الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أزهار وأشواك
مقاطعة الطليان
لا حديث للقوم واهتما لهم إلا بأخبار الحرب الدائرة رحاها بين الدولتين العثمانية والإيطالية، والصحف السياسية تواصل القراء صباح مساء بأنباء آخر ساعة. وأصحاب الغيرة الوطنية يدعون ذوي المروءة إلى بذل الدرهم والتطوع للذود عن حياض الوطن ومقاطعة الطليان في صناعاتهم ومحصولاتهم، ولست أدعو أحداً من قرائي إلى أمرٍ أحجم عنه، فإني لا أخشى أن أقول أخشى على فخارتي أن تحطما ولكن هناك مقاطعة لغوية لا تجارية أحب أن أكون رافع لوائها. لم أعرف قطراً عربياً تفشت لغة الطليان في لغة قومه تفشيها في لغة وادي النيل، وإن كانت الألفاظ العربية المشتقة من الطليانية وأمها اللاتينية ليست بالشيء القليل، على أن شيوعها في مصر بلغ التطرف. فإذا جلست في قهوة تسمع المصري الصعيدي الذي يبيع الخبز ينادي عيش فينو وبائع الحلوى يجيبه طازة فريسكا وبائع العصفور التيان يصرخ بكافيكا إلى غير ذلك كالفراولة واللامبا والبنا وإذا انتبهت إلى حديث الشبان الذين على آخر مودة لا تسمع إلا: كنت في التيرو (يعني صيد الحمام) وذاهب إلى التياترو وأمثال ذلك. وإذا كنت في بيتك ساعة الظهيرة تسمع فجأة صوتاً يشق الفضاء روبافكيا يعني ملابس عتيقة للبيع. أما التجارة فتكاد لا تجد فيها مسمى غير إيطالي
الاسم كالمانيفستو والمايسترو والبلنشو والبروتستو وفرنكوبوردو إلخ. أنا لا أريد أن أكون لغوياً ثقيلاً متطرفاً ولكن كثرة الدخليل الإيطالي إلى لغتنا لمما يكاد يفسدها علينا. فهيا إلى المقاطعة!
السلام التركي
أريد هذه المرة أن يسر الوطنيون العثمانيون بأزهاري وأشواكي. فبعد أن دعوت إلى مقاطعة الطليان ها أنا داع إلى الاقتباس من الأتراك من حيث عادة السلام. . . . للتحية أنواع كضرب القدم بالقدم أو حس الأنف بالأنف أو غير ذلك من الاصطلاحات الغريبة ولكن الطريقة الأكثر شيوعاً هي المصافحة باليد، وهي وإن كانت تفضل سواها من أنواع التحيات التي أشرت إليها على أني أفضل عليها السلام التركي وهو وضع اليد على الصدر فالفم فالرأس، ولهذا التفضيل في نظري أسباب منها شعرية ومنها صحية ومنها
عملية. من ذلك أنك إذا حييت صديقاً على هذه الطريقة فكأنك تقول له: إن ذكرك في قلبي وعلى لساني وفي فكري. وإذا سلمت بالسلام التركي تأمن على نفسك من عدوى أمراض كثيرة تنتقل باللمس ناهيك بما يصيبك من مصافحة بعض الأيدي من الاشمئزاز وخصوصاً في أيام الصيف. والأطباء يوافقوني على ذلك. والعامة تقول عن الرجل الطماع إذا صافحته فعد أصابعك فسلم دائماً سلاماً تركياً تأمن على أصابعك العشر. وإذا دخلت إلى مجتمع عام وحاولت أن تسلم بالطريقة المعتادة أعني بالمصافحة
فإنك تحدث تبلبلاً يزعجك ويزعج المجتمعين، وكثيراً ما لا تعرف بمن تبتدئ ولا بمن تنتهي. أما إذا سلمت كما أشير فإنك بإشارة لطيفة تحيي الجميع بكل سرعة وأدب دون أن تزعج أو تنزعج. وفي الختام أترك قلمي وأضع يدي على صدري ففمي فرأسي وأحييك أيها القراء العزيز تحية تركية استنابولية ولن أصافحك بعد اليوم. . . .
في منزل سليم سركيس
اجتمع في الأسبوع الماضي رهط من الأفاضل وفيهم الباشا والبك والشيخ والأديب والشاعر والطبيب والتاجر احتفاءً بالسيدة نجلا صباغ صديقة سليم سركيس وصاحبة الأيدي البيضاء على المشروعات الأدبية والاجتماعية في الديار الأمريكية. جمع سركيس نخبة من أصدقائه (من كل النمر) في هذه الحفلة الزاهرة ولكني لم أر بينهم محامياً واحداً فقلت في نفسي: يخاف صاحبنا أن يجتمع بمن قد يفوقه بحركة اللسان ولا يجمع السيفان في غمد معاً. . . أديرت كؤوس الشراب ومدت موائد الطعام وسرعان ما كانت تفرغ هذه وتلك وتذهب إلى حيث. . . وقد حفظت قائمة الأكل لقرائي ليشاركوني ولو بالفكر في هذه اللذة: شوربا، دندي، باميا. بوغاشة، حمام. كتفه. ورق عنب. كستلاتة، الجاويش، الأرز، عيش السرايا، فطير باللحمة. كشك الفقراء (كذب الاسم) الماظية وفواكه متنوعة. ولولا مهارة الطباخ. وابتهاج الآكلين وبشاشة صاحب الدعوة لصيب أكثر من واحد بتخمة. وكانت بعد ذلك بعض سويعات