الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المنفعة، وإنما يدخل في النقصان؛ لأن محمدا رحمه الله جعل في الأصل قطع الثوب نقصانا فاحشا والفائت به بعض النافع.
قال: ومن غصب أرضا.
ــ
[البناية]
قطع يفوت من إجراء شيء لا محالة م: (وجنس المنفعة ويبقى بعض العين وبعض المنفعة) ش: أراد به أنه لا يبقي جميع منافعه بل يفوت بعض ويبقي بعض، كما إذا قطع الثوب قميصا منفعة الجبة والقباء.
م: (واليسير ما لا يفوت به شيء من المنفعة، وإنما يدخل فيه النقصان) ش: أي النقصان في مالية الثوب لسبب فوت الجودة. وفي " الفتاوى الصغرى " قال بعضهم إن أوجب الخوف النقصان ربع القيمة فصاعدا فهو فاحش وما دونه يسير. وقال بعضهم ما لا يصلح الباقي لثوب فهو فاحش، واليسير ما يصلح. والصحيح أن الفاحش ما يفوت به بعض المنفعة وبعض العين، واليسير ما يفوت بعض المنفعة، انتهى.
وهو عكس ما قال صاحب " الهداية " حيث قال: واليسير ما لا يفوت به شيء من المنفعة، وكل منهما نص على الأصح بما ذهب إليه كما ترى. وقال تاج الشريعة: وقال الإمام رضي الدين النيسابوري: ما يستنكف أوساط الناس من لبسه مع ذلك الخرق هو الكثير واليسير ضده. وفي غير المخيط وغير المقطوع أن لا يمكن أن يخاط منه، واليسير ضده.
م: (لأن محمدا رحمه الله جعل في الأصل) ش: أي " المبسوط " م: (قطع الثوب) ش: بدون الخياطة م: (نقصانا فاحشا) ش: جعل للمالك ولاية تضمين جميع القيمة م: والفائت به) ش: أي بالقطع م: (بعض المنافع) ش: لا عامة المنافع كما أشار إليه القدوري. وأما لو خاطه ينقطع حق المالك عندنا، ذكره في " الذخيرة ". وعند الثلاثة لا ينقطع، وقالوا في الشق اليسير يأخذ الثوب ويضمنه النقصان. وفي الفاحش كذلك عند الشافعي وأحمد رحمهما الله وعند مالك رحمه الله مخير كقولنا.
وقال شمس الأئمة: هذا الحكم الذي ذكرنا في الخرق في الثوب فهو الحكم في كل عين من الأعيان إلا في الأموال الربوية، فإن التغيير هناك فاحشا أو يسيرا، لصاحبه الخيار بين الإمساك والدفع والتضمين لقيمته، وفي الإمساك لا يضمن النقصان؛ لأنه يؤدي إلى الربا.
[غصب أرضا فغرس فيها أو بنى]
م: (قال: ومن غصب أرضا) ش: أي قال القدوري: وقال تاج الشريعة: سماه غصبا وإن لم يتحقق الغصب في العقار عندهما لما أنه يتصور بصورة الأملاك.
قلت: عبارة أصحابنا في غصب العقار مختلفة على مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله فقيل يتحقق فيه الغصب ولكن لا على وجه يوجب الضمان، وإليه مال القدوري: في قوله: وإذا غصب عقارا فهلك في يده لم يضمنه عندهما، فعلى هذا لا يرد
فغرس فيها أو بنى قيل له: اقلع البناء والغرس وردها لقوله عليه الصلاة والسلام: «ليس لعرق ظالم حق»
ــ
[البناية]
السؤال فلا يحتاج إلى الجواب وقيل لا يتحقق فحينئذ يجاب بما ذكره تاج الشريعة.
م: (فغرس فيها أو بنى قيل له: اقلع البناء والغرس وردها) ش: يروى الغرس بفتح الغين وكسرها جميعا، فالأول مصدر أريد به المفعول أي المغروس من الشجر والنخل، والثاني اسم ما يغرس من الشجر والنخل، وهذا الحكم لا خلاف فيه.
م: (لقوله عليه الصلاة والسلام: «ليس لعرق ظالم حق» ش: هذا الحديث رواه ستة من الصحابة رضي الله عنهم الأول: سعيد بن زيد أخرج حديثه أبو داود في الخراج والترمذي في الأحكام، والثاني في إحياء الموات عن عبد الوهاب الثقفي، ثنا أيوب عن هشام بن عروة، عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحيا أرضا ميتة فهو له، وليس لعرق ظالم حق ".» قال الترمذي: حديث حسن غريب، وقد رواه جماعة عن هشام بن عروة عن أبيه مرسلا، قلت: منهم مالك في " الموطأ ". قال ابن عبد البر في البعض أرسله وجميع الرواة عن مالك لا يختلفون في ذلك، وأخرجه النسائي عن يحيى بن سعيد عن هشام ابن عروة مرسلا.
الثاني: عبادة بن الصامت رضي الله عنه أخرج حديثه الطبراني حدثنا يوسف القاضي، ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، ثنا فضل بن سليمان عن موسى بن عقبة، ثنا إسحاق بن يحيى بن الوليد بن عبادة بن الصامت، ثنا عبادة بن الصامت عن قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم «وأنه ليس لعرق ظالم حق» .
الثالث: عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أخرج حديثه الطبراني أيضا عن مسلم بن خالد الزنجي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمر مرفوعا باللفظ الأول.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
الرابع: عمرو بن عوف رضي الله عنه أخرج حديثه إسحاق بن راهويه والبزار في " مسنديهما " والطبراني في " معجمه " وابن عدي في " الكافي " عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف مزني، حدثني أبي أبان أخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«من أحيا أرضا مواتا من غير أن يكون فيها حق مسلم فهي له، وليس لعرق ظالم حق» وأعله ابن عدي بكثير بن عبد الله.
الخامس: رجل من الصحابة أخرج حديثه أبو داود عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عروة عن أبيه مرفوعا قال عروة فلقد أخبرني الذي حدثني بهذا الحديث وفي لفظه فقال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبر ظني أنه أبو سعيد «أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض غوين أحدهما غرس فيها نخلا والأرض للآخر فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض لصاحبها، وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله، وقال: " ليس لعرق ظالم حق» قال: فلقد أخبرني الذي حدثني بهذا الحديث أنه رأى النخل تقطع أصولها بالقوس.
السادس: عائشة رضي الله عنها أخرج حديثها أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الطيالسي في " مسنده "، ثنا زمعة عن الزهري عن عروة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البلاد بلاد الله والعباد عباد الله، ومن أحيا من موات الأرض شيئا فهو له وليس لعرق ظالم حق» .
ومن طريق الطيالسي رواه الدارقطني في " سننه " والبزار في " مسنده ". وقال أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: قال هشام: عرق الظالم أن يغرس الرجل في أرض غيره فيستحقها بذلك، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: العرق الظالم كل ما أخذ واحتكر وغرس بغير حق.
وذكر في " النهاية " بتنوين عرق، وظالم صفة لا غير، ورواية الفقهاء على الصفة والإضافة. وفي:" المغرب ": ليس لعرق ظالم حق، وصف العرق بالظلم الذي هو صفة صاحبه مجازا، كأنه غرسها على وجه الاغتصاب ليستوجبها به. وقال تاج الشريعة وروي بالإضافة، أي ليس لعرق الغاصب حق، أي ثبوت ودوام بل يؤمر بقلعه.
ولأن ملك صاحب الأرض باق، فإن الأرض لم تصر مستهلكة والغصب لا يتحقق فيها، ولا بد للمالك من سبب فيؤمر الشاغل بتفريغها.
ــ
[البناية]
قلت: العرق في الأصل بكسر العين هو عرق الشجر والبدن، ويجمع على عروق.
فإن قلت: هذا حكم غرس الشجر والبناء فكيف حكم الزرع في أرض الغير؟.
قلت: روى أبو عبيدة في " كتاب الأموال " عن شريك عن أبي إسحاق عن عطاء بن رباح عن رافع بن خديج - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فله نفقته وليس له من الزرع شيء» فقضى على رب الأرض بنفقة الزرع وجعل الزرع لرب الأرض بنفقة الزارع.
قال: والفرق بين الزرع والنخل أن الزرع إنما يمكث في الأرض سنة، إذا انقضت السنة رجعت الأرض إلى ربها فلم يكن لتأخير نزعها وجه.
وذكر في " الواقعات الحسامية " في باب الغصب بعلامة العين رجل غصب أرضا فزرعها حنطة ثم اختصما وهي بذر لم ينبت بعد، فصاحب الأرض بالخيار إن شاء تركها حتى ينبت، ثم يقول له اقلع زرعك وإن شاء أعطاه ما زاد البذر فيه. أما الخيار فلأنه لا طريق لتفريغ الأرض إلا ذلك، فإن اختار إعطاء الضمان كيف يضمن؟ روى هشام عن محمد أنه يضمن ما زاد البذر فيه فتقوم الأرض غير مبذورة، وتقوم مبذورة لكن يبذر ولغيره حق النقض والقلع إذا نبت، ففصل ما بينهما قيمة بذر في أرض غيره.
وقال: فيه أيضا بعلامة الباء رجل ألقى بذره إلى أرضه وجاء رجل وألقى بذره وسقى الأرض فنبت البذران جميعا أو ألقى فيها بذره وقلب الأرض قبل أن ينبت بذر صاحب الأرض فنبت البذر لا جميعا فما نبت يكون للأرض عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لأن خلط الجنس بالجنس استهلاك عنده وعليه للأول قيمة بذره، لكن مبذورا وفي أرض تكون ملكه.
وطريق معرفة ذلك ما مر، لكن ثمة يضمن قيمة بذره في أرض نفسه، فإن جاء صاحب الأرض وهو الأول فألقى فيها بذر نفسه مرة ثالثة وقلب الأرض قبل أن ينبت فيها البذران أو لم يقلب وسقى ما ثبت من المبذور كلها فهو له وعليه للغاصب مثل بذره مبذورا في أرض غيره؛ لأنه أتلف ذلك.
م: (ولأن ملك صاحب الأرض باق فإن الأرض لم تصر مستهلكة والغصب لا يتحقق فيها) ش: أي في الأرض م: (ولا بد للمالك من سبب فيؤمر الشاغل بتفريغها) ش: أي فيؤمر شاغل أرض
كما إذا شغل ظرف غيره بطعامه. قال: فإن كانت الأرض تنقص بقلع ذلك فللمالك أن يضمن له قيمة البناء وقيمة الغرس مقلوعا، ويكونان له؛ لأن فيه نظرا لهما ودفع الضرر عنهما.
ــ
[البناية]
الغير بإخلائها عما شغلها م: (كما إذا شغل ظرف غيره بطعامه) ش: بأن غصب ظرفا فطرح فيه متاعه فإنه يؤمر بتفريغه، فكذا هذا.
م: (فإن كانت الأرض تنقص بقلع ذلك) ش: أي بقلع الغرس والبناء م: (فللمالك أن يضمن له) ش: أي للغاصب م: (قيمة البناء وقيمة الغرس مقلوعا) ش: أي حال كون كل واحد من الغرس والبناء مقلوعا، وكان الأصوب أن يقول مقلوعين على ما لا يخفى، وليس المراد أن يقلعا ثم يقوما لدلالة الحال عليه، وإنما المراد يقومان وهما قائمان بقيمة ما لو كانا مقلوعين على ما يجيء الآن.
م: (ويكونان له) ش: أي يكون الغرس أو البناء لمالك الأرض م: (لأن فيه نظرا لهما ودفع الضرر عنهما) ش: أي لأن في هذا المذكور نظرا للمالك والغاصب جميعا؛ لأن في منع الغاصب من البناء والغرس إضرارا له؛ لأنه عين ماله فلا يجوز منعه منها، وفي قلعه وتسليمه ضرر على المالك وقد قال صلى الله عليه وسلم:«لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» وفيما ذكرنا نظر ورعاية للجانبين.
وفي " الذخيرة " و " المحيط ": لو غصب ساجة وبنى عليها لا ينقطع حق المالك، ثم قال: وكان الإمام أبو علي النسفي يحكي عن " الكرخي " أنه ذكر في بعض كتبه متصلا فقال: إن كان قيمة الساجة أقل من قيمة البناء ليس للمالك أن يأخذها، وإن كانت قيمة الساجة أكثر فله أن يأخذها.
قال مشايخنا: هذا قريب من مسائل حفظت عن محمد. قال: ومن كان في يده لؤلؤة فسقطت فابتلعتها دجاجة إنسان ينظر إلى قيمة الدجاجة واللؤلؤة، فإن كانت قيمة الدجاجة أقل يخير صاحب اللؤلؤة بين أخذ الدجاجة بقيمتها وبين ترك اللؤلؤة وأخذ قيمتها.
وكذا لو أودع رجلا فصيلا فكبر الفصيل حتى لم يكن إخراجه من البيت إلا بنقض الجدار ينظر إلى أكثرهما قيمة ويخير صاحب الأكثر بدفع قيمة الآخر إلى صاحبه ويتملك مال صاحبه. وكذا لو كان للمستأجر حب في الدار المستأجرة لا يمكن إخراجها إلا بهدم شيء من الحائط ينظر أيهما أكثر قيمة.
وكذا لو أدخل رجل أترجة في قارورة غيره فكبرت الأترجة فلا خيار لأحد وضمن الفاعل لصاحب الأترجة قيمتها، وتكون الأترجة والقارورة بالضمان، قيل: يمكن أن يجاب عنها بأن لا تعدي فيها بخلاف مسألة الغصب؛ لأنه متعد فلا يراعى حقه. وفي " خلاصة الفتاوى "