الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الحجر
قال: الأسباب الموجبة للحجر ثلاثة: الصغر والرق والجنون، فلا يجوز تصرف الصغير إلا بإذن وليه ولا تصرف العبد إلا بإذن سيده، ولا يجوز تصرف المجنون المغلوب بحال؛ أما الصغير
ــ
[البناية]
[كتاب الحجر]
[تعريف الحجر والأسباب الموجبة له]
م: (كتاب الحجر) ش: وجه المناسبة بين الكتاب المتقدم عليه وهذا أن في كل منهما سلب الاختيار، إلا أن في الإكراه أقوى لكونه بمنزلة اختيار صحيح، فلذلك قدم عليه. وهو المنع لغة من حجر عليه، ومنه سمي الحطيم حجرا لأنه منع من الكسبة، والعقل حجرا لمنعه صاحبه عن القبائح قال الله تعالى:{قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} [الفجر: 5](سورة الفجر: الآية 5) أي لذي عقل، والحرام حجر لأنه ممنوع، قال الله تعالى:{حِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: 22] أي حرما محرما، وشرعا منع مخصوص وهو المنع من التصرف قولا لشخص مخصوص، وهو المستحق للحجر بأي سبب كان.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (الأسباب الموجبة للحجر ثلاثة: الصغر والرق والجنون) ش: وهذا بالإجماع. عن أبي حنيفة أنه ألحق بهذه الثلاثة ثلاثة أخرى وهي المفتي الماجن. والطبيب الجاهل، والمكاري المفلس م:(فلا يجوز تصرف الصغير) ش: أي لا ينفذ تصرف الصغير الذي يعقل م: (إلا بإذن وليه ولا تصرف العبد إلا بإذن سيده) فإن أذن ولي الصبي وهو والده أو وصيه نفذ تصرفه، وكذلك إذا أذن المولى للعبد، لأن المنع لحقه، فإذا أذن فقد رضي بذلك.
م: (ولا يجوز تصرف المجنون المغلوب بحال) ش: أي في كل الأحول، أي لا ينعقد أصلا قبل الإذن وبعده، وأراد بالمجنون المغلوب الذي يجن ولا يفيق زمانا وهو المغلوب على عقله، واحترز به عن المجنون الذي يجن ويفيق، وهو المعتوه، فإن حكمه حكم الصبي.
قال الكاكي: ويحترز به عن المحنون الذي يعقل البيع ويقصده.
واعلم أن أصل العقل يعرف بدلالة العيان وذلك أن يختار المرء ما يصلح له، وكذلك القصور يمتحن بالامتحان، فأما الاعتدال فأمر يتفاوت فيه البشر فإذا توفي الإنسان عن رتبة القصور أقام الشرع السبب الظاهر الدال وهو البلوغ عن عقل مقامه تيسيرا على ما هو الأصل، لأنه متى تعذر الوقوف على المعاني باطنة تقام الأسباب الظاهرة مقامها كما أقيم السفر مقام المشقة في جواز الترخيص.
م: (أما الصغير) ش: أي الصغير العاقل، أما الصغير الذي لا عقل له فهو كالمجنون
فلنقصان عقله، غير أن إذن الولي آية أهليته والرق لرعاية حق المولى كيلا يتعطل منافع عبده، ولا يملك رقبته بتعلق الدين به، غير أن المولى بالإذن رضي بفوات حقه، والجنون لا يجامعه الأهلية فلا يجوز تصرفه بحال. أما العبد فأهل في نفسه، والصبي يرتقب أهليته فلهذا وقع الفرق قال: ومن باع من هؤلاء شيئا أو اشترى وهو يعقل البيع ويقصده، فالولي بالخيار إن شاء أجازه إذا كان فيه مصلحة، وإن شاء فسخه،
ــ
[البناية]
المغلوب لا ينفذ تصرفه م: (فلنقصان عقله، غير أن إذن الولي آية أهليته) ش: أي علامة أهليته لأن أهليته مترقبة، فإذا أذن له الولي دل على أهليته.
م: (والرق لرعاية حق المولى) ش: يعني أن العبد له أهلية، لكنه حجر عليه لرعاية حق المولى م:(كيلا تتعطل منافع عبده) ش: فإنه لو لم يثبت الحجر لنفذ البيع الذي اشتراه، وشراؤه فيلحقه ديون فيأخذ أربابها أكسابه التي هي منفعة المولى وذلك تعطيل لها عنه م:(ولا يملك رقبته) ش: بالنصب عطفا على قوله كيلا يتعطل، أي وكيلا تملك رقبته م:(بتعلق الدين به) ش: إذا لم يكن له كسب.
م: (غير أن المولى بالإذن رضي بفوات حقه) ش: فإذا رضي بفوات حقه بالإذن جاز تصرفه لأهليته وارتفاع المانع.
م: (والجنون) ش: الغالب م: (لا يجامعه الأهلية، فلا يجوز تصرفه بحال) ش: من الأحوال لما ذكرنا م: (أما العبد فأهل في نفسه) ش: لكونه عاقلا بالغا قادرا على التصرفات، ولكن المنع لحق مولاه كما ذكرنا م:(والصبي يرتقب أهليته) ش: بضم الياء على بناء المفعول، ورفع أهليته أي ينتظر أهليته، والشراء إذا كان له عوضية الثبوت يعطى له حكم الثبوت، فإذا انضم إذن المولى إليه تقرر ذلك الثبوت وهو عبارة عن النفاذ م:(فلهذا) ش: أي فلأجل أن العبد أهل في نفسه والصبي يرتقب أهليته م: (وقع الفرق) ش: أي بين المجنون والصبي والرقيق.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن باع من هؤلاء شيئا أو اشترى) ش: أي من الصبي والعبد والمجنون الذي يجن ويفيق، وفي بعض النسخ واشترى أيضا كما ذكر في القدوري، لكن أكثر نسخ الهداية بدون أو اشترى. وقال الأترازي: ولم يذكر في الهداية لفظها واشتراه وهو مثبت في المختصر والبداية أيضا، وكأن في الهداية وقع سهوا من الكاتب م:(وهو يعقل البيع) ش: أي والحال أنه يعقل، أي يعلم أن الشراء حالة للملك والبيع سالب له م:(ويقصده) ش: أي يقصد البيع، أي يقصد أحكامه، واحترز عن الهازل، فإنه وإن كان يعقل البيع ولكن لم يقصده وأراد به العبث أو السخرية م:(فالولي) ش: هو الأب أو الجد أو صبيهما أو غيرهما من العصبات أو القاضي م: (بالخيار إن شاء أجازه إذا كان فيه مصلحة، وإن شاء فسخه) ش: وعن
لأن التوقف في العبد لحق المولى فيتخير فيه، وفي الصبي والمجنون نظرا لهما، فيتحرى مصلحتهما فيه، ولا بد أن يعقلا البيع ليوجد ركن العقد فينعقد موقوفا على الإجازة، والمجنون قد يعقل البيع ويقصده، وإن كان لا يرجح المصلحة على المفسدة وهو المعتوه الذي يصلح وكيلا عن غيره كما بينا في الوكالة. فإن قيل: التوقف عندكم في البيع، أما الشراء فالأصل فيه النفاذ على المباشر. قلنا: نعم إذا وجد نفاذا عليه كما في شراء الفضولي.
ــ
[البناية]
الثلاثة لا ينعقد بيع هؤلاء ولا شراؤهم أصلا، وكذا الخلاف إذا توكل بالبيع والشراء غيرهم فباع واشترى يجوز عندنا خلافا لهم.
م: (لأن التوقف في العبد لحق المولى فيتخير فيه، وفي الصبي والمجنون نظرا لهما) ش: أي ولأن التوقف في الصبي والمجنون لأجل النظر في حالهما م: (فيتحرى مصلحتهما فيه) ش: أي فيطلب الولي مصلحة الصبي والمجنون فيما عقداه م: (ولا بد أن يعقلا البيع) ش: أي الصبي والمجنون أراد أن يعلماه م: (ليوجد ركن العقد) ش: أي التمليك، لأن بهذا العقد يزول ملكهما عن المبيع ويدخل في ملكهما الثمن.
م: (فينعقد) ش: بنصب الدال عطف على قوله ليوجد م: (موقوفا على الإجازة) ش: أي ينعقد عقدا موقوفا أو حال كونه موقوفا على إجازة الولي م: (والمجنون قد يعقل البيع) ش: كأنه جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال لا بد في إجازة الولي لبيع الصغير والمجنون من أن يكونا يعقلان البيع، والمجنون لا يعقل شيئا، فأجاب والمجنون قد يعقل البيع.
م: (ويقصده) ش: أي يقصد حكمه، وذلك أن المراد من المجنون هذا المعتق، وهذا الذي يختلط في كلامه فتارة يتكلم بكلام العقلاء وتارة بكلام المجانين، وأشار إلى ذلك بقوله: م: (وإن كان لا يرجح المصلحة على المفسد، وهو المعتوه الذي يصلح وكيلا عن غيره كما بينا في الوكالة) ش: عند قوله: ومن شرط الوكالة أن يكون الموكل ممن يملك التصرف إلى آخره.
م: (فإن قيل: التوقف عندكم في البيع، أما الشراء فالأصل فيه النفاذ على المباشر) ش: تحرير السؤال أن الأصل في الشراء النفاذ على المباشر، يعني من غير توقف على ما مر في بيع الفضولي، فكيف ينعقد هاهنا موقوفا على الإجازة؟
وأجاب عنه بقوله: م: (قلنا: نعم) ش: يعني نعم أن الأصل في الشراء النفاذ على المباشر بلا توقف لكن م: (إذا وجد نفاذا عليه) ش: أي إذا وجد الشراء نفاذا على المباشر م: (كما في شراء الفضولي) ش: يعني إذا أطلق الشراء، أما إذا أضاف إلى غيره فيتوقف بالإجماع.
وهاهنا لم يجد نفاذا لعدم الأهلية أو لضرر المولى فوقفناه. قال: وهذه المعاني الثلاثة توجب الحجر في الأقوال دون الأفعال، لأنه لا مرد لها
ــ
[البناية]
واعلم أن شراء الفضولي على وجوه ذكرها في الفتاوى الصغرى وتتمته:
الأول: إن أضاف الشراء إليه نصا بأن قال البائع بعت هذا من فلان، وقال الفضولي: اشتريت لفلان أو قبلت لفلان، وإن لم يقل لفلان فإنه يتوقف.
والثاني: لو قال بعت منك، وقال الفضولي: قبلت أو قال اشتريت ونوى بقلبه لفلان ينفذ بالاتفاق على المشتري ولا يتوقف.
الثالث: إذا قال الفضولي: اشتريت هذا لفلان، وقال البائع بعت منك ذكر فيه شيخ الإسلام خواهر زاده روايتين: والصحيح أنه لا يتوقف بلا خلاف.
الرابع: إذا قال البائع: بعت منك هذا لأجل فلان، فقال المشتري: اشتريت، أو قبلت، أو قال المشتري: اشتريت هذا لأجل فلان فقال البائع بعت فإنه لا يتوقف.
م: (وهاهنا) ش: أي فيما نحن فيه من حكم بيع الصبي والمجنون والعبد م: (لم يجد نفاذا) ش: أي لم يجد الشراء نفاذا على المباشر م: (لعدم الأهلية) ش: في الصبي والمجنون م: (أو لضرر المولى) ش: في العبد م: (فوقفناه) ش: أي العقد من هؤلاء.
قال السغناقي: هذا الذي ذكره إنما يرد على لفظ " مختصر القدوري " حيث قال: فيه ومن باع من هؤلاء أشياء أو اشترى، أما هاهنا يعني في الهداية فلم يذكر قوله أو اشترى فلا يرد الإشكال. ولكن جعل المذكور في القدوري مذكورا هاهنا، فأورد الإشكال ولكنه موجود في بعض النسخ كما ذكرنا.
م: (قال: وهذه المعاني الثلاثة) ش: يعني الصغر والجنون والرق م: (توجب الحجر في الأقوال) ش: يعني ما تردد منها بين النفع والضرر كالبيع والشراء، وأما الأقوال التي فيها نفع محض فالصبي فيها كالبائع، وهذا يصح منه قبول الهبة، والإسلام، ولا يتوقف على إذن الولي، وكذلك العبد والمعتوه.
وأما ما يتمحض منها ضررا كالطلاق والعتاق، فإنه يوجب الإعدام من الأصل في حق الصغير والمجنون دون العبد م:(دون الأفعال) ش: يعني أن المعاني الثلاثة لا توجب الحجر عن الأفعال.
م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (لا مرد لها) ش: أي للأفعال حتى إن ابن يوم لو انقلب على قارورة إنسان فكسرها وجب عليه الضمان في الحال، وكذا العبد والمجنون إذا أتلفا شيئا