الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في حد البلوغ
قال: بلوغ الغلام بالاحتلام والإحبال والإنزال إذا وطئ فإن لم يوجد ذلك فحتى يتم ثماني عشرة سنة، وبلوغ الجارية بالحيض والاحتلام والحبل، فإن لم يوجد ذلك فحتى يتم لها سبع عشرة سنة
ــ
[البناية]
[فصل في حد البلوغ]
[علامات بلوغ الغلام والجارية]
م: (فصل في حد البلوغ) ش: أي هذا فصل في بيان معرفة حد البلوغ. وإنما ذكر أن الصغر من أسباب الحجر لا بد من بيان انتهائه، وهذا الفصل لبيان ذلك، وحد البلوغ صيرورة الإنسان بحال لو جامع ينزل، وذلك مما يعرف في الرجل والمرأة بقولهما نحو أن يقول أنزلت أو احتلمت أو حبلت وما يجري مجراه، لأنه أمر يوقف عليه من جهتهما، فيقبل فيه قولهما كقول المرأة في الحيض.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (بلوغ الغلام بالاحتلام) ش: البلوغ في اللغة الوصول، وفي الاصطلاح انتهاء حد الصغر، والاحتلام من الحلم بالضم وهو ما يراه النائم ثم يقال حلم واحتلم فبلوغ الغلام يكون بالاحتلام م:(والإحبال والإنزال إذا وطئ) ش: والأصل هو الإنزال، قال الله تعالى:{وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} [النور: 59](سورة النور: الآية 59) .
وهذا بالإجماع بلا خلاف، وكذلك بلوغ الجارية بالحيض، والاحتلام والحبل بالإجماع، وأما الإنبات فهو نبت الشعر حول الذكر أو فرج المرأة بحيث يستحق أخذه بموسي، وعلامة البلوغ عند أحمد حلق العانة ولا اعتبار له في قولنا، وأما الزغب الضعيف فلا اعتبار له بالاتفاق إلا في قول عن الشافعي.
وفي " الغاية " وقال أصحابنا أن إنبات العانة لا يدل على البلوغ خلافا للشافعي. وقال في " شرح الطحاوي ": وروي عن أبي يوسف في غير رواية الأصول أنه اعتبر نبات العانة، وأما نهود الثدي فلا يحكم بالبلوغ به في ظاهر الرواية. وقال بعضهم يحكم به.
وفي " الكشاف ": في تفسير سورة النور وعن علي أنه كان يعتبر القامة ويقدر بخمسة أشبار، وبه أخذ الفرزدق في قوله:
مازال مذ عقدت يداه إزاره
…
وسمى فأدرك خمسة الأشبار
م: (فإن لم يوجد ذلك) ش: أي واحد من الأشياء المذكورة م: (فحتى يتم له ثماني عشرة سنة) ش: بفتح العددين للتركيب وحذف التاء من ثمانية وإثباتها في عشرة وتكسر الشين في عشرة وقد تسكن، وكذلك الغلام في سبع عشرة.
م: (وبلوغ الجارية بالحيض والاحتلام والحبل، وإن لم يوجد ذلك فحتى يتم لها سبع عشرة سنة،
وهذا عند أبي حنيفة، وقالا: إذا تم للغلام والجارية خمس عشرة سنة فقد بلغا وهو رواية عن أبي حنيفة، وهو قول الشافعي رحمه الله. وعنه في الغلام تسع عشرة سنة. وقيل: المراد أن يطعن في التاسع عشرة سنة، ويتم له ثماني عشرة سنة فلا اختلاف، وقيل: فيه اختلاف الرواية؛ لأنه ذكر في بعض النسخ حتى يستكمل تسع عشرة سنة
ــ
[البناية]
وهذا عند أبي حنيفة. وقالا: إذا تم للغلام والجارية خمس عشرة سنة، فقد بلغا وهو رواية عن أبي حنيفة وهو قول الشافعي رحمه الله) ش: وأحمد أيضا، وعليه الفتوى.
وقال داود لا حد للبلوغ من السن لقوله صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحتلم» ، وإثبات البلوغ بغيره يخالف الخبر، وهذا قول مالك. وقال أصحاب مالك: سبع عشرة، أو ثماني عشرة كقوله، أبي حنيفة رحمه.
م: (وعنه) ش: أي عن أبي حنيفة م: (في الغلام تسع عشرة سنة، وقيل: المراد أن يطعن في التاسع عشرة سنة ويتم له ثماني عشرة سنة) ش: أي أن يدخل، يقال طعن في السن يطعن بالضم طعنا من باب نصر ينصر، وكذا طعنه بالرمح من هذا الباب، وكذا طعن فيه بالقول.
وأما طعن في المفازة إذا ذهب، فمستقبله يطعن بالضم ويطعن بالفتح أيضا قوله في التاسع عشرة، وكان القياس يقتضي أن يقال: في التاسعة عشر لأن المعنى في السنة التاسعة عشر إلا إذا أريد بها العدد من السنين، فحينئذ يجوز أن يقال في التاسع عشرة م:(فلا اختلاف) ش: أي إذا كان هذا رواية عن أبي حنيفة فلا اختلاف بين الروايتين.
م: (وقيل: فيه اختلاف الرواية؛ لأنه ذكر في بعض النسخ) ش: أي في بعض نسخ " المبسوط " م: (حتى يستكمل تسع عشرة سنة) .
ش: قلت: له أن يستكمل، وهذا يدل على اختلاف الرواية. وقال الحاكم في " الكافي ": لا يجوز طلاق الصبي حتى يحتلم أو يبلغ، أو في ما يكون من وقت الاحتلام وذلك عند تسع عشر سنة، فإذا بلغ ذلك الوقت ولم يحتلم فهو بمنزلة الرجل وقال أبو الفضل: ذكر هذه المسألة، في كتاب الوكالة، من رواية أبي سليمان في موضعين.
فقال في أحدهما: بلوغ الغلام أن يكمل له تسع عشرة سنة وبلوغ الجارية أن يكمل لها سبع عشرة سنة.
وقال في موضع آخر: أن يطعن في التاسعة عشرة، وقطعت الجارية في السابعة عشرة، وهذا هو المشهور في قوله. ووجدت القول على هذا متفقا، في كتاب "الوكالة" في رواية أبي
أما العلامة فلأن البلوغ بالإنزال حقيقة والحبل والإحبال لا يكون إلا مع الإنزال، وكذا الحيض في أوان الحبل، فجعل كل ذلك علامة البلوغ. وأدنى المدة لذلك في حق الغلام اثنتا عشرة سنة وفي حق الجارية تسع سنين، وأما السن فلهم العادة الفاشية، أن البلوغ لا يتأخر فيهما عن هذه المدة
ــ
[البناية]
حفص. وقال أبو يوسف رحمه الله: وفيه في الغلام، والجارية خمس عشرة سنة، فإذا تمت جاز طلاقه، وإن لم يحتلم، انتهى لفظه.
وذكر الطحاوي رحمه الله في شرح "الآثار " في كتاب "السير" وكان محمد بن الحسن يذهب في الغلام إلى قول أبي يوسف رحمهما الله وفي الجارية إلى قول أبي حنفية رضي الله عنه.
وقال القدوري رحمه الله في باب من أحق بالأمانة في شرح مختصر " الكرخي " وروي عن محمد رحمه الله أنه قال في الرقة: في الغلام خمس عشرة، وفي الجارية سبع عشرة. وقال شمس الأئمة السرخسي في شرح " الكافي ": وعلى قول أبي يوسف، ومحمد، والشافعي، الجارية والغلام يتقدر بخمس عشرة سنة.
م: (أما العلامة فلأن البلوغ بالإنزال حقيقة) ش: لأنه هو الأصل كما ذكرنا م: (والحبل والإحبال لا يكون إلا مع الإنزال، وكذا الحيض في أوان الحبل، فجعل كل ذلك علامة البلوغ وأدنى المدة لذلك) ش: أي للبلوغ م: (في حق الغلام اثنتا عشرة سنة وفي حق الجارية تسع سنين) ش: وهذا لا يعرف إلا سماعا أو تتبعا.
وقال تاج الشريعة: لما روي «عن عائشة رضي الله عنها بلغت على رأس تسع سنين، وروي أن النبي عليه السلام بنى بها حين صار لها تسع سنين» ومعلوم أن البناء من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكون إلا للتوالد والتناسل، ولا يتحققان إلا بعد البلوغ، فعلم بذلك بلوغها. انتهى.
قلت: تزوج النبي عليه السلام عائشة رضي الله عنها وعمرها ست سنين ثابتا في الصحاح وغيرها.
م: (وأما السن) ش: عطف على قوله أما العلامة م: (فلهم) ش: أي فلأبي يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله م: (العادة الفاشية أن البلوغ لا يتأخر فيهما) ش: أي العادة الظاهرة الغالبة أن البلوغ لا يتأخر في الغلام والجارية.
م: (عن هذه المدة) ش: أي خمس عشرة سنة، ولأنه روي أن «ابن عمر رضي الله عنهما قال قال: "عرضت على النبي عليه السلام يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة، فلم يقبلني،
، وله قَوْله تَعَالَى:{حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الإسراء: 34](سورة الأنعام: الآية 152) ، وأشد الصبي ثماني عشرة سنة، هكذا قاله ابن عباس وتابعه القتبي وهذا أقل ما قيل فيه فيبنى الحكم عليه
ــ
[البناية]
ولم يرني بلغت. وعرضت على النبي عليه السلام يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة، فقبلني ورآني أني بلغت» .
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ما له وما عليه، وأقيمت عليه الحدود» .
قلت: حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحاح، ولكن لا يدل على مدعاهم، لأن الإجازة للقتال حكمها منوط بإطاقته والقدرة عليه وإن إجازته عليه السلام في الخمس عشرة لأنه رآه مطيقا للقتال ولم يكن مطيقا له قبل ذلك لا لأنه الحكم على البلوغ وعدمه.
ويدل عليه ما روي «عن سمرة بن جندب رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عليه غلمان الأنصار في كل عام فيلحق من أدرك منهم، فعرضت عليه فألحق غلاما، وردني فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد ألحقته ورددتني، ولو صارعته لصرعته، قال فصارعه، فصارعته فصرعته، فألحقني» ، قال الحاكم: صحيح الإسناد.
وفي " الاستيعاب ": لابن عبد البر، عن الواقدي «أنه عليه السلام استصغر عمير بن أبي وقاص، وأراد رده وبكى ثم أجازه بعد فقتل عمير وهو ابن ست عشرة سنة» . ومعنى قوله وردني أي: ورآني أني ما بلغت أي في القوة حد القتال. وأما حديث ابن أنس فلم يثبت فسقط الاحتجاج به.
م: (وله) ش: أي لأبي حنيفة م: (قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152] (سورة الأنعام: الآية 152) ش: أي قوته، وقيل: هو جمع شدة كالنعم جمع نعمة، وقيل: لا واحد لها م: (وأشد الصبي ثماني عشرة سنة، هكذا قاله ابن عباس) ش: هذا غريب.
والذي روي عن ابن عباس رضي الله عنه {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152] نهاية قوة الشباب واستتبابه، وهو ما بين ثماني عشرة سنة إلى أربعين. وروى الطبراني في "معجمه الأوسط "، ثنا محمد بن بشر، ثنا صفوان بن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152] (الأحقاف: الآية 15) ، قال ثلاث وثلاثون سنة، وهو الذي رفع عليه عيسى ابن مريم عليه السلام.
وروى ابن مردويه في تفسيره، عن عبد الله، عن عثمان بن خثيم، عن مجاهد، عن
للتيقن به، غير أن الإناث نشوءهن وإدراكهن أسرع فنقصنا في حقهن سنة لاشتمالها على الفصول الأربعة التي يوافق واحد منها المزاج لا محالة. قال: وإذا راهق الغلام أو الجارية الحلم، وأشكل أمره في البلوغ فقال: قد بلغت فالقول قوله وأحكامه أحكام البالغين، لأنه معنى لا يعرف إلا من جهتهما
ــ
[البناية]
ابن عباس في قوله {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ} [الأحقاف: 15] قال بضعا وثلاثين سنة م: (وتابعه القتبي) ش: أي تابع ابن عباس [....
.....] .
م: (وهذا أقل ما قيل فيه) ش: أي قول ابن عباس أقل ما قيل في تفسير الأشد، قال بعض السلف: أقله اثنتان وعشرون سنة، وقيل: ثماني عشرة سنة، وقيل: عشرون، وقيل: ثلاث وثلاثون. وقيل: أربعون، وقيل: أقصاه ثنتان وستون وثماني عشرة أقل ما قيل فيه م: (فيبنى الحكم عليه للتيقن به) ش: أي على الأقل للتيقن بالأقل م: (غير أن الإناث) ش: كأنه جواب عما يقال: إذا كان المتيقن هو ثماني عشرة سنة فلم نقصت سنة في الجارية فهلا كان أمرها كأمر الغلام.
فأجاب عنه أن الإناث م: (نشوءهن) ش: أي انتشاؤهن وبلوغهن م: (وإدراكهن أسرع) ش: من إدراك الذكور م: (فنقصنا في حقهن سنة لاشتمالها على الفصول الأربعة) ش: وهي الربيع والصيف والخريف والشتاء م: (التي يوافق واحد منها) ش: أي من الفصول الأربعة م: (المزاج) ش: أي الطبيعة، فيقوى المزاج بذلك م:(لا محالة) ش: أي لا حيلة، ويجوز أن يكون في الحولي وهو القوة والحركة، وهي بفعله منها وأكثر ما يستعمل لا محالة بمعنى الحقيقة واليقين، أو بمعنى لا بد وزائدة وهو مبني على الفتح، كذا في لا رجل ولا بد، فافهم.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا راهق الغلام أو الجارية) ش: يقال رهقه، أي دانى منه، وصبي مراهق أي دان للحلم، واستشكل أمره في البلوغ ولم يعلم ذلك منه م:(الحلم) ش: بضم الحاء أي الاحتلام م: (وأشكل أمره في البلوغ، فقال: قد بلغت فالقول قوله) ش: قيل: إنما يعتبر قوله بالبلوغ إذا بلغ اثنتي عشرة سنة أو أكثر، ولا يقبل فيما دون ذلك، لأن الظاهر يكذبه.
وفي فتاوى " قاضي خان " والفتاوى "الظهيرية " أدنى السن الذي يعتبر قوله بالبلوغ اثنتي عشرة سنة، وفي حق الجارية تسع سنين.
م: (وأحكامه أحكام البالغين، لأنه) ش: أي لأن البلوغ م: (معنى لا يعرف إلا من جهتهما
ظاهرا، فإذا أخبرا به ولم يكذبهما الظاهر قبل قولهما فيه كما يقبل قول المرأة في الحيض
ــ
[البناية]
ظاهرا، فإذا أخبرا به ولم يكذبهما الظاهر قبل قولهما فيه) ش: أي في البلوغ، قيد بقوله: ولم يكذبهما الظاهر إشارة إلى ما ذكرنا من أن الغلام إذا ادعى البلوغ وعمره أقل من اثنتي عشرة سنة لا يصدق، والجارية إذا ادعته، وعمرها أقل من تسع سنين لا تصدق.
وذكر في " فتاوى قاضي خان " صبي يبيع ويشتري فقال: أنا بالغ، ثم قال: بعد ذلك لست ببالغ، فإن كان سنه اثنتي عشرة سنة أو أكثر لا يعتبر جحوده، وإن كان دون ذلك لا يصح إخباره بالبلوغ، ويصح جحوده، وكذا ذكر في الفتاوى "الظهيرية ".
وفي " الفتاوى الصغرى ": إذا أقر بالبلوغ وقاسم الوصي إن كان مراهقا صح الإقرار والقسمة ولا يقبل قوله إني لم أكن بالغا، وإن لم يكن مراهقا بل كان مثله لا يحتلم عادة لا يصح الإقرار ولا القسمة.
وفي " الواقعات ": صبي أقر أنه بالغ وقاسم الوصي، فإن كان مراهقا جازت قسمته ولم يقبل قوله إنه غير بالغ، فإن لم يكن مراهقا ويعلم أن مثله لا يحتلم لم يجز قسمته ولم يقبل قوله إنه بلغ.
م: (كما يقبل قول المرأة في الحيض) ش: لأنه معنى لا يعرف إلا من جهتها فالقول قولها إلا إذا كذبها الظاهر.