الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: ومن
غصب ساجة فبنى عليها
زال ملك المالك عنها، ولزم الغاصب قيمتها. وقال الشافعي رحمه الله: للمالك أخذها والوجه عن الجانبين قدمناه، ووجه آخر لنا فيه: أن فيما ذهب إليه إضرارا بالغاصب بنقض بنائه الحاصل من غير خلف، وضرر المالك فيما ذهبنا إليه مجبور بالقيمة،
ــ
[البناية]
[غصب ساجة فبنى عليها]
م: (قال ومن غصب ساجة) ش: أي قال القدوري رحمه الله والساجة بالسين المهملة وتخفيف الجيم خشبة عظيمة. وقيل خشبة منحوتة مهيأة للأساس، والأصح أنها خشبة صلبة قوية تجلب من بلاد الهند لها، ثم تعمل منها الأبواب، وأما الساحة بالحاء المهملة فستأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى م:(فبنى عليها زال ملك مالكها عنها ولزم الغاصب قيمتها) ش: وفي " الذخيرة ": هذا إذا كانت قيمة البناء أكثر من قيمة الساجة، أما إذا كانت قيمة الساجة أكثر من قيمة البناء لم يزل ملك مالكها عنها بالإجماع.
وفي " الكافي " للحاكم: وإن غصب ساجة أو خشبة فأدخلها في بنائه أو آجرة فأدخلها في بنائه أو جصا فبنى به، قال: عليه في ذلك كله قيمته، وليس للمغصوب منه نقض ما بناه وأخذ ساجته وخشبته وآجره على حوالي الساجة؛ لأنه غير متعد في البناء على ملكه فلا ينقض. وأما إذا بنى على نفس الساجة ينقض بناؤه؛ لأنه مطلقا وجعله الأصح، والدليل عليه أن القدوري بعد أن ذكر في شرحه " لمختصر الكرخي " ما ذكرناه قال في كتاب الصرف: ومن غصب درهما فجعله عروة مزادة سقط حق مالكه، والفضة لا تسقط حق مالكها عنها بالصياغة وإنما أسقط بكونها تابعة للموادة، وهذا لا يكون إلا بعمل يرفعه فيها على وجه التعدي، فدل على أن المسألة على إطلاقها، وأنه لا حق للمالك في الساجة في الوجهين على ما يأتي عن قريب.
م: (وقال الشافعي رحمه الله: للمالك أخذها) ش: أي أخذ الساجة، وبه قال زفر وأحمد ومالك رحمهم الله على ما يأتي عن قريب م:(والوجه عن الجانبين قدمناه) ش: أي الدليل في مسألة الساجة هو الذي ذكرناه من جانبنا وجانب الشافعي في المسألة المتقدمة في أول الفصل، يعني أن الغصب عندنا عدوان ويصلح سببا للملك. ولنا أنه أحدث صنعة متقومة إلى آخره. م:(ووجه آخر لنا فيه) ش: أي وجه آخر لنا في غصب الساجة، أي في تعليله م:(أن فيما ذهب إليه) ش: أي في الذي ذهب إليه الشافعي م: (إضرارا بالغاصب بنقض بنائه الحاصل من غير خلف) ش: لأن فيه إبطال حقه م: (وضرر المالك فيما ذهبنا إليه مجبور بالقيمة) ش: فكان فوات حقه مجبورا بالقيمة، وضرر الغاصب ليس بمجبور بشيء فيفوت حقه لا إلى خلف، وكان قطع حق المالك أولى من قطع حق الغاصب.
فصار كما إذا خاط بالخيط المغصوب بطن جاريته أو عبده، أو أدخل اللوح المغصوب في سفينته.
ــ
[البناية]
فإن قلت: الغاصب جان ولا يبالى بضرر الجاني إذا كان فيه دفع الضرر عن المجني عليه.
قلت: نعم ولكن حق الجاني فيما وراء جنايته مرعي ودفع الضرر عنه واجب.
فإن قلت: إنه أضر بنفسه حيث باشر سببه، وهو إدخال ساجة الغير في بنائه مع علمه بذلك فلا يبقى مستحقا للنظر بدفع الضرر عنه.
قلت: لا نسلم أنه أضر بنفسه، نعم إنه أدخل ساجة الغير في بنائه، وهذا ليس بسبب للنقض، بل هو سبب لانقطاع حق المالك وثبوت الملك له.
فإن قلت: قوله صلى الله عليه وسلم: «من وجد عين ماله فهو أحق به» دليل على أن حقه لا ينقطع بإدخالها في البناء؛ لأنه وجد عين ماله.
قلت: نحن نقول بموجبه وهاهنا لم يجد عين ماله؛ لأن الساجة صارت هالكة من وجه، فصارت ملكا للغاصب. م:(فصار كما إذا خاط بالخيط المغصوب بطن جاريته أو عبده) ش: حيث لا يجب رد الخيط على صاحبه بلا خلاف، ولو خاط بالخيط المغصوب جرح حيوان يؤكل ففيه للشافعي وأحمد رحمهما الله قولان: في قول يجب رده، وفي الثاني ينتقل حقه إلى القيمة، وفي " مغني الحنابلة " فإن خاط به جرح حيوان محترم لا يحل أكله كالآدمي والبغل والحمار الأهلي وخيف التلف بنزعه لم يجب النزع؛ لأنه إضرار لصاحبه ولا يزال الضرر بالضرر، وإن كان الحيوان للغاصب، فقال القاضي يجب نزعه ورده.
وقال أبو الخطاب: فيه وجهان أحدهما هذا، والثاني لا. ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين، انتهى.
ولو غصب خيطا وخاط به ثيابه لا يجب نقضه عندنا، وقالت: الثلاثة يجب نقضه ورد الخيط على صاحبه. م: (أو أدخل اللوح المغصوب في سفينته) ش: يعني ليس لصاحب اللوح نزعه، ولكن فيه تفصيل: وهو أنه إن كان في الساحل لزمه قلعه ورده، وبه قال الشافعي ومالك، وإن كان في لجة البحر واللوح في أعلاها بحيث لا يغرق بقلعه يقلع، وإن خيف غرقها
ثم قال الكرخي والفقيه أبو جعفر الهندواني: إنما لا ينقض إذا بنى في حوالي الساجة، أما إذا بنى على نفس الساجة ينقض؛ لأنه متعد فيه وجواب الكتاب يرد ذلك وهو الأصح. قال: ومن ذبح شاة غيره بغير أمره فمالكها بالخيار إن شاء ضمنه قيمتها وسلمها إليه، وإن شاء ضمنه نقصانها وكذا الجزور.
ــ
[البناية]
لم تقلع حتى يخرج إلى الساحل، ولصاحب اللوح المطالبة بالقيمة، فإذا أمكنه رد اللوح استرجعه ورد القيمة، وبه قال أصحاب الشافعي رحمه الله وفي " الأسرار ": صورة المجيء عليها فيما إذا كانت السفينة مع من عليها في لجة البحر وخيف الغرق.
فإن قلت: عدم جواز رد الخيط واللوح عنده من أن فيه تلف الناس؛ لأن المالك ملك ذلك بما صنع فلا يصلح للاستشهاد لاختلاف المناط.
قلت: ثبت في كل واحدة، أي من العلة أعني التلف وتملك الغاصب عنها حق الملك وغيره، وجعل حق غيره أولا؛ لأن بإبطاله زيادة الضرر بالنسبة إلى ضرر المالك فكانتا متساويتين.
م: (ثم قال الكرخي والفقيه أبو جعفر الهندواني: إنما لا ينقض إذا بنى في حوالي الساجة) ش: بفتح اللام، يقال فقد حوله وحوليه، ولا يقال حواليه بكسر اللام، وقعد حياله وبحياله. أي بإزائه، وذلك بأن يكون بعض البناء على ساجة لنفسه والبعض على الساجة المغصوبة؛ لأنه غير متعمد به من كل وجه م:(أما إذا بنى على نفس الساجة ينقض؛ لأنه متعد فيه) ش: من كل وجه فيقلع م: (وجواب الكتاب) ش: أي القدوري، وهو قوله بنى عليها م:(يرد ذلك) ش: أي التفصيل لما قلنا: إن ضرر المالك مجبور بالقيمة دون ضرر الغاصب م: (وهو الأصح) ش: أي جواب الكتاب هو الأصح، وقد مر بيان الأصحية عن قريب.
وفي " الذخيرة " لو أراد الغاصب نقض البناء ورد الساجة مع تملكها بالضمان بعد القضاء بقيمتها لا تحل، وقبل القضاء بهما قيل: يحل، وقيل: لا يحل؛ لأنه تضييع المال بلا فائدة.
م: (قال: ومن ذبح شاة غيره بغير أمره) ش: أي قال القدوري في " مختصره " ومن ذبح شاة غيره بغير إذنه م: (فمالكها بالخيار إن شاء ضمنه قيمتها وسلمها إليه) ش: أي إلى الذابح م: (وإن شاء ضمنه نقصانها) ش: أي نقصان الشاة م: (وكذا الجزور) ش: أي وكذا الحكم إذا غصب الجزور وذبحها، إما أن يأخذ العين مع نقصان الذبح، وإما أن يترك العين ويضمن جميع القيمة، والجزور بفتح الجيم ما أعد للجزر من الإبل، أي القطع وهو الذبح يذكر ويؤنث، ومن جعله بالتذكير فقط متوهم، وهو أن يقال إذا كان الجزور معدة للذبح لم يكن معنى الدر والنسل
وكذا إذا قطع يدهما هذا هو ظاهر الرواية. ووجهه أنه إتلاف من وجه باعتبار فوت بعض الأغراض من الحمل والدر
ــ
[البناية]
فيها مطلوبا فكيف يلزم النقصان، بل الذبح زيادة فيه؛ لأنه يؤخذ لأجله العوض.
فأجاب عنه وقال لا يتفاوت الحكم بين أن يكون الحيوان معدا للذبح أو لم يكن؛ لأن الذبح في الحيوان نقص من حيث تفويت الحياة.
م: (وكذا إذا قطع يدهما) ش: أي وكذا الحكم إذا اقطع يد الشاة والجزور يعني أن المالك بالخيار إن شاء أخذ العين مع نقصان القطع، وإن شاء ترك العين للغاصب وضمنه جميع القيمة، وهذا رواية عن أصحابنا، والظاهر أن له تضمين جميع القيمة بلا خيار، ألا ترى إلى ما قال الحاكم الشهيد في " كافيه ": وأما الدابة إذا غصبها فقطع يدها أو رجلها فلا يشبه هذا، أي لا يشبه الخرق الكثير في الثوب.
قال: لأنه استهلكها وليس ينتفع صاحبها بما بقي، والغاصب بقيمة الدابة وهي له، وكذا لو كانت بقرة أو شاة أو جزورا فذبحها أو قطع يدها أو رجلها، انتهى.
وذلك؛ لأن الدابة بعد فوات يدها أو رجلها لا ينتفع بها انتفاع الدواب، فصارت هالكة ويصير الغاصب مستهلكا فيجب عليه القيمة، وتكون الدابة بخلاف الثوب، فإن الثوب بالخرق الفاحش لا يكون هالكا؛ لأنه يمكن أن ينتفع بالثياب فلا يضمنه القيمة بلا خيار، بل يكون الخيار للمالك.
وفي شرح " الكافي " روي في رواية أن له الخيار في مأكول اللحم؛ لأن اللحم مقصود كما أن عينها مقصود، واللحم لم يتلف فكان حقه قائما من وجه، فكان له الخيار إن شاء ترك اللحم عليه وضمنه قيمة الدابة، وإن شاء أخذ اللحم وضمنه قيمة النقصان.
م: (هذا هو ظاهر الرواية) ش: أي المذكور من ثبوت الخيار للمالك هو ظاهر الرواية، واحترز به عما رواه بشر عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهم الله أن صاحب الشاة بالخيار إن شاء أخذها ولا شيء له غيرها، وإن شاء تركها وضمنه قيمتها يوم غصبها، وكذا روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة، وكذلك إذا سلمها حين ذبحها أو قطع لحمها أعضاء ولم يطبخه والرأس قائم والجلد والأكارع والبطن، كان المغصوب بالخيار إن شاء أخذ ذلك، ولم يكن له غيره وإن شاء ضمنه قيمتها حية.
م: (ووجهه) ش: أي وجه ظاهر الرواية م: (أنه) ش: أي الذبح م: (إتلاف من وجه باعتبار فوت بعض الأغراض من الحمل والدر) ش: بفتح الدال وتشديد الراء وهو اللبن، ومنه ناقة درور
والنسل، وبقاء بعضها وهو اللحم فصار كالخرق الفاحش في الثوب، ولو كانت الدابة غير مأكول اللحم فقطع الغاصب طرفها للمالك أن يضمنه جميع قيمتها لوجود الاستهلاك من كل وجه.
ــ
[البناية]
ودار، أي كثيرة اللبن م:(والنسل وبقاء بعضها) ش: أي بعض الأغراض م: (وهو اللحم فصار) ش: أي الحكم في هذا م: (كالخرق الفاحش في الثوب) ش: على ما يجيء حكمه عن قريب، وهذا الذي ذكره لا يعم الجزور بظاهره، ولكنه يعمه من قوله فوت بعض الأغراض إذا لم يجعل البيان منحصرا فيما ذكر بقوله من الحمل والدر والنسل.
م: (ولو كانت الدابة غير مأكول اللحم فقطع الغاصب طرفها، للمالك أن يضمنه جميع قيمتها لوجود الاستهلاك من كل وجه) ش: قال الكاكي: في تقييد هذا الحكم بمأكول اللحم لا توجد زيادة فائدة لما أن الحكم في مأكول اللحم كغير مأكول؛ لأن بقطع الطرف للمالك اختيار تضمين جميع القيمة في المأكول وغيره، ذكره في " المبسوط ".
وقال الأترازي: هذا إنما هو على اختيار صاحب الهداية، والظاهر وجوب تضمين القيمة بلا خيار فيهما، يعني في مأكول اللحم وغير مأكوله إذا قطع طرفه فكان فائدة ذكره رد ذلك الظاهر.
وقال صاحب " العناية ": فيه نظر من وجهين أحدهما: أنه لو كان كذلك لكفى أن يقول وكذلك إذا كان غير مأكول اللحم.
والثاني: أن التعليل يدل على مغايرة الحكم بين قطع طرف مأكول اللحم وغير مأكوله، حيث قال في الأول إنه إتلاف من وجه، وفي الثاني بوجود الاستهلاك من كل وجه، والظاهر من كل أنه نفى اختيار المالك بين تضمين قيمتها وبين إمساك الخشبة وتضمين نقصانها، ويكون ذلك اختيارا منه. وإن كان نقل الكتب على خلافه، فإنه ذكر في " الذخيرة " و " المغني " فقال وفي " المنتقى " هشام عن محمد رجل قطع يد حمار أو رجله وكان لما بقي قيمته فله أن يمسك ويأخذ النقصان، قلت: أراد بذلك صاحب الهداية الإشارة إلى ما ذكره في الواقعات الحسامية في باب الغصب بعلامة السين رجل غصب دابة فقطع يدها فهذا على وجهين:
أما إن كانت لا يؤكل لحمها أو يؤكل ففي الوجه الأول لا يكون لصاحب الدابة خيار؛ لأنه استهلك من كل وجه، وفي الوجه الثاني له الخيار؛ لأنه استهلك من وجه، انتهى.
فإن قلت: ما أراد صاحب الهداية من قوله: فقطع الغاصب طرفها.
قلت: أراد به أحد قوائمها؛ لأن في عين الحمار أو البغل أو الفرس ربع القيمة، وكذلك