الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما يسمونه الحب.
أود كثيراً أن أطيل رسائلي إليك. لو استطعت لجعلت اليوم خمساً وعشرين ساعة وأنفقته في مناجاتك عن بعد. كما أنا أغار من رسائلي لأنها تستطيع الوصول إليك وأما أنا فكالطير المقصوص الجناح.
حبيبتك حتى الموت
دورثي
بقلم سليم عبد الأحد
غرائب امريكا
أمدنية أم ماذا؟
لقينا في هذه الأيام أديباً من أدباء الشرق أقام سنوات طويلة في البلاد الأمريكية يخدم فيها الصحافة العربية، فرغبنا إليه في أن يحدث قراء الزهور عن مدنية العالم الجديد فكتب إلينا الفصل التالي ولعله يتابع هذا البحث في أعداد قادمة:
تشرف على بلد عظيم فلا تقع عيناك إلا على قصور شائقة وصروح فخمة ورؤوس أشجار في غابات ورياض فتخاله، وأنت بعيد عنه، الفردوس المفقود. فإذا نزلته وأمعنت في أنحائه مطوفاً في زواياه تجلت لك الحقيقة وعرفت أن ما يتراءى لك عن بعد لأشبه شيء بالملابس الجديدة تستر داميات القروح.
كذلك أمريكا، والولايات المتحدة أعظمها شأناً وأعرقها مدنية وفي ما أسطره الآن عن تلك الجنة الموهومة تقرير عن حالتيها المدنية
والاجتماعية، أدفعه إلى قراء هذه المجلة بسيط العبارة خالياً من كل ما ينمق به الكتاب مقالاتهم من زخرفة في الكلام وإبداع في الأفكار ملتزماً فيه شروط التقرير فلا ينتظرن القارئ مني سوى ذلك في مثل هذا البيان.
قد يكون غيري سبقني إلى طرق هذا الباب إلا أنني على يقين أنه اقتصر في البحث على أحسن الوجهين لأحد أمرين: إما ليقال انه عاشر علية القوم ووقف على مدينتهم ورقيهم، فيلصق بذهن القارئ أن الكاتب أصبح أرقى منه قبلاً وربما كان أرقى من القارئ أيضاً وهذا أجل عنه الأديب؛ وأما ليك يوقف قومه على مبلغ الفرق بينهم وبين من هم أرسخ منهم قدماً في المدنية مؤملاً أن وراء ما يسطره لهم مدرجة إلى إصلاح الحال. وهذا ما ينزع إليه بعض الكتاب. أما كاتب هذه السطور فلم ير لسوء حظه ما يدعى مدنية حقيقية في تلك الأصقاع القصية وكل ما رآه طلاء خارجي ناصع ينطوي تحته ما ينطوي تحت طلاء القبور.
* * *
إذا كان المقصود من المدنية وفرة المتمثلات والملاهي وكثرة المراقص والملاعب وتسهيل أسباب المعيشة وتكثير موارد الارتزاق لمريدي العمل ونهضة في العقول والهمم وغزارة في العلم، كانت الولايات المتحدة أعظم الأمم شأناً وأعلاها منزلة في معارج المدنية. أما
وقد شاء واضعو مفردات اللغات أن يكون بين ما يضعونه كلمات مثل الخلاعة واللهو والقصف
والزهو والمفسدة ثم التجارة والصناعة والزراعة والمعارف والفنون وما شاكلها، كان لكلمة المدنية أو التمدن معنى محصور لا يتجاوز مفهومه دائرة الأخلاق وآداب الاجتماع، وكانت الولايات المتحدة بهذا المعنى أحط من أكثر بلدان العالم ومساوية للبعض الآخر الأقل. وإذا شاء أحد أن يرد قائلاً إن المتمثلات وما يجانسها لمن مظاهر المدنية وأدلة الرقي قلنا نعم ولكن إذا روعيت فيها شروط وضعها لا حسب مصيرها. أما وهي في هذه الحالة فهي هاوية تسترها أزهار وتغشاها رياحين.
ما أنا معترض على المتمثلات بعينها وأخص منها الشرقية التي لا تزال الحشمة تلازمها فلا تضيع الفائدة المقصودة من التمثيل، وإنما أشجب تلك المتمثلات الأمريكية وما تدرجت إليه مما يستظهر به الضعف الإنساني على إرادة صاحبه. وكلكم يعلم أن إرادة المرء موكولة إلى ما يحيط بها من العوامل الخارجية فهي كقطعة من الحديد تدور بها قطع من المغناطيس فتنجذب إلى أقواها فعلاً عليهاً.
ومن الغريب المدهش أن كل ما يجري فيها متسامح به ولو بدت منه أقل حركة وأنزه إشارة في المجتمع لاستوجب فاعلها الرجم. وهذا أشبه شيء ببعض الحكومات التي تمنع الميسر في بلادها من وجه وتجيزه وتحلله من وجوه، كأن المقام والاسم إذا اختلفا تختلف بهما الحقيقة والجوهر.
من مذلات الفتاة الأمريكية بين بنات جنسها، ومن دواعي حزنها العميق أن لا تكون حبيبة إلى كل القلوب. تبيح لها الحقوق الشرعية
والشرائع البيتية أن تستهوي كل من راق منظره في عينها وكثيراً ما تجتمع لديها عشرات القلوب فتتناوب الاجتماع مع أصحابها تؤنس منهم قوماً وتوحش آخرين وهي مادامت عزبة غير مسؤولة عما تفعله. وقلما تلقى فتاة لم تتجاوز المدى في الهوى وما ذلك عندهم بالأمر المكروه بل إن التي لا تتبع هذا الصراط السوي كانت من الضالات المغضوب عليهن اللواتي لا نصيب لهن من الحياة على أحدث الأزياء.
وتظل ملكة القلوب على هذا النمط إلى أن تتزوج بمن يحلو لها من عشاقها الكثيرين وللاستحلاء أمور جمة لا أظنها تخفى على قارئ.
وإذا تزوجت هذه الفتاة تابت إلى ربها، مبقية لنفسها حقوق الأمانة وعدمها وفقاً لمراعاة زوجها هذه الحقوق فإذا خان خانت. وتلك حقوقها كما هي حقوقه أيضاً. ويقيم أحدهما رقيباً على الآخر فإما أن يزل أحدهما وهذا لا يحصى. وقلما يمر نهار واحد في نيويورك مثلاً ولا يسمع فيه أهلوها بعشر حوادث طلاق على الأقل وتلك جرائدها تنبئك اليقين.
قد تشعر إحدى العائلتين بما يختلج في صدر ابنها أو ابنتها فتحاول الحؤول دون الزواج، ولكنه حؤول لا يثمر غير هرب الحبيبين فلا تمر عليهما ساعات إلا وقد نزلا بلداً آخر يجريان فيه عقد الزواج المدني والكنسي وما شرطه إلا رضى متبادل بينهما من غير ما نظر إلى رضى أهليهما.
ولا يخالن القارئ إن العائلات والأسر الوجيهة الشريفة والموسرة أرفع من أن يحدث فيها مثل هذه الأمور وإنما هي أقرب لتغذية هذه
الجرثومة مما دونها بل ربما هربت الفتاة الغنية صاحبة الملايين مع الحوذي أو الطاهي أو من كان في منزلتهما، وذلك كثير الحدوث.
* * *
ومن غرائب تلك البلاد اختطاف الأحداث فإنه لا يمر أسبوع إلا وتفقد إحدى العائلات طفلها أسابيع وشهوراً، وربما عاماً أو عامين غير عارفة له مقراً ولا سامعة عنه خبراً إلا من مختطفيه المجهولي الإقامة والأسماء في رسائل الوعيد والتهديد بإعدام الطفل إذا لم يؤدوا الفدية ومقدارها كذا ألوف ترسل بالطريقة الفلانية إلى المحل الفلاني.
تأخذ الرعدة من قلوب الأهلين فيتذرعون بكل وسيلة ويلتجئون إلى الحكومة لمعرفة مقر الطفل متنازلين عن مطالبة المختطف، قانعين برد الطفل المفقود. ولكن أين يد الحكومة لتصل إلى ما يراد؟ وأين قوتها لتقتص من الأثيم وهو كل يوم في وادٍ؟ وأين سلطانها لتهتدي إلى مقر الطفل، والطفل كل يوم في أيدٍ جديدة يتنقل من بيت إلى آخر ومن بلاد إلى بلاد.
إلا أنه مما يشكر المختطفون لأجله هو كثرة اعتنائهم بهؤلاء الأحداث فيوفرون لهم أسباب الراحة والعيشة الرضية والانشراح فلا يبخلون عليهم بشيء. وبينهم عدد كبير من النساء المنخرطات في سلكهم لاصطياد الأطفال تارة وللاعتناء بهم طوراً.
وأخيراً يوم لا يتوفق الأهل إلى إيجاد طفلهم لا يرون وسيلة أصوب من التسليم بمطالب المختطفين فيدفعون الجزية صاغرين. ومن غرائب
أمور هذه الفئة أن الفدية تدفع ودافعوها لا يعرفون مستلميها ولا مرقهم ولا يرون لهم وجهاً. وكثيراً ما ضجت الجرائد لاستئصال هذه الآفة إلا أنها كالنافخ في البوق بين الأموات. . .
هذا قليل من كثير مما يجري في بلاد تكاد البلاد الأخرى تتخذها منزل آلهة التمدن الحديث. وإذا قيل أين حكومتها وأين بوليسها وأين ما يقال عن عدلها وقسطها؟ قلت حكومتها موجودة، وبوليسها موجود، ولكنها الوحيدة بين الحكومات في العالم التي اتخذت مبدأها الوحيد توفير ثروة البلاد وجعل شعبها وأممها وبلاد أغنى شعوب أمم وبلاد العالم على الإطلاق، وإلى غير هذه الوجهة لا تنظر، منصرفة أكثر الانصراف عن بقية الوجوه الأخرى. وإذا كان جمع المال غاية المرء عميت عيناه وبصيرته عن سائر الغايات.
وعندهم أيضاً ما يعرف بتجارة الرقيق الأبيض وهي تجارة ذات شركات في كثير من البلاد الأمريكية تستجلب من البلاد الأوروبية كل رشيقة القد أسيلة الخد تبيعها من تجار الحسن وتبالغ في طلب الثمن المختلف لا باختلاف درجات الجمال فقط بل باختلاف الجنسية فلكل جنس عندهم ثمن معروف. والإفرنسية أغلى الفتيات ثمناً وأرفعهن مقاماً وأكثرهن رواجاً. وقد اهتمت الحكومة الأمريكية في العامين الماضيين اهتماماً مشكوراً لاصطلام هذه الآفة إلا أنها لم تؤت نجاحاً يذكر. ولا يزال مؤلفو هذه الشركات يتابعون هذه التجارة الرابحة والمدنية الحقيقة تنظر كل ذلك وتلطم خديها بيديها.
- العامري