الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في حدائق العرب
بمناسبة ما ذكرناه في أول هذا العدد عن تتويج ملوك الإنكليز أحببنا أن ننشر هذه الصفحات المطوية عن كيفية المبايعة عند العرب وعن الشارات الخاصة بالإمارة.
البيعة
البيعة هي في العهد على الطاعة، كأن المبايع يعاهد أميره على أنه يسلم إليه النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين لا ينازعه في شيء من ذلك. ويطيعه في ما يكلفه به من الأمر المنشط والمكره. وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيداً للعهد، فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري، فسمي بيعةً مصدر باع، وصارت البيعة مصافحة بالأيدي. هذا مدلولها في عرف اللغة ومدلول الشرع وهو المراد في الحديث في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة وعند الشجرة وحيثما ورد هذا اللفظ. ومنه بيعة الخلفاء، ومنه أيمان البيعة، كأن الخلفاء يستحلفون على العهد ويستوعبون الأيمان كلها لذلك، فسمي هذا الاستيعاب أيمان البيعة.
وأما البيعة المشهورة لهذا العهد فهي تحية الملوك الكسروية من تقبيل الأرض أو اليد أو الرجل أو الذيل، أطلق عليها اسم البيعة التي هي العهد على الطاعة مجازاً لما كان هذا الخضوع في التحية من لوازم الطاعة وتوابعها وغلب فيه حتى صارت حقيقة عرفية واستغني بها عن مصافحة أيدي الناس التي هي الحقيقة في الأصل.
شارات الملك
إن للسلطان شارات وأحوالاً تقتضيها الأبهة والبذخ فيختص بها ويتميز بانتحالها عن الرعية والبطانة وسائر الرؤساء في دولته، والمشتهر منها:
الآلة - من شارات الملك اتخاذ الآلة من نشر الألوية والرايات وقرع الطبول والنفخ في الأبواق والقرون.
السرير - أما السرير والمنبر والتخت والكرسي فهو أعوادٌ منصوبة أو آرائك منضدة لجلوس السلطان عليها مرتفعاً عن أهل مجلسه ولم يزل ذلك من سنن الملوك قبل الإسلام وفي دول العجم، وقد كانوا يجلسون على أسرة من الذهب. وكان لسليمان بن داود كرسي وسرير من عاج مغشى بالذهب. إلا أنه لا تأخذ به الدول إلا بعد الاستفحال والترف، أما
في أول الدولة عند البداوة فلا يتشوفون إليه. وأول من اتخذه في الإسلام معاوية واستأذن الناس فيه وقال لهم: إني قد بدنت. فأذنوا له واتخذه. واتبعه الملوك الإسلاميون فيه وصار من منازع الأبهة. ولقد كان عمرو بن العاص بمصر يجلس في قصره على الأرض مع العرب ويأتيه المقوقس إلى قصره ومعه سرير من الذهب محمول على الأيدي لجلوسه شأن الملوك، فيجلس عليه، وهو أمامه، ولا يغيرون عليه وفاء له بما اعتقد معهم من الذمة وإطراحاً لأبهة الملك. ثم كان بعد ذلك لبني العباس وسائر ملوك الإسلام شرقاً وغرباً من الأسرة والمنابر والتخوت ما عفى عن الأكاسرة والقياصرة.
السكة - وهي الختم على الدنانير والدراهم المتعامل بها بين الناس بطابع حديد ينقش فيه صور أو كلمات مقلوبة ويضرب بها على الدينار أو الدرهم فتخرج الرسوم عليها ظاهرة مستقيمة، بعد أن يعتبر عيار النقد من ذلك الجنس في خلوصه بالسبك مرة بعد أخرى. . . ولفظ السكة كان اسماً للطابع، وهي الحديدة المتخذة لذلك، ثم نقل إلى أثرها وهي النقوش الماثلة على الدنانير والدراهم، ثم نقل إلى القيام على ذلك والنظر في استيفاء حاجاته وشروطه وهي الوظيفة، فصار علماً عليها في عرف الدول، وهي وظيفة ضرورية للملك إذ بها يتميز الخالص من المغشوش بين الناس في النقود عند المعاملات، ويتقون في سلامتها الغش بختم السلطان عليها بتلك النقوش المعروفة.
الخاتم - وهو من الخطط السلطانية والوظائف الملوكية، والختم على الرسائل
والصكوك معروف للملوك قبل الإسلام وبعده، وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب إلى قيصر، فقيل له أن العجم لا يقبلون كتاباً إلا أن يكون مختوماً، فاتخذ خاتماً من فضة ونقش فيه محمد رسول الله. قال البخاري جعل الثلاث كلمات في ثلاث أسر وختم به وقال لا ينقش أحد مثله. وقد تختم به أبو بكر وعمر وعثمان.
الطراز - من أبهة الملك والسلطان ومذاهب الدول أن ترسم أسماؤهم أو علامات تختص بهم في طراز أثوابهم المعدة للباسهم من الحرير والديباج أو الأبريسم تعتبر كتابة خطها في نسج الثوب ألحاماً وسدى بخيط الذهب أو ما يخالف لون الثوب من الخيوط الملونة من غير الذهب على ما يحكم الصناع في تقدير ذلك ووضعه في صناعة نسجهم، فتصير الثياب الملوكية معلمة بذلك الطراز قصداً للتنويه بلابسها من السلطان فمن دونه، أو التنويه
بمن يختصه السلطان بملبوسه إذا قصد تشريفه. . . وكان ملوك العجم من قبل الإسلام يجعلون ذلك الطراز بصور الملوك وأشكالهم أو أشكال وصور معينة لذلك. ثم اعتاض ملوك الإسلام عن ذلك بكتب أسمائهم مع كلمات أخرى تجري مجرى الفال أو السجلات. . . . وكان الدور المعدة لنسج أثوابهم في قصورهم تسمى دور الطراز. وكان القائم على النظر فيها يسمى صاحب الطراز. . .
(باختصار عن ابن خلدون)