الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل فيما يتغير بفعل الغاصب
قال: وإذا تغيرت العين المغصوبة بفعل الغاصب حتى زال اسمها وأعظم منافعها زال ملك المغصوب منه عنها وملكها الغاصب وضمنها فلا يحل له الانتفاع بها حتى يؤدي بدلها كمن غصب شاة وذبحها وشواها، أو طبخها أو حنطة فطحنها
ــ
[البناية]
[فصل فيما يتغير بفعل الغاصب]
م: (فصل فيما يتغير بفعل الغاصب) ش: لما ذكر حقيقة الغصب، وحكمه، أعقبه بذكر ما يزول به ملك المالك؛ لأنه عارض وحقه الفصل.
م: (قال: وإذا تغيرت العين المغصوبة) ش: أي قال القدوري رحمه الله: م: (بفعل الغاصب) ش: قيد به احترازا عما إذا تغير بدون فعله، كما إذا صار العنب زبيبا، أو خلا بنفسه والحليب لبنا، والرطب تمرا، فالمالك بالخيار إن شاء أخذه، وإن شاء تركه، وضمنه. ولو صار العنب زبيبا يجعله ملكه.
كذا في " فتاوى العتابي " م: (حتى زال اسمها) ش: احترز به عن غصب شاة وذبحها، حيث لم يزل ملك مالكها؛ لأنه لم يزل اسمها يقال: شاة مذبوحة، شاة حية م:(وأعظم منافعها) ش: وذكر هذا ليتناول الحنطة إذا غصبها وطحنها، فإن المقاصد المتعلقة بعين الحنطة كجعلها هريسة وكشكا ونشا وبذرا، وغيرها يزول بالطحن.
والظاهر أنه تأكيد؛ لأن قوله: زال اسمها تناوله، فإنها إذا طحنت صارت تسمى دقيقا لا حنطة، ومثل ذلك بقوله: كمن غصب شاة إلى آخره م: (زال ملك المغصوب منه عنها) ش: حتى لو أراد أن يأخذ عين الدقيق مثلا ليس له ذلك م: (وملكها الغاصب وضمنها فلا يحل له الانتفاع بها حتى يؤدي بدلها) ش: أي بدل العين المغصوبة وهو المثل، أو القيمة.
م: (كمن غصب شاة وذبحها وشواها، أو طبخها) ش: هذا مثال لتغير العين المغصوبة، وقيد بالشي، والطبخ احترازا عما إذا ذبحها، يشو، ولم يطبخ، حيث لا ينقطع حق المالك عنها، ولهذا قال ظهير الدين إسحاق بن أبي بكر الولوالجي في " فتاواه ": ولو غصب شاة فذبحها فالمالك بالخيار إن شاء أخذها، ولا شيء له غيرها؛ لأن الذبح تقريب إلى مقصود وهو اللحم، ولا يعد غصبا، وإن شاء ضمنه قيمتها يوم الغصب لأجل التبديل، وكذا إذا سلخها، وأربها ولم يشوها، وقال محمد: إن شاء أخذ الشاة وضمنه النقصان، وهذا أصح؛ لأن بعض المنافع تفوت بالذبح، انتهى.
م: (أو حنطة فطحنها) ش: أي أو غصب حنطة فطحنها فصارت دقيقا. وقال الكرخي:
أو حديدا فاتخذه سيفا، أو صفرا فعمله آنية، وهذا كله عندنا.
ــ
[البناية]
وإذا غصب حنطة فطحنها فإن أبا حنيفة، ومحمدا قالا: لا سبيل لرب الحنطة على الدقيق.
وكذا روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمه الله، وعلى الغاصب الحنطة التي غصب، وقال ابن سماعة عن أبي يوسف رحمه الله: لا يأخذ المغصوب منه الدقيق مكان الحنطة، لكن أبيع الدقيق، واشتري له حنطة مثل حنطته وهو أحق بذلك من جميع الغرماء إن مات الغاصب؛ لأنه شبه وهو أحق به من غيره، ولذلك لو غصب دقيقا فخبزه أو غزلا فنسجه أو قطنا فغزله ونسجه فهو مثل ذلك يباع له ذلك فيعطى مثل قطنه، ومثل طعامه إن أبى الغاصب أن يدفع إليه ذلك.
وروى ابن سماعة عنه في موضع آخر أن رب الحنطة بالخيار إن شاء ضمنه حنطة مثل حنطته ودفع إليه الدقيق، وإن شاء أخذ ذلك الدقيق وأبرأ الطاحن؛ لأن متاعه بعينه. قال: خالف أبو حنيفة رحمه الله في هذا وجعله بالخيار على ما وضعت، وكذلك إن وهبه الغاصب أو باعه أو تصدق به، فإن ذلك كله باطل، ولرب الطعام أن يأخذ شيه بعينه.
وكذلك لو غصبه لحما فشواه أو طبخه، وكذلك لو غصبه سمسما أو زيتونا فعصره، وكذلك لو غصبه ترابا فلته أو طبخه آجرا أو اتخذ منه آنية الخزف، أو جعله جهبابا قال فإن لم يكن للتراب ثمن فلا شيء عليه ولا بأس بأن ينتفع به.
فإن غصب طعاما فزرعه فإن عليه مثله في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وتصدق بفضله، وفي قول أبي يوسف لا يتصدق بفضله، ولا بأس بأن ينتفع به قبل أن يرضى صاحبه وكذلك نوى غرسه واتخذ منه نخلا فهو ضامن لقيمته.
قال: وكذلك صنوف الشجر، انتهى كلام الكرخي.
وكذلك لو غصب بيضا فحضنه فصار دجاجا أو غصب زيتا فجعله في بزر له كثير فغلب عليه البزر فصار بزرا، أو غصب عصفرا فصبغ به فلا سبيل لصاحب هذه الأشياء على شيء مما ذكرناه، ولكن يضمن الغاصب حق الذي غصبه إياه، ولا شيء له من ذلك.
م: (أو حديدا فأتخذه سيفا، أو صفرا فعمله آنية) ش: أي أو غصب حديدا فاتخذه سيفا، أو غصب صفرا فعمله آنية، والصفر بالكسر.
قال أبو عبيد: الصفر بكسر الصاد وهو الذي يعمل منه الأواني.
قلت: هو نوع من النحاس وهو الأصفر في لون الذهب م: (وهو كله عندنا) ش: يعني زوال تملك المالك وتملك الغاصب وضمانه عندنا.
وقال الشافعي: لا ينقطع حق المالك وهو رواية عن أبي يوسف غير أنه إذا اختار أخذ الدقيق لا يضمنه النقصان عنده لأنه يؤدي إلى الربا وعند الشافعي: يضمنه عن أبي يوسف أنه يزول ملكه عنه لكنه يباع في دينه وهو أحق به من الغرماء بعد موته للشافعي أن العين باق فيبقى على ملكه وتتبعه الصنعة كما إذا هبت الريح في الحنطة وألقتها في طاحونة الغير فطحنت ولا معتبر بفعله لأنه محظور فلا يصلح سببا للملك على ما عرف فصار كما إذا انعدم الفعل أصلا
ــ
[البناية]
م: (وقال الشافعي رحمه الله لا ينقطع حق المالك وهو رواية عن أبي يوسف رحمه الله) ش: وهو قول أحمد رحمه الله أيضا م: (غير أنه إذا اختار أخذ الدقيق لا يضمنه النقصان عنده) ش: أي عند أبي يوسف م: (لأنه يؤدي إلى الربا) ش: لأنه يأخذ عين حقه مع شيء آخر، إذ الدقيق هو عين الحنطة؛ لأن عمل الطحن وتفريق الآخر لا في إحداث ما لم يكن موجودا، وتفريق الآخر لا يبدل العين كالقطع في الثوب، ألا ترى أن الربا يجري بينهما ولا يجري الربا إلا باعتبار المجانسة.
م: (وعند الشافعي رحمه الله: يضمنه) ش: أي النقصان، لأن على أصله تضمين النقصان مع أخذ العين في الأموال الربوية جائز، وهو رواية م:(عن أبي يوسف رحمه الله: أنه يزول ملكه عنه لكنه يباع في دينه وهو أحق به من الغرماء بعد موته) ش: يعني فيشتري له به حنطة مثل حنطته، فلو مات الغاصب فالمالك أحق به من سائر الغرماء؛ لأنه زال ملكه ويده بسبب لم يرض به، وفي " الإيضاح " عن أبي يوسف ثلاث روايات، أحدها كقولهما وقد ذكرناها.
م: (للشافعي رحمه الله أن العين باق فيبقى على ملكه) ش: هذا عطف على قوله؛ لأنه يؤدي إلى الربا، وتقريره أن بقاء العين المغصوبة يوجب بقاءها على ملك المالك لا الموجب الأصلي في الغصب رد العين عند قيامه، ولولا بقاؤه على ملك المالك لما كان كذلك، والعين باق فيبقى على ملكه م:(وتتبعه الصنعة) ش: الحادثة؛ لأنها تابعة للأصل فالمالك صاحب الأصل وللغاصب الشفعة، فيترجح صاحب الأصل على صاحب التبع.
م: (كما إذا هبت الريح في الحنطة وألقتها في طاحونة الغير فطحنت) ش: فإن الدقيق يكون لمالك الحنطة، كذلك هذا م:(ولا معتبر بفعله) ش: هذا جواب عما يقال: إن هذا تمثيل فاسد؛ لأنه تحلل في صورة النزاع، فعل الغاصب دون المستشهد به، أجاب بقوله ولا معتبر بفعله م:(لأنه محظور) ش: أي حرام م: (فلا يصلح سببا للملك على ما عرف) ش: في الأصول أن الفعل المحظور لا يصلح سببا للنعمة وهو الملك م: (فصار كما إذا انعدم الفعل أصلا) ش: وحينئذ صارت صورة
وصار كما إذا ذبح الشاة المغصوبة وسلخها وأربها. ولنا: أنه أحدث صنعة متقومة فصير حق المالك هالكا من وجه، ألا ترى أنه تبدل الاسم، وفات معظم المقاصد وحقه في الصنعة قائم من كل وجه، فيترجح على الأصل الذي هو فائت من وجه.
ــ
[البناية]
النزاع كالمستشهد به لا محالة م: (وصار كما إذا ذبح الشاة المغصوبة وسلخها وأربها) ش: بفتح الراء المشددة من التأريب، أو جعلها عضوا عضوا، فإن فعل الغاصب فيه موجود وليس بسبب للملك لكونه محظورا.
م: (ولنا: أنه) ش: أي الغاصب م: (أحدث صنعة متقومة) ش: لأن قيمة الشاة تزداد بطبخها وشيها، وكذلك قيمة الحنطة تزداد بجعلها دقيقا وإحداثها م:(فصير حق المالك هالكا من وجه) ش: لأن قيام الشيء إنما يعرف بصورته ومعناه، وقد فقدت الصورة.
م: (ألا ترى أنه تبدل الاسم) ش: وتبدل الاسم يدل على تبدل العين، فكأنه لم يبق العين الأولى م:(وفات معظم المقاصد) ش: فإن المطلوب من عين الحنطة الزراعة والقلي واتخاذها هريسة، وبالطحن بطل هذا المقصود.
فإن قلت: المقصود الأصلي في الحنطة وسائر المطعومات التغذي بها، فإن الله عز وجل ما خلقها إلا لمصالح الأنفس لتكون عدة لها، وبالزراعة استدامتها فكانت وسيلة إليه، وبالطحن لم يفت ما هو المقصود، ولهذا يجري الربا بين الحنطة والدقيق، ولا ربا بين الحنطة والدقيق، ولا ربا بدون المجانسة.
فإذا بقي ما هو المقصود لا يكون معظم المقاصد فائتا.
قلت: لا شك في فوات الصورة فيفوت المعنى؛ لأن معنى الشيء قائم بصورته، ولا نسلم أن المقصود هو الأكل، إذ العقلاء ما اعتادوا أكل عين الحنطة، بل بعد القلي، واتخاذها هريسة أو خبزا يستدعي وجود الدقيق والدقيق بوجود الحنطة، فكانت الوسيلة إلى هذا المقصد الأصلي من غير الحنطة هو الزراعة، وكذلك المقصود من عين السمسم هو الزراعة، ومن عين العنب وجريان الربا بشبهة المجانسة من حيث الصورة، ومبناه على الاحتياط.
م: (وحقه في الصنعة قائم من كل وجه) ش: هذا جواب عن قوله العين باق فيبقى على ملكه، تقريره أن حق الغاصب أولى باعتباره؛ لأن حقه قائم في الصفة من كل وجه، أي أنها موجودة من كل وجه فلا يضاف حدوثها إلى صاحب العين، بدليل أن المغصوب منه إذا اختار أخذ الدقيق يجب عليه أجرة الطحان، وكذلك لا يأخذ الثوب إلا ويعطيه ما زادت الصنعة فيه من الخياطة، وحق الآخر في المصنوع قائم من وجه هالك من وجه.
ولا نجعله سببا للملك من حيث إنه محظور، بل من حيث إنه إحداث الصنعة بخلاف الشاة لأن اسمها باق بعد الذبح والسلخ وهذا الوجه يشمل الفصول المذكورة ويتفرع عليه غيرها فاحفظه
ــ
[البناية]
لأن حقه في الثوب والثوب ثوب بالتركيب، والتركيب بالقطع زال من وجه وبقي من وجه، فلو زال كله لذهب ملكه، وكذلك بعض المنافع القائمة زال بالقطع وحدث بالخياطة ما لم يكن وهذا كمن غصب إبريسما فخاط بطن نفسه أو شاته لم يجز نزع الإبريسم؛ لأنه هالك من وجه، م:(فيترجح على الأصل الذي هو فائت من وجه) ش: أي إذا كان كذلك فيترجح حق الغاصب على الأصل وهو حق المالك الذي هو فائت من وجه؛ لأن الصناعة قائمة بذاتها من كل وجه، والعين هالكة فصارت الصنعة راجحة في الوجود، وترجيحه يرجح إلى الحال، وترجيحنا إلى الوجود، فالرجحان في الذات أحق من الحال؛ لأنها تابعة للذات.
م: (ولا نجعله سببا للملك) ش: هذا جواب عن قوله ولا معتبر بفعله؛ لأنه محظور، تقريره أننا لا نجعل فعل الغاصب من الطحن وغيره سببا م:(من حيث إنه محظور، بل من حيث إنه إحداث الصنعة) ش: المتقومة، إذ إحداث الصنعة مشروع في نفسه، وإنما حرم هاهنا بأن جعل مال الغير بمنزلة آلة له، فأشبه الاحتطاب بقدوم الغير والاصطياد بقوس الغير.
م: (بخلاف الشاة) ش: هذا جواب عن قوله وصار كما إذا ذبح الشاة المغصوبة، تقريره أن العلة حدوث الفعل من الغاصب على وجه تبدل الاسم، والشاة ليست كذلك م:(لأن اسمها باق بعد الذبح والسلخ) ش: حيث يقال شاة مذبوحة مسلوخة، كما يقال شاة حية.
فإن قيل: الكلام فيها بعد التأديب ولا يقال شاة مأربة، بل يقال لحم مأرب، فقد حصل الفعل وتبدل الاسم ولم ينقطع حق المالك.
أجيب بأنه كذلك إلا أنه لما ذبحها فقد أبقى اسم الشاة فيها مع ترجيح جانب اللحمية فيها، إذ معظم المقصود منها اللحم ثم السلخ ثم التأريب بعد ذلك لا يفوت ما هو المقصود بالذبح، بل يحققه فلا يكون تبديل العين، بخلاف الطبخ بعد؛ لأنه لم يبق ما هو المتعلق باللحم كما كان فلم يكن لصاحبها أن يأخذها.
م: (وهذا الوجه) ش: أي وجه الاستدلال ببقاء الاسم على عدم الانقطاع، وبفوات الاسم على الانقطاع م:(يشمل الفصول المذكورة) ش: أي التي ذكرها القدوري من غصب الشاة وذبحها وغصب الحنطة وطحنها، وغصب الحديد واتخاذه سيفا، وغصب الصفر وعمله آنية م:(ويتفرع عليه غيرها) ش: أي على الفصول المذكورة غيرها، مثل خبز الدقيق ونسج الغزل وغزل القطن وعصر السمسم، فإنه يقطع حق المالك عندنا خلافا للشافعي ومن تابعه م:(فاحفظه)
وقوله: ولا يحل له الانتفاع بها حتى يؤدي بدلها استحسانا، والقياس: أن يكون له ذلك وهو قول الحسن وزفر رحمهما الله، وهكذا عن أبي حنيفة رحمه الله رواه الفقيه أبو الليث رحمه الله. ووجهه ثبوت الملك المطلق للتصرف، ألا ترى أنه لو وهبه أو باعه جاز. وجه الاستحسان قوله عليه الصلاة والسلام في الشاة المذبوحة المصلية بغير رضاء صاحبها:«أطعموها الأسارى»
ــ
[البناية]
ش: أي فاحفظ الذي يتفرع عليها واستخرجه بالقياس.
م: (وقوله) ش: أي وقول القدوري م: (لا يحل له الانتفاع حتى يؤدي بدلها استحسانا) ش: فيه إشارة إلى أنه لا يحل له الانتفاع بالقضاء وقد نص في " المبسوط " أنه يحل بالقضاء؛ لأنه بمنزلة الأداء لحصول رضى المالك عنده؛ لأنه لا يقضي إلا بطلبه.
م: (والقياس أن يكون له ذلك) ش: أي الانتفاع قبل أداء البدل م: (وهو قول الحسن وزفر رحمهما الله وهكذا عن أبي حنيفة، رواه الفقيه أبو الليث) ش: قال الفقيه أبو الليث في باب الغصب بعلامة النون من الواقعات الحسابية رجل غصب لحما فطبخه، أو حنطة فطحنها كان عليه الضمان، فصار ملكا له وحل أكله في قوله أبي حنيفة رحمه الله؛ لأنه ملكه بالبدل.
وقال محمد: في العيون لا يحل حتى يرضى المالك، وهو وقول أبي يوسف، انتهى.
ونقل في آخر كتاب الغصب من خلاصة الفتاوى عن فتاوى أهل سمرقند رجل غصب طعاما فمضغه حتى صار مستهلكا، فلما ابتلع ابتلع حلالا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وشرط الطيب عنده وجوب البدل، وعندهما أداء البدل، والفتوى على قولهما، انتهى.
وقال الكرخي في مختصره: قال الحسن: قال زفر: إذا طبخه أو شواه فقد صار مستهلكا له، وعليه القيمة، وله أن يأكله ويطعمه من شاء رضي صاحبه بالقيمة أو لم يرض، وبه يأخذ الحسن.
م: (ووجهه) ش: أي وجه القياس م: (ثبوت الملك المطلق) ش: بكسر اللام، أي: المجوز م: (للتصرف، ألا ترى أنه لو وهبه أو باعه جاز) ش: لأنه ملكه بوجه محظور، فصار كالمقبوض على وجه بيع فاسد، حيث يصح بيعه. م:(وجه الاستحسان قوله عليه الصلاة والسلام في الشاة المذبوحة المصلية بغير رضاء صاحبها: «أطعموها الأسارى ") » ش: هذا الحديث رواه اثنان من الصحابة رضي الله عنهم:
أحدهما: رجل من الأنصار أخرج حديثه أبو داود في سننه في أول البيوع ثنا محمد بن العلاء أنا ابن إدريس أنا عاصم بن كليب عن أبيه «عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع
أفاد الأمر بالتصدق
ــ
[البناية]
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على القبر يوصي الحافر أوسع مع قبل رجليه أوسع من قبل رأسه، فلما رجع استقبله داعي امرأة فجاء وجيء بالطعام، فوضع يده، ووضع القوم فأكلوا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يلوك لقمته في فمه. فقال:" إني أجد شاة أخذت بغير إذن أهلها "، فأرسلت المرأة، قالت: يا رسول الله إني أرسلت إلى البقيع أشتري شاة فلم أجد، فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن أرسل إلي بها بثمنها فلم يأخذ، فأرسلت إلى امرأته فأرسلت بها إلى، فقال صلى الله عليه وسلم: " أطعميه الأسارى» .
ورواه أحمد في مسنده حدثنا معاوية بن عمر أبو إسحاق عن زائد عن عاصم بن كليب عن أبيه أن رجلا من الأنصار قال فذكره، وهذا مسند صحيح، إلا أن كليب ابن شهاب والد عاصم لم يخرجا له في الصحيح، وخرج له البخاري في رفع اليدين.
وقال ابن سعد: ثقة، وذكره ابن حبان في " الثقات "، ولا يضره قول أبي داود: وعاصم ابن كليب عن أبيه عن جده ليس بشيء، فإن هذا ليس من روايته عن أبيه عن جده، وأخرجه الدارقطني في " سننه " في الضحايا عن حميد بن الربيع ثنا إدريس به وحميد بن الربيع هو الخزاز بخاء معجمة وزاي مكررة.
وقال ابن الجوزي في " التحقيق ": كذاب، وتعقبه صاحب التنقيح فقال: وثقه عثمان بن أبي شيبة وقد تابعه محمد بن العلاء كما رواه أبو داود.
والثاني ابن موسى أخرج حديثه الطبراني في " معجمه " ثنا أحمد بن القاسم الطائي ثنا بشر بن الوليد ثنا أبو يوسف القاضي عن أبي حنيفة عن عاصم بن كليب عن أبي بردة «عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار قوما من الأنصار في دارهم فذبحوا له شاة فصنعوا له منها طعاما، فأخذ من اللحم شيئا ليأكله فمضغه ساعة لا يسيغه، فقال: ما شأن هذا اللحم، قالوا شاة لفلان ذبحناها حتى يجيء فترضيه في ثمنها، فقال صلى الله عليه وسلم: " أطعموها الأسارى ".» ورواه في " معجمه الأوسط " ثنا أحمد بن القاسم الطاوي ثنا بشر بن الوليد به.
م: (أفاد الأمر بالتصدق) ش: أي أفاد الحديث الأمر بالتصدق، والحاصل أنه أفاد أمورا ثلاثة:
زوال ملك المالك، وحرمة الانتفاع للغاصب قبل الإرضاء،
ــ
[البناية]
الأول: الأمر بالتصدق الذي يدل على زوال ملك المالك إذ لو بقي الملك للمالك لأمر بالرد إليه تحرزا عن إبطال ملك الإنسان، أو أمر بالبيع وحفظ الثمن عند خوف الفساد؛ لأن الإمام ولايته بيع مال الإنسان عند الحاجة.
الثاني: زوال ملك المالك، أشار إليه بقوله م:(زوال ملك المالك) ش: بالنصب، أي وأفاد أيضا زوال ملك المالك. ووجهه ما ذكرناه.
الثالث: حرمة الانتفاع قبل أداء البدل، أشار إليه بقوله: م: (وحرمة الانتفاع للغاصب قبل الإرضاء) ش: بالنصب أيضا، أي وأفاد أيضا حرمة انتفاع الغاصب بالمغصوب قبل إرضاء المالك بالتراضي أو بالقضاء.
وقال محمد بن الحسن: في كتاب " الآثار " أخبرنا أبو حنيفة رحمه الله عن عاصم بن كليب عن أبيه به، ثم قال ولو كان هذا اللحم باقيا على ملك مالكه الأول لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أن يطعم الأسارى، ولكن لما رآه خرج من ملك الأول صار مضمونا على الذي أخذه أمر بإطعامه؛ لأن من ضمن شيئا فصار له عن وجه غصب فإن الأولى أن يتصدق به ولا يأكله.
وأخرج الدارقطني في " سننه " عن عبد الواحد بن زياد عن عاصم بن كليب به، ثم أخرج عن عبد الواحد بن زياد قال: قلت لأبي حنيفة: من أين أخذت قولك في الرجل يعمل في مال الرجل بغير إذنه أنه يتصدق بالذبح، قال: أخذته من حديث عاصم بن كليب هذا، انتهى.
فإن قلت: قال البيهقي: وهذا؛ لأنه كان يخشى عليها الفساد وصاحبها كان غائبا فرأى من المصلحة أن يطعمها الأسارى ثم يضمن لصاحبها.
قلت: الإمام إذا خاف التلف على ملك غائب يبيعه ويحبس ثمنه عليه كما ذكرنا. ولا يجوز له أن يتصدق به.
فإن قلت: هذا الحديث متروك الظاهر؛ لأن المذهب أن التصدق بالذبح لا يعين المغصوب، فكيف يصح التمسك به.
قلت: روي عن محمد أنه يتصدق بالأصل قبل أداء الضمان على أنا نقول: إن الحديث يقتضي انقطاع حق المالك والتصدق، إلا أن التصدق ترك للمعارض، فبقي الحكم الآخر على ظاهره، ولا يرد علينا اللقطة؛ لأن الشارع أمر بتصدقها بعد تعريفها وعجزها عن إصابة المالك وعن صيانة المال، وهاهنا المالك معلوم ويمكن الرد عليه فلا يجوز التصدق بدون رضاه، كما لو علم صاحب اللقطة وأمكن الرد عليه. كذا ذكره الإمام اليرعوي.
ولأن في إباحة الانتفاع فتح باب الغصب فيحرم قبل الإرضاء حسما لمادة الفساد ونفاذ بيعه وهبته مع الحرمة لقيام الملك كما في الملك الفاسد وإذا أدى البدل يباح له لأن حق المالك صار موفى بالبدل، فحصلت مبادلة بالتراضي، وكذا إذا أبرأه لسقوط حقه به، وكذا إذا أدى بالقضاء أو ضمنه الحاكم أو ضمنه المالك لوجود الرضى منه؛ لأنه لا يقضي إلا بطلبه. وعلى هذا الخلاف إذا غصب حنطة فزرعها أو نواة فغرسها
ــ
[البناية]
قوله: المصلية أي المشوية من صليت اللحم وغيره أصليه صليا، مثل رميته أرميه رميا إذا شويته، وأراد بالأسارى المحبوسين، كذا فسره محمد رحمه الله، قوله يلوك من اللوك وهو مضغ الشيء الصلب وإدارته في الفم، يقال لاك اللقمة ولاك الفرس اللجام.
قوله: لا يسيغه من ساغ الطعام مسوغا سهل دخوله في الحلق، وأسغته أنا أي ساغ لي.
م: (ولأن في إباحة الانتفاع فتح باب الغصب فيحرم قبل الإرضاء حسما لمادة الفساد) ش: هذا دليل معقول، وهو ظاهر.
وفي بعض النسخ قيل الإرضاء أي ساغ لي قبل إرضاء المالك، والحسم القطع بالحاء المهملة م:(ونفاذ بيعه) ش: هذا جواب عن قوله: ولهذا لو وهب أو باعه، أي نفاذ بيع المغصوب م:(وهبته) ش: أي نفاذ هبته، والمصدر في الموضعين مضاف إلى مفعوله م:(مع الحرمة لقيام الملك) ش: وذلك لا يستلزم الإباحة م: (كما في الملك الفاسد) ش: يعني كالمقبوض في البيع الفاسد.
م: (وإذا أدى البدل يباح) ش: هذا راجع إلى قوله حتى يؤدي بدلها، أي إذا أدى الغاصب بدل العين المغصوبة يباح الانتفاع م:(لأن حق المالك صار موفى بالبدل، فحصلت مبادلة بالتراضي، وكذا إذا أبرأه) ش: أي وكذا يباح الانتفاع إذا أبرأ المالك الغاصب م: (لسقوط حقه به) ش: أي لسقوط حق المالك بالإبراء.
م: (وكذا إذا أدى بالقضاء) ش: أي: وكذا يباح الانتفاع إذا أدى البدل بقضاء القاضي، وفي " المبسوط " لو قضى القاضي بالضمان يحل له الانتفاع بمجرد القضاء لوجود الرضى من المالك، إذ المالك لا يضمنه إلا بعد طلبه فكان راضيا به وقد ذكرناه مرة م:(أو ضمنه الحاكم) ش: بأن كان المغصوب مال اليتيم م: (أو ضمنه المالك) ش: أي أو طلب المالك من الغاصب الضمان يحل الانتفاع قبل أداء الضمان م: (لوجود الرضى منه) ش: أي من المالك م: (لأنه لا يقضي إلا بطلبه) ش: أي بطلب المالك ودعواه، فكان المالك ضمنه فيحل له الانتفاع بذلك.
م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بين أصحابنا وزفر رحمهم الله تعالى م: (إذا غصب حنطة فزرعها أو نواة فغرسها) ش: يعني لا يحل الانتفاع بالمغصوب قبل أداء البدل