الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: ويكره
لحم الفرس
عند أبي حنيفة رحمه الله وهو قول مالك. وقال أبو يوسف ومحمد رحمه الله والشافعي رحمهم الله: لا بأس بأكله لحديث جابر رضي الله عنه أنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل يوم خيبر»
ــ
[البناية]
ذلك على الإباحة، ونقول: ما روى غالب بن الحر يدل على الإباحة، وما روى غيره يدل على التحريم، والتاريخ مجهول فيجعل دليل الحرمة مؤخرا تغليبا للنسخ، أو يقال: معنى قوله: «كل من سمين مالك» ؛ أي كل ثمنه، كما يقال: أكل فلان عقاره أي ثمنه، قال الشاعر:
إن لنا حمرا عجافا
…
يأكل كل ليلة أكانا
والمراد ثمن الأكان لا يقال حرمها لقلة الحمير يوم خيبر بل لأنها [
…
] لم تخمس لأن ابن أبي أوفى يعني ابن [
] له ذلك، فقال له: حرمها البتة فتبين أنه ما حرمها لقلة الحمر؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم أمر بإكفاء القدور بعد ما صار لحما ما بقي فيه منفعة الحمر وصار هو مأكولا وفيه منفعة القائمين بالطعام فلا بأس بالإكفاء، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأما البغال فكذلك حرام أكلها لقوله سبحانه وتعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ} [النحل: 8] كما قد ذكرنا؛ ولأن الولد قد يتبع الأم في الحل والحرمة، وأما البغل، أو الفرس، أو الحمار، وأيا ما كان فالبغل مكروه لأن الأم مكروهة الأكل عند أبي حنيفة رحمه الله.
وقال ظهير الدين الولوالجي رحمه الله في " فتاواه ": أما البغال إن كان الفرس نزا على الحمار يكره لأن لما للإناث غيره بالجماع، وأما الحمار إذا نزا على الرمكة فكذلك قيل هذا قول أبي حنيفة، وأما على قولهما: فلا بأس به لأنه ليس لماء الفحل غيره فبقي ماء الأم، وعندهما لا بأس بأكل الأم وينكر أن يسمى بغلا، والظاهر أن الأول قول الكل.
[لحم الفرس]
م: (قال: ويكره لحم الفرس عند أبي حنيفة رحمه الله) ش: أي قال القدوري في " مختصره ": م: (وهو قول مالك) ش: أي قول أبي حنيفة هو قول مالك، وبه قال الأوزاعي، وأبو عبيد م:(وقال أبو يوسف، ومحمد، والشافعي رحمهم الله: لا بأس بأكله) ش: وبه قال أحمد، وأبو ثور، وابن المبارك، وابن سيرين، وابن الزبير، والحسن، وعطاء، والأسود بن يزيد، وسعيد بن جبير رحمه الله م: (لحديث جابر رضي الله عنه أنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل يوم خيبر» ش: هذا الحديث أخرجه البخاري في غزوة خيبر، وفي الذبائح. وأخرجه مسلم في " الذبائح " عن عمرو بن دينار رحمه الله عن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل» . ولفظ البخاري: «ورخص في لحوم الخيل» .
ولأبي حنيفة رحمه الله قَوْله تَعَالَى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] خرج مخرج الامتنان والأكل من أعلى منافعها. والحكيم لا يترك الامتنان بأعلى النعم ويمتن بأدناها.
ــ
[البناية]
م: (ولأبي حنيفة رحمه الله قَوْله تَعَالَى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] خرج مخرج الامتنان والأكل من أعلى منافعها) ش: أي من أعلى منافع الخيل م: (والحكيم لا يترك الامتنان بأعلى النعم ويمتن بأدناها) ش: قد قررنا معنى هذا الكلام عن قريب.
فإن قلت: إنما لم يذكر؛ لأنه يفهم الأعلى بذكر الأدنى بالطريق الأولى كما في قوله سبحانه وتعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] يفهم منه حرمة الضرب، والشتم بالطريق الأولى دون العكس.
قلت: إنما يصح ذلك إذا كان البيان بطريق الكفاية وما نحن بصدده من قبيل بيان النهاية ألا ترى إلى قَوْله تَعَالَى فيما سبق: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ} [النحل: 5] . ثم عطف عليها، والخيل، والبغال، والحمير من غير ذكر شيء آخر من المنافع فلما قال:{لِتَرْكَبُوهَا} [النحل: 8] علم أن حكم المعطوف عليه حكم المعطوف.
فإن قلت: إنما يستقيم هذا إذ لو كان المقصود من النص الامتنان بمطلق النعمة المخصوصة، فلا يستقيم هذا، وإن سلمنا. لكن لم قلتم إن منفعة الأكل في الخيل يتعلق بها البقاء في الجملة، ولكن غيره يسد مسده في تعليق إبقائه هو البقر، والغنم، وغيرهما. ومنفعة الركوب، والزينة في الخيل تحصل على وجه لا يحصل بغيره من الحيوانات.
فكانت منفعة الركوب والزينة في الجملة بترك الامتنان في منفعة الأكل في الخيل لا يدل على حرمة الأكل، كترك الامتنان بنعمة الدار، والنسل، والبيع.
قلت: وجه الامتنان لا يتعلق باختصاص هذه المنافع بهذه الأشياء إنما يتعلق برجوع هذه المنافع إلى العباد؛ لأن وجه النعمة في ذلك لا في اختصاصها ومنفعة الأكل في الخيل بالإضافة إليها فوق منفعة الركوب والزينة في كونها نعمة.
على أنا نقول: إن منفعة الركوب والزينة لا تختص بهذه الحيوانات بل توجد في غيرها، وهو البقر، والإبل وغير ذلك فلا يكون القصد منه ذكر المنافع بها.
أما قوله: لم قلتم إن منفعة الأكل في الحيوانات يتعلق بها البقاء على ما ذكرنا. ومنفعة الركوب والزينة لا يتعلق بها البقاء ".
وأما قوله: غيره يسد مسده في تعليق البقاء، قلنا: ذلك لا يخرج كون منفعة الأكل من أن يكون فوق منفعة الركوب والزينة.
وأما منفعة البيع والحمل فقد ذكرها دلالة، وإن لم يذكرها صريحا؛ لأنه متى تبين كونه
ولأنه آلة إرهاب العدو فيكره أكله احتراما له، ولهذا يضرب له بسهم في الغنيمة، ولأن في إباحته تقليل آلة الجهاد، وحديث جابر معارض بحديث خالد رضي الله عنه والترجيح للمحرم
ــ
[البناية]
منتفعا به في ذاته ثبت أنه مال متقوم، ويحل للبيع.
فإن قلت: الآية نزلت بمكة قبل الهجرة، وبعد الهجرة أكل جماعة من الصحابة رضي الله عنهم الحمار، والفرس إلى يوم خيبر، فلو كانت الآية دالة على الحرمة لما جاز أكلهم ولما صح سكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيان في مثل هذه الصورة.
قلت: إنما لم يبين عليه السلام قبل فتح خيبر؛ لأنه يمكن أنه لم يطلع على فعلهم، فلما اطلع يوم خيبر نهى وإنما أكلوا لعدم وقوفهم على هذه الدلالة لعمومها.
فإن قلت: ترك ذلك الحمل عليه وينبغي أن لا يحمل عليه وهو فاسد.
قلت: الكلام في أن ترك أعلام النعم والذهاب إلى ما دونه دليل حرمة الأعلى والحمل وليس كذلك.
م: (ولأنه) ش: أي الفرس: (آلة إرهاب العدو فيكره أكله احتراما له) ش: أي احتراما له لأن ما كان بسبب لإخافة العدو يستحق الإكرام، وفي ذبحه إهانة له.
م: (ولهذا) ش: أي ولكونه آلة لإرهاب العدو م: (يضرب له بسهم في الغنيمة) ش: لأن الفارس إنما يستحق السهمين بواسطة فرسه م: (ولأن في إباحته تقليل آلة الجهاد) ش: أي لأن في أكله تقليل مادة الجهاد وهو حرام، ولا شك أن منفعة حياته تربوا على منفعة لحمه بوجوه م:(وحديث جابر معارض بحديث خالد رضي الله عنه والترجيح للمحرم) ش: أراد بحديث جابر المذكور في معرض استدلال أبي يوسف رحمه الله ومحمد، وبحديث خالد المذكور في تعرض الاستدلال في تحريم الحمر الأهلية، قيل: فيه نظر؛ لأن حديث جابر صحيح، وحديث خالد بن الوليد رضي الله عنه متكلم فيه إسنادا، ومتنا.
منهم من ادعى نسخه، بحديث جابر رضي الله عنه لأنه قال فيه: فأذن، وفي لفظ: ورخص. قال الحازمي في كتابه: والإذن والرخصة يستدعي سابقة المنفع، ولو لم يرد هذا اللفظ لتعذر القطع بالنسخ لعدم التاريخ، فوجب المصير إليه.
وقيل: ليس فيه نسخ، ولكن الاعتماد على أحاديث الإباحة بصحتها ولكثرة رواتها.
وحديث خالد هذا ورد في قضية معينة وهو أن سبب التحريم في الخيل متحد وفي البغال،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
والحمير مختلف. وذلك أنه نهي عن البغال، والحمير لذاتها، وعن الحمير لأنهم سارعوا إلى طبخها يوم خيبر قبل أن تخمس، فأمر صلى الله عليه وسلم بإكفائها تغليظا عليهم. فلما رأوا نهيه صلى الله عليه وسلم عن تناول لحوم الخيل والبغال والحمير، اعتقدوا أن سبب التحريم واحد. وحتى «نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى ينهاكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس» .
فحينئذ فهو أن سبب التحريم مختلف وأن الحكم بتحريم الحمار الأهلي على التأبيد، وأن الخيل إذا كان عن تناول ما لم ينجس فيكون قوله: إذن، أو رخص دفعا لهذه الشبهة.
قلت: مسند حديث خالد رضي الله عنه جيد، ولهذا أخرجه أبو داود، وسكت عنه فهو حسن عنده. وقال النسائي: وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرني بقية أخبرني ثور بن يزيد عن صالح فذكره بسنده، وقد صرح فيه بقية بالحديث عن ثور، وثور حمصي أخرج له البخاري، وغيره وبقية: إذا صرح بالحديث كان سنة حجة. كذا قال ابن معين، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والنسائي، وغيرهم، خصوصا إذا كان الذي حدث عن بقية عاما.
قال ابن عدي: إذا روى بقية عن أهل الشام فهو ثبت، وصالح، وذكره ابن حبان رحمه الله في الثقات، وأبو يحيى ذكره الذهبي في " الكاشف " وقال: وثق وأبوه المقدام بن معد يكرب صحابي فهذا سند جيد كما ترى. فكيفما كان كذلك صحت المعارضة. فإذا تعارضا ترجح المحرم كما ذكرنا ولا يصح الاستدلال على نسخ حديث خالد بقوله: أذن أو رخص؛ لأنه يحتمل أن يكون إذنه في حالة المخمصة إذ هي أغلب أحوال الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.
وفي " الصحيح ": أنهم ما وصلوا إلى خيبر إلا وهم جياع، فلا يدل على الإطلاق.
فإن قلت: لو كانت الإباحة للمخمصة لما اختصت بالخيل.
قلت: يمكن أن يكون في زمن الإباحة بالفرس ما أصابوا البغال والحمير.
فإن قلت: قال ابن حزم في حديث خالد دليل الوضع لأن فيه عن خالد رضي الله عنه: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر. وهذا باطل لأن خالدا لم يسلم إلا بعد خيبر بلا خلاف.
قلت: ليس كما قال بل فيه خلاف فقيل: هاجر بعد الحديبية، وقيل: بل كان إسلامه بين الحديبية وخيبر، وقيل: بل كان إسلامه سنة خمس بعد فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني قريظة وكانت الحديبية في ذي القعدة سنة ست، وخيبر بعدها سنة سبع، ولو سلم أنه أسلم بعدها فغاية ما فيه أنه أرسل الحديث، ومراسيل الصحابة رضي الله عنهم في حكم الموصول المسند، لأن روايتهم، عن الصاحبة كما ذكره ابن الصلاح وغيره.
ثم قيل: الكراهية عنده كراهية تحريم، وقيل: كراهية تنزيه والأول أصح، وأما لبنه فقد قيل: لا بأس به، لأنه ليس في شربه تقليل آلة الجهاد.
ــ
[البناية]
فإن قلت: يشكل عن قوله سؤرة فإنه طاهر.
قلت: ذكر خواهر زاده رحمه الله في شرحه أن الحسن روى عن أبي حنيفة رحمه الله أن سؤره [
…
] مثل سؤر الحمار.
فإذا أخذنا بهذا فالسؤال ساقط ولئن سلمنا فالجواب عنه أن حرمة أكل لحمه إنما كانت للاحترام لا للنجاسة فصار كسؤر الآدمي.
فإن قلت: يشكل على قوله بقوله لأنه كبول ما يؤكل لحمه عنده.
قلت: إنما جعله كذلك للتحقيق لعموم البلوى وقد علم أن له أثرا في التحقيق فافهم.
م: (ثم قيل: الكراهية عنده كراهية تحريم) ش: أي كراهية لحم الفرس عند أبي حنيفة كراهية تحريم.
ثم قال صاحب المنظومة: وأكل لحم الخيل، وقال: ويكره، والمراد الحرمة لا التنزيه واختلف المشايخ في معنى الكراهية في معنى الكراهية لاختلاف اللفظ المروي عنه؛ لأنه ذكر في " المبسوط " في كتاب " الصيد " قال أبو حنيفة: رخص بعض العلماء في لحم الخيل فأما أنا فلا يعجبني أكله.
وما قال في الجامع يكره الخيل عنده، يدل على أن المراد كراهية التحريم؛ لأن أبا يوسف رحمه الله قال لأبي حنيفة رحمه الله إذا قلت: في شيء أكرهه فما رأيك فيه؟ قال أبو حنيفة رحمه الله: التحريم.
وحكي عن عبد الرحيم الكرمني أنه قال: كنت مترددا في هذه المسألة فرأيت أبا حنيفة في المنام يقول لي كراهية تحريم يا عبد الرحيم.
م (وقيل: كراهية تنزيه) ش: ذكره فخر الإسلام وأبو المعين رحمه الله في " جامعيهما ": الصحيح أنه كراهية تنزيه لأن كراهته تعني كرامته، لئلا يحصل تقليل آلة الجهاد بإباحته، ولهذا كان سؤره طاهرا في ظاهر الرواية، وفي " الفتاوى الصغرى " قال قاضي خان أنه كراهية تنزيه؛ لأنه ذكر في كتاب " الصلاة " وسوى بين بوله وبول ما يؤكل لحمه.
م: (والأول أصح) ش: أي القول بكراهية التحريم أصح وأشار به إلى اختياره. هكذا قال صاحب [
…
] ، وكذا قال [في] " التتمة ": الأصح أنه كراهية تحريم.
م: (وأما لبنه فقد قيل: لا بأس به؛ لأنه ليس في شربه تقليل آلة الجهاد) ش: ولبن الفرس هو