الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: وإذا حجر القاضي عليه ثم رفع إلى قاض آخر فأبطل حجره وأطلق عنه جاز، لأن الحجر منه فتوى وليس بقضاء،
ــ
[البناية]
وقوله تعالى: {فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282](سورة البقرة: الآية 282) لا يدل على أن السفيه مولى عليه لا محالة؛ لأن بعض المفسرين قال المراد من الولي صاحب الحق يملي بالعدل بين يدي من عليه الحق لئلا يزيد على ذلك شيئا ولا ينقص على صاحبه، كذا في " شرح التأويلات ".
وأما حديث عبد الله، فإن كان رأي علي رضي الله عنه هو الحجر على المنذر فقد كان رأي الزبير، وعبد الله بن جعفر، على خلاف ذلك، حيث اشتغلا بإبطال الحجر فإن هذه مسألة وقع الخلاف فيها بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجب النزول على قول واحد منهم، ويجب ترجيح قول البعض على البعض بالدليل.
وحديث عمر رضي الله عنه فالغالب إن فعل ذلك برضاه فلا يكون ذلك دليل الحجر، فلا ينفي للخصم حجة. قوله فأدان معرضا، يعني استدان معرضا وهو الذي يعترض الناس ليستدين ممن أمكنه يقال دين به أي غلب، يقال دين بالرجل دينا إذا وقع فيما لا يستطيع الخروج منه.
[حكم القاضي بالحجر فرفع الحجر قاض آخر]
م: (قال: وإذا حجر القاضي عليه) ش: تفريع على مسألة الحجر، أي على السفيه. وقال الأترازي: ذكر هذا جوابا لسؤال ذكره. وفي النسخ: طريقة الخلاف بأن يقال: سلمنا أن تصرف المحجور قبل حجر القاضي نافذ، ولا كلام لنا فيه، وكلامنا فيما إذا حجر القاضي فلم قلتم إن تصرفه ينفذ بعد الحجر، لأن قضاء القاضي إذا وقع في فصل مجتهد فيه نفذ قضاؤه بالاتفاق كما في بيع المدبر والقضاء على الغائب وقسمة الغنائم، فينبغي أن لا يسند تصرف السفيه بعد حجر القاضي، فأجابوا عنه بجوابين.
أحدهما: ما ذكروا في مسألة القضاء على الغائب أن نفس القضاء إذا كان مجتهدا فيه لا ينفذ، وهنا كذلك لأن نفس القضاء بالحجر على السفيه مجتهد فيه.
والثاني: أن هذا ليس بقضاء بل هو فتوى، فكان قضاء هذا القاضي وفتوى غيره سواء م:(ثم رفع إلى قاض آخر فأبطل حجره) ش: أي حجر القاضي الأول م: (وأطلق عنه جاز) ش: أي عن السفيه جاز تصرفه م: (لأن الحجر منه) ش: أي من القاضي م: (فتوى وليس بقضاء) ش: لأن القضاء لا بد له من خصومة، لأنه شرع لفصل الخصومات، ولا بد للخصومة من الدعوى والإنكار ولم يوجد ذلك فلا يكون قضاء بل هو فتوى لعدم المقضي له والمقضى عليه، وهو معنى قوله.
ألا يرى أنه لم يوجد المقضى له والمقضى عليه ولو كان قضاء فنفس القضاء مختلف فيه فلا بد من الإمضاء، حتى لو رفع تصرفه بعد الحجر إلى القاضي الحاجر أو إلى غيره فقضى ببطلان تصرفه ثم رفع إلى قاض آخر نفذ إبطاله لاتصال الإمضاء به فلا يقبل النقض بعد ذلك،
ــ
[البناية]
م: (ألا يرى أنه لم يوجد المقضى له والمقضى عليه) ش: فلا يكون قضاء، لأن القضاء يثبت ما ليس بثابت، بل هذا كان مثبتا ما كان ثابتا، فإنه كان محجورا عليه قبل القضاء متى كان مبذر لماله وهذا هو حد الفتوى.
م: (ولو كان قضاء) ش: يعني ولئن سلمنا أن حجر القاضي كان قضاء على احتمال بعيد، وهو أن يجعل السفيه مقضيا له من حيث إن الحجر نظر له.
وقال تاج الشريعة رحمه الله: جاز أن يكون هذا جواب إشكال، وهو أن يقال: يمكن أن يجعل السفيه مقضيا له من حيث إن الحجر ما ثبت، إلا نظرا له، والقضاء بالحجر يقع عليه، فيجعل مقضيا له أيضا، فإذا وجد المقضى له والمقضى عليه باختلاف الجهة فلا يكون قضاء، فلا ينبغي للقاضي الثاني الحكم بخلافه.
فأجاب رحمه الله بأنه لو كان قضاء م: (فنفس القضاء مختلف فيه) ش: لأن عند أبي حنيفة لا يجوز القضاء بالحجر وعندهما يجوز فيكون نفس القضاء مختلفا فيه، فيكون القاضي الثاني بسبيلين تنفيذه، وإبطاله لكونه ثابتا من وجه دون وجه فلا بد من الإمضاء ليرتفع نقصان اختلاف العلماء.
نظيره إذا تزوج رجل بشهادة رجل وامرأتين يجوز النكاح عندنا خلافا للشافعي رحمه الله فلو رفع هذا النكاح إلى القاضي الشافعي فقضى بصحته لا يصير مجمعا عليه، لأنه قضى على خلاف رأيه، فيكون الاختلاف في القضاء فيها فينفذ إجماعا.
وقال الخبازي: قضاء القاضي بالمختلف إنما يرفع الخلاف إذا لم يكن نفس القضاء مختلفا، ولا بد من قضاء آخر لنفاذ هذا القضاء.
م: (فلا بد من الإمضاء) ش: بقضاء آخر م: (حتى لو رفع تصرفه) ش: أي تصرف السفيه م: (بعد الحجر إلى القاضي الحاجر، أو إلى غيره فقضى ببطلان تصرفه ثم رفع إلى قاض آخر نفذ إبطاله) ش: أي إبطال القاضي الثاني.
قيل: روي نفذ بالتشديد معناه استمر على تنفيد الثاني، لأنه حكم بنفاذه م:(لاتصال الإمضاء به فلا يقبل النقض بعد ذلك) ش: أي بعد الإمضاء.
ثم عند أبي حنيفة رحمه الله: إذا بلغ الغلام غير رشيد لم يسلم إليه ماله، حتى يبلغ خمسا وعشرين سنة، فإن تصرف فيه قبل ذلك نفذ تصرفه، فإذا بلغ خمسا وعشرين سنة يسلم إليه ماله وإن لم يؤنس منه الرشد. وقالا: لا يدفع إليه ماله أبدا حتى يؤنس رشده، ولا يجوز تصرفه فيه، لأن علة المنع السفه فيبقى ما بقي العلة وصار كالصبا. ولأبي حنيفة رحمه الله: أن منع المال عنه بطريق التأديب ولا يتأدب بعد هذا ظاهرا وغالبا، ألا ترى أنه قد يصير جدا في هذا السن
ــ
[البناية]
م: (ثم عند أبي حنيفة رحمه الله إذا بلغ الغلام غير رشيد) ش: أي حال كونه غير رشيد م: (لم يسلم إليه ماله حتى يبلغ خمسا وعشرين سنة، فإن تصرف فيه قبل ذلك نفذ تصرفه) ش: لأنه لا يحجر عليه عنده.
م: (فإذا بلغ خمسا وعشرين سنة يسلم إليه ماله وإن لم يؤنس منه الرشد. وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد رحمهما الله م: (لا يدفع إليه ماله أبدا حتى يؤنس رشده ولا يجوز تصرفه فيه) ش: أي في ماله، وأبدا نصب على الظرف، والجمع بينه وبين حتى تسامح ظاهر م:(لأن علة المنع السفه، فيبقى ما بقي العلة) ش: أي يبقى المنع ما دامت العلة باقية، لأن الله تعالى علق دفع المال بإيناس الرشد.
فوق: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6](سورة النساء: الآية 6) ، فلا يجوز الدفع قبله إذ المعلق بالشرط معدوم قبله، والسفه صلة، فالعبرة لقيامها وزوالها لا للزمان وبه قالت الثلاثة م:(وصار كالصبا) ش: أي وصار حكم السفه كحكم الصبا، فالسفه ما دام موجودا فحكمه حكم الصبي ولو صار شيخا فانيا.
م: (ولأبي حنيفة رحمه الله أن منع المال عنه بطريق التأديب) ش: يمكن أن يوجه هذا الكلام على وجهين:
الأول: أن يقول سلمنا أن علة المنع السفه، لكن المعلول هو المنع عنه بطريق التأديب، يعني من حيث التأديب، وهذا يقتضي أن يكون محلا للتأديب وهو ما لم ينقطع رجاء التأديب م:(ولا يتأدب بعد هذا ظاهرا وغالبا) ش: أي ولا يبقى التأديب بعد بلوغه خمسا وعشرين سنة لانقطاع رجاء التأديب بعد هذه المرة ظاهرا في غالب الأحوال.
م: (ألا ترى أنه قد يصير جدا في هذا السن) ش: هذا توضيح لعدم التأديب عند بلوغه لهذا السن وهو خمسة وعشرون سنة، لأنه يصير جدا عند ذلك باعتبار أصل مدة البلوغ في الإنزال وهو اثنتا عشر سنة، وأقل مدة الحمل وهو ستة أشهر، وأقل الطبائع من بلغ خمسا وعشرين سنة فقد بلغ رشده، ألا ترى أنه يصير جدا صحيحا في هذا السن، لأن أدنى ما
فلا فائدة للمنع، فلزم الدفع، ولأن المنع باعتبار أثر الصبا وهو في أوائل البلوغ، وينقطع بتطاول الزمان فلا يبقى المنع، ولهذا قال أبو حنيفة رحمه الله: لو بلغ رشيدا ثم صار سفيها لا يمنع المال عنه؛ لأنه ليس بأثر الصبا،
ــ
[البناية]
يحتلم الإنسان في اثنتي عشرة سنة ثم يولد له في ستة أشهر يبلغ ذلك في اثنتي عشرة سنة ثم يولد له ولد ابن في ستة أشهر فيصير جدا صحيحا في خمس وعشرين سنة، ومن صار فرعه أصلا فقد تناهى في الأصلية، فإذا لم يؤنس رشده إلى هذه المدة فالظاهر انقطاع رجاء تأديبه فلا معنى لمنع المال عنه بعد ذلك، إلى هذا أشار محمد في الكتاب فقال أرأيت أنه لو بلغ مبلغا صار ولده قاضيا وله نافلة كان يحجر به على أبيه ويمنع المال منه، هذا قبيح.
فإن قلت: قد يصير الإنسان جدا في اثنتين وعشرين سنة، أي بلغ الصبي في اثني عشرة سنة فتزوج بامرأة فولدت لستة أشهر بنتا فبلغت البنت على تسع سنين فزوجها من رجل وولدت لستة أشهر فصار جدا في اثنين وعشرين سنة، فلم قدره بخمس وعشرين سنة.
قلت: الجد المطلق وهو الجد الصحيح، والفاسد لا اعتبار به.
الوجه الثاني: أن يجعل معارضة فيقال ما ذكرتم وإن دل على ثبوت المدلول لكن عندنا ينفيه وهو أن منع المال عنه بطريق التأديب ولا تأديب بعد هذا الملك.
م: (فلا فائدة للمنع) ش: أي لمنع المال عنه م: (فلزم الدفع) ش: أي فإذا كان كذلك لزم دفع المال إليه م: (ولأن المنع باعتبار أثر الصبا) ش: هذا دليل آخر تقريره أن المنع بعد البلوغ إذا لم يؤنس رشده باعتبار أثر الصبا م: (وهو) ش: أثر الصبا أي وجدانه م: (في أوائل البلوغ وينقطع بتطاول الزمان) ش: وقد ذلك بخمس وعشرين سنة، لأن مدة البلوغ من حيث السن ثماني عشرة سنة وما قرب من البلوغ فهو في حكم البلوغ، وقدر ذلك المبيع بالسنين اعتبارا بمدة التمييز في الابتداء على ما أشار النبي صلى الله عليه وسلم:«مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعة» .
م: (فلا يبقى المنع) ش: بعد ذلك م: (ولهذا) ش: أي ولأجل أن المنع، باعتبار أثر الصبا م:(قال أبو حنيفة رحمه الله: لو بلغ رشيدا) ش: أي لو بلغ الصبي حال كونه رشيدا م: (ثم صار سفيها لا يمنع المال عنه؛ لأنه ليس بأثر الصبا) ش: بل لخفة اعترته، إما لغضب، أو فرح.
فإن قلت: الدفع معلق بانيا من الرشيد، فما لم يوجد، لا يجوز الدفع إليه، إذ المعلق بالشرط لا يوجد، قيل: وجوده وما بقي مفسدا لماله ما لم يؤنس منه الرشد.
ثم لا يتأتى التفريع على قوله، وإنما التفريع على قول من يرى الحجر عليه، فعندهما لما صح الحجر لا ينفذ بيعه إذا باع توفيرا لفائدة الحجر عليه، وإن كان فيه مصلحة أجازه الحاكم؛ لأن ركن التصرف قد وجد والتوقف للنظر له وقد نصب الحاكم ناظرا له فيتحرى المصلحة فيه كما في الصبي الذي يعقل البيع ويقصده.
ــ
[البناية]
قلت: الشرط يوجب الوجود عند الوجود لا العدم عند العدم سلمناه لكنه سكر يراد به أدنى ما ينطلق عليه وقد وجد ذلك إذا وصل الإنسان إلى هذه الحالة لصيرورة فرعه أصلا، فكان متناهيا في الأصالة.
م: (ثم لا يتأتى التفريع على قوله) ش: أي التفريع الذي ذكره القدوري في "مختصره " يقول فإذا باع لا يتعدى معه، لا يتأتى على قول أبي حنيفة م:(وإنما التفريع على قول من يرى الحجر عليه، فعندهما لما صح الحجر لا ينفذ بيعه إذا باع توفيرا لفائدة الحجر عليه) ش: أي لأجل توفير فائدة الحجر، أراد لإظهار فائدة الحجر عليه، فيكون موقوفا.
م: (وإن كان فيه مصلحة) ش: بأن كان مثل القيمة أو كان البيع رابحا وكان الثمن باقيا في يده م: (أجازه الحاكم) ش: أي أجاز الحاكم ذلك البيع الموقوف، وإن كان الثمن أقل من القيمة أو كان البيع خاسرا أو لم يبق الثمن في يده لم يجز، لأن فيه ضرر به لخروج المبيع عن يده بدون أن يكون في يده شيء من البدل، واستدل على الجواز بالتوقف بقوله م:(لأن ركن التصرف قد وجد) ش: وذلك يوجب الجواز.
فإن قيل: إنما يوجب الجواز إذا وجد ركن التصرف من أهله، والسفيه ليس من أهله.
أجيب: بأنه أهل، لأن الأهلية بالعقل، والسفه، لا ينفيه كما تقدم.
م: (والتوقف للنظر له) ش: هذا جواب عما يقال فعلام التوقف؟ فأجاب بقوله: للنظر له م: (وقد نصب الحاكم ناظرا له فيتحرى) ش: أي يقصد باجتهاده م: (المصلحة فيه كما في الصبي الذي يعقل البيع ويقصده) ش: أي كما يتحرى الحاكم أو الولي في بيع الصبي وشرائه الذي يعقل البيع بأن يعلم أنه سالب، والشراء بأنه جالب كما مر، وقد اشتغل محمد رحمه الله في كتاب الحجر إلى آخر الكتاب بالتفريع على مذهبه وقال: هو بمنزلة الصبي الذي لم يبلغ إذا باع أو اشترى، فإن أجازه الحاكم يجوز وما لا فلا، لأن تصرفاته ليست بباطلة بل هي موقوفة لاحتمال وقوعها مصلحة، فإذا رأى القاضي وقوعه مصلحة يجيزه ولا يرده، بمنزلة الصبي الذي يعقل، إلا أنه يفارقه في خصال أربع:
الأولى: لا يجوز لوصيه ولا لأبيه أن يبيع عليه ماله ولا يشتري له إلا بأمر الحاكم، وفي