع م:(بخلاف الإكراه على إتلاف مال الغير؛ لأنه سقط حكمه وهو الإثم) ش: فلم يكن مقدرا عليه شرعا م: (فأضيف إلى غيره) ش: أي إلى غير المكره.
م: (وبهذا) ش: أي بما ذكره زفر رحمه الله من الدليل م: (يتمسك الشافعي في جانب المكره) ش: بفتح الراء، يعني في وجوب القصاص م:(ويوجبه) ش: أي ويوجب الشافعي القصاص م: (على المكره أيضا) ش: بكسر الراء م: (لوجود التسبيب في القتل منه) ش: أي من المكره الآمر حيث أحدث فيه معنى كان حاملا له على القتل.
م: (وللتسبيب في هذا) ش: أي في القتل م: (حكم المباشرة عنده) ش: أي عند الشافعي رضي الله عنه م: (كما في شهود القصاص) ش: يعني إذا شهد على رجل بالقتل العمد فاقتص المشهود عليه فجاء المشهود بقتله حيا، فإنه يقتل الشاهدان عنده للتسبب لأنهما قتلاه حكما،
ولأبي يوسف: أن القتل بقي مقصورا على المكره من وجه نظرا إلى التأثيم، وأضيف إلى المكره من وجه نظرا إلى الحمل فدخلت الشبهة في كل جانب، ولهما: أنه محمول على القتل بطبعه إيثارا لحياته فيصير آلة للمكره فيما يصلح آلة له وهو القتل بأن يلقيه عليه، ولا يصلح آلة في الجناية على دينه فبقي الفعل مقصورا عليه في حق الإثم كما تقول في الإكراه على العتاق،
ــ
[البناية]
قيل في عبارة المصنف تسامح، لأن دليل زفر رحمه الله يدل على عدم جواز إضافة القتل إلى غير المكره، فكيف يجعل ذلك دليلا للشافعي رضي الله عنه وهو يضيفه إلى غيره أيضا.
أجيب بأن دليله يدل على عدم جواز إضافته إلى غير المكره مباشرة، والشافعي رضي الله عنه يضيفه إلى الغير تسبيبا فلا تنافي.
م: (ولأبي يوسف: أن القتل مقصورا على المكره) ش: بفتح الراء م: (من وجه نظرا إلى التأثيم) ش: للتسارع إياه، فإنه يدل على تقرر الحكم وقصره عليه م:(وأضيف إلى المكره) ش: بكسر الراء م: (من وجه نظرا إلى الحمل) ش: بفتح الحاء، أي حمل المكره عليه، تقديره أن كونه محمولا على الفعل يدل على أنه كالآلة والفعل ينتقل عنه، وكل ما كان كذلك كان شبهة م:(فدخلت الشبهة في كل جانب) ش: والقصاص يندفع بها.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد رحمهما الله م: (أنه) ش: أي أن المكره بالفتح م: (محمول على القتل) ش: أي ملجأ إليه بواسطة التهديد بالقتل م: (بطبعه) ش: يعني يصير المكره القاتل في ذلك قاتلا بطبعه، أي باقتضاء طبعه، ذلك كالسيف يقطع بطبعه فإن طبعه يقتضي القطع.
وذلك م: (إيثارا لحياته) ش: أي لأجل إيثاره حياته على حياة غيره لأن الإنسان جبل على حب حياة نفسه، فحينئذ نفذ اختياره م:(فيصير آلة للمكره) ش: بكسر الراء م: (فيما يصلح آلة له وهو القتل بأن يلقيه عليه) ش: فلا يكون على المكره قصاص ولا دية ولا كفارة لأن الفعل يضاف إلى الفاعل لا إلى الآلة.
م: (ولا يصلح آلة له في الجناية على دينه) ش: هذا جواب عما يقال لو كان آلة لأضيف الإثم إلى المكره كالقتل، فأجاب بقوله ولا يصلح أي المكره آلة له، أي للمكره بكسر الراء في الجناية على دينه؛ لأن القتل من حيث إنه يوجب المأثم جناية على دين القاتل، لأنه إنما أكرهه ليجني عليه دينه، فلو أضيف إليه لصار جناية على دين المكره، وفي بطلان الإكراه.
م: (فبقي الفعل) ش: من حيث كونه جناية على دينه م: (مقصورا عليه) ش: أي على المكره بالفتح م: (في حق الإثم كما تقول في الإكراه على الإعتاق) ش: ومن حيث الإتلاف منقولا إلى