الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نظرت ذلك وسمعت وقارنته بما نظرت وسمعت من الطير والحيوان، بل من الأشجار والجبال، فوددت لو مسخ الله ابن آدم فصار حجراً ولو أنطق تلك الحيوانات ودبت الروح في تلك الجبال والأشجار، لكي يتبدل العالم الفاسد بآخر نقي الذيل نقي القلب لا فجور فيه ولا فحش، واستغفر الله وأتوب إليه وإليه المرجع والمآب.
عطبرة (السودان)
محمد فاضل
في جنائن الغرب
ضعة الإنسان
خواطر لبسكال
لا شيء يثبت للإنسان حقارة قدره كنظره في العلة الحقيقية لاضطرابه المستمر الذي يقضي به أمد الحياة. . .
طرحت النفس في الجسد لتحل به زمناً قصيراً. . . تعلم أن العيس في الدنيا هو مسلك يؤدي إلى سفر أبدي وأنها لا تملك من الوقت للتأهب له غير زمن وجيز مدة عيشها في هذا الوجود. وحاجاتها الطبيعية تسلبها النصيب الأوفر من هذا الوقت، فلا يبقى لديها سوى النزر القليل تصرفه طوع إرادتها. ولكن هذه البقية اليسيرة تزعجها وتهمها حتى أنها لا تفكر إلا في إضاعتها. لأن إكراه النفس على مؤانسة نفسها وسوامها الفكر في ماهيتها كربة هي لا تطيق الصبر عليها. ولذا كان همها الأول ان تتغافل عنها فتدع هذا الوقت القصير الثمين يمر بلا ترو لاهية بما يشغلها عن الفكر فيها.
ضعة الإنسان رائد كل ملاهيه ذات الجلبة والضوضاء وكل ما يدعونه لهواً ولعباً فإنه في حقيقة أمره لا يريد به إلا أن يقطع الوقت دون أن يشعر به أو بالحري دون أن يشعر بنفسه فيقيها بإضاعته ذلك الشطر من حياتها الغم والكره لذاتها اللذين هما لا محالة عاقبة التأمل فيها. لا ترى النفس منها شيئاً يسرها، لا ترى إلا ما يحزنها كلما أمعنت النظر في ذاتها فهذا الذي يلجئها إلى المعاشرة ويكلفها بشغلها في الأمور الخارجية أن تبحث عما يفقدها ذكرى حالتها الحقيقية. فإن سرورها كله متوقف على
هذا النسيان وليس لمن أرادها شقية بائسة سوى أن يلزمها مشاهدة نفسها وملازمتها.
* * *
للطبيعة كمالات لتظهر للعالم أنها صورة الله. ولها نقائص لتريهم أنها صورته فقط.
* * *
أهون على المرء تكبد الموت دون الفكر فيه من الفكر في الموت دون تكبده.
* * *
إنما الإنسان في الدنيا قصبة واهنة، اوهن قصبة في الخليقة، لكنه قصبة مفكرة. ليس
للكون أن يتحالف عليه ليسحقه فقليل من البخار، أو نقطة من الماء كافية لتقتله. على أنه وإن سحقه الكون بأسره فهو يظل أرفع مما يسحقه لأنه ليموت وهو عالم بموته والكون غير شاعر بغلبته عليه.
* * *
يعرف الرجل أنه شقي، فهو شقي لأنه يشعر بشقائه، لكنه كبير لأنه يعرف هذا الشقاء.
قليل يسلينا لأن قليلاً يشجينا.
* * *
ازدراء لفلسفة عين الفلسفة.
* * *
بلغ الزهو من الإنسان أن يتمنى الشهرة في أقاصي الأرض حتى يلهج بذكره كل قاطن فيها بعده، وبلغ العجب منه أن يضطرب فرحاً بما
يلقاه من الإكرام والحظوة لدى خمسة أو ستة من أقرانه.
* * *
إننا لا نقنع بحياتنا الطبيعية التي وهبت لنا منذ نشأتنا، بل نطمع في أن نحيا في مخيلة الناس حياة وهمية، ولذا نكلف أنفسنا أن تمثل بينهم في مظهر غير مظهرها.
* * *
بلغ الجنون من الناس أن يروا العاقل بينهم مجنوناً.
* * *
شقاوة الإنسان برهان على جلاله، فهي شقاوة سيد كبير وملك مقدم.
* * *
إذا ترقب الإنسان فكره في جميع هواجسه، رآه أبداً دائم الشغل بماضيه ومستقبله. فيكاد الإنسان لا يفكر في حاضره إلا لينير به غلس مستقبله. فليس الحاضر غرضه وما ماضيه وحاضره سوى عدة مستقبله. . . المستقبل فقط مطمح أبصاره فهو في الحقيقة لا يعيش بل يؤمل أن يعيش.
* * *
من أراد أن يتحقق زهو الإنسان وبطله فعليه أن يتأمل أسباب حبه ونتائجه. أما أسبابه فغامضة مجهولة، وأما نتائجه فهائلة مروعة. هذا السبب المجهول، هذا ليسير الذي تتعذر معرفته يقلب الأرض بطناً لظهر، ويزعج الأمراء ويقلق الجيوش ويحرك الدنيا بأسرها. . . .
* * *
لو كان أنف كليوباطرة أصغر حجماً لتغيرت حال البسيطة برمتها.
* * *
أوشك كرومول أن يخرب النصرانية، ويحط الأسرة المالكة إلى الحضيض، ويرفع عائلته إلى الأوج لولا حبة رمل صغيرة حلت من جسمه في مجرى البول. ولكن هذه الحبة الصغيرة التي لم يكن ليعتد بها أينما وجدت كفت وقد حلت في هذا المحل لتقتله وتحط عائلته وتعيد الملك إلى العرش.
* * *
وجهان متشابهان لا يضحك كل منهما على حدته يضحكان بتشابههما إذا شوهدا معاً.
* * *
نرى حادثاً يتكرر أمامنا على هيئة واحدة فنقضي من تواتره بوجوب حدوثه كما نعتقد أعقاب الصبح للدجى. على أنه كثيراً ما تكذبنا الطبيعة فإنه لا شيء يضبطها حتى ولا نواميسها.
تعريب - هزيز مرزا